ــ[467]ــ
ولو شرط حين النيّة ثمّ بعد ذلك أسقط حكم شرطه فالظاهر عدم سقوطه (1) ، وإن كان الأحوط ترتيب آثار السقوط من الإتمام بعد إكمال اليومين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بحث الشروط من المكاسب بمعنى الارتباط(1) ، ومنه شريط المساحة ، وقد قال في القاموس : إنّه إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه(2) . ومن هنا ذكرنا في محلّه أنّ الوجه في عدم وجوب الوفاء بالشروط الابتدائيّة ليس مجرّد الإجماع وإن كان محقّقاً ، بل هو عدم إطلاق لفظ الشرط عليه ، لعدم كونه مرتبطاً بعقد أو إيقاع ، فلا يسمّى شرطاً ليشمله عموم : «المؤمنون عند شروطهم» (3) ، وإنّما هو وعد محض يستحبّ للمؤمن أن يفي به ، فإنّه كدين في عهدته كما في بعض النصوص .
وعليه ، ففي المقام لو أتى بالاشتراط أثناء النيّة فقد حصل الارتباط الملحوظ فيما بينه وبين الله ، وأمّا لو كان قبل الشروع أو بعده فهو شرط ابتدائي فلا دليل على اعتباره ، لاختصاص الإمضاء الشرعي بالقسم الأوّل فقط حسبما عرفت .
(1) هل الشرط في المقام من قبيل الحقوق القابلة للإسقاط كما في باب العقود والإيقاعات ، أو لا ؟
فيه قولان ، اختار الماتن عدم السقوط وإن كان الإتمام مع الإسقاط هو مقتضى الاحتياط الذي هو حسن على كلّ حال .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الفقاهة 2 : 158 .
(2) القاموس 2 : 368 (شرط) .
(3) الوسائل 21 : 276 / أبواب المهور ب 20 ح 4 .
ــ[468]ــ
وما ذكره (قدس سره) هو الصحيح .
والوجه فيه : ما تعرّضنا له في مبحث الشروط من أنّ حقيقة الشرط في مثل قولنا : بعتك على أن تخيط ، أو على أن يكون العبد كاتباً ، ليس بمعنى تعليق العقد عليه بحيث إنّه لم ينشأ البيع لولا الخياطة أو الكتابة وإلاّ كان العقد باطلا من أصله لقيام الإجماع على بطلان التعليق في باب العقود والإيقاعات .
كما أ نّه ليس أيضاً بمعنى مجرّد التزام مستقلّ مقارناً مع الالتزام البيعي أجنبيّاً عنه من غير ربط بينهما ، فإنّ هذا وعد محض وليس من الشرط في شيء كما مرّ آنفاً ، فما هو المعروف من أنّ الشرط التزام في التزام لا نعقله .
بل الصحيح في معنى الشرط تعليق الالتزام بالعقد بحصول الشرط من دون تعليق في نفس العقد بوجه ، فينشئ البيع ـ مثلا ـ على كلّ حال ولكن الالتزام به بقاءً منوط بحصول الشرط ، فالتعليق في اللزوم لا في نفس البيع ، ومرجعه لدى التحليل إلى جعل الخيار وأنّه يلتزم بالبيع على تقدير الخياطة ، وإلاّ فله خيار الفسخ .
فحقيقة الشرط في هذه الموارد على ما يساعده الارتكاز العقلائي ترجع إلى عدم التزام الشارط بالعقد إلاّ على تقدير خاصّ ، فإنّ التعليق في نفس العقد وإن كان باطلا كما عرفت إلاّ أ نّه في الالتزام الراجع إلى جعل الخيار لا بأس به ، فلو تخلّف الشرط صحّ العقد وثبت اختيار الفسخ .
ولكن هذا يتّجه في خصوص العقود القابلة للفسخ .
وأمّا ما لا يقبله ـ كالطلاق والنكاح ونحوهما ممّا كان الخيار فيه على خلاف المرتكز العرفي فضلا عن الشرعي ـ فليس معنى الشرط فيه التعليق في الالتزام، بل معناه التعليق في نفس العقد أو الإيقاع ، فيعلّق المنشأ فيهما على التزام الآخر بالشرط . ولا بأس بمثل هذا التعليق الذي هو تعليقٌ على أمر حاصل ، وإنّما
ــ[469]ــ
لا يجوز فيما إذا كان على أمر مستقبل إمّا مشكوك أو معلوم الحصول . وأمّا التعليق على الأمر الحالي المعلوم الحصول ـ كأن يقول : بعتك الدار على أن يكون فلان ابن زيد ، وهو كذلك ـ فلا مانع منه . وفي المقام أيضاً علّق المنشأ على نفس الالتزام من الطرف الآخر وقد التزم حسب الفرض ، وإلاّ فيبطل من أجل عدم المطابقة ، فكان الشرط حاصلا والعقد صحيحاً ونتيجته مجرّد الحكم التكليفي ، أعني : وجوب الوفاء بالشرط بمقتضى عموم «المؤمنون عند شروطهم» .
وعلى الجملة : فالشرط المعقول مرجعه إلى أحد هذين الأمرين ، إمّا تعليق الالتزام الراجع إلى جعل الخيار ، أو تعليق المنشأ الراجع إلى الإلزام بالوفاء ، وبينهما عموم من وجه ، فقد يفترق الأوّل كما في الشرط في ضمن الطلاق أو النكاح حسبما عرفت آنفاً ، وقد يفترق الثاني كما في بيع العبد على أن يكون كاتباً فإنّه لا يقبل الإلزام بالوفاء لخروجه عن الاختيار فمرجعه إلى جعل الخيار فقط ، وقد يجتمعان كما في البيع بشرط الخياطة فإنّه يتضمن الإلزام بالوفاء والخيار مع التخلّف .
وعلى كلا التقديرين ـ أي سواء رجع إلى جعل الخيار أم إلى أنّ الشارط يملك الإلزام على المشروط له ـ فهو شيء قابل للإسقاط بمقتضى السيرة العقلائيّة ، مضافاً إلى النصوص الواردة في الموارد المتفرّقة .
ولكنّه يختصّ بما إذا كان الشرط على النحو المعهود المألوف ، أعني : الشرط مع اشخاص آخرين في ضمن عقد أو إيقاع حسبما مرّ .
وأمّا الشرط مع الله سبحانه في ضمن عبادة ـ وهي الاعتكاف في محلّ كلامنا ـ فلم يدلّ أىّ دليل على جواز إسقاطه ، فإنّ الذي شُرِّع له من الأوّل إنّما هو هذا الاعتكاف الخاصّ ـ أعني : ما فيه اختيار الفسخ والرجوع ـ
|