[ 2605 ] مسألة 3 : كلّ ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف (2) إذا وقع في النهار من حيث اشتراط الصوم فيه ، فبطلانه يوجب بطلانه ، وكذا يفسده الجماع سواء كان في الليل أو النهار ، وكذا اللمس والتقبيل بشهوة ((1)) ، بل الأحوط بطلانه بسائر ما ذكر من المحرّمات من البيع والشراء وشمّ الطيب وغيرها ممّا ذكر ، بل لا يخلو عن قوّة وإن كان لا يخلو عن إشكال أيضاً . وعلى هذا فلو أتمّه واستأنفه أو قضاه بعد ذلك إذا صدر منه أحد المذكورات في الاعتكاف الواجب كان أحسن وأولى ((2)) .
ـــــــــــــــــــــــ (2) هل الحرمة الثابتة للمذكورات من الجماع والبيع والشراء والجدال ونحوها تكليفيّة ووضعيّة ، أو أنّها تكليفيّة فقط من غير أن تستوجب البطلان ، أو أنّها وضعيّة فقط دون أن تكون محرّمة تكليفاً ، كما لو خرج من المسجد بغير حاجة فإنّه يبطل اعتكافه ولكنّه لم يرتكب محرّماً إذا كان في اليومين الأولين . نعم ، في اليوم الثالث يحرم لحرمة الإبطال كما مرّ . فهل حكم تلك المذكورات حكم الخروج ، أو أنّها محرّمة تكليفاً لا وضعاً ، حتّى أ نّه لو جامع في اليومين الأولين ارتكب محرّماً وصحّ اعتكافه وكذا غيره من سائر المذكورات ؟
أمّا بالنسبة إلى الجماع فالظاهر أ نّه لا شكّ في حرمته التكليفيّة والوضعيّة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مرّ آنفاً الإشكال في حرمتهما .
(2) بل الأحوط ذلك ، وإن كان البطلان هو الأظهر .
ــ[488]ــ
معاً من غير فرق بين اليومين الأولين والأخير .
والوجه فيه : أنّ استفادة كلا الحكمين وإن لم يمكن من نهي واحد نحو قوله (عليه السلام) : «المعتكف لا يأتي أهله» ، إذ هو في أحدهما إرشادي ، وفي الآخر مولوي ، والإرشاد يرجع في الحقيقة إلى الإخبار وإن كان بصورة الإنشاء ، فمرجع قولنا : المصلّى لا يتكلّم أو يستقبل ، إلى أنّ التكلّم مانع أو القِبلة شرط . ولا يمكن الجمع بين الإخبار والانشاء في كلام واحد ، فلا يدلّ على التكليف والوضع معاً ، بل لا بدّ من الحمل على أحدهما .
إلاّ أ نّه يستفاد ذلك ممّا دلّ على أنّ المجامع أهله معتكفاً بمنزلة من أفطر في شهر رمضان ، فإنّ عموم التنزيل يقتضي ثبوت كلا الحكمين ، فكما أنّ الإفطار في شهر رمضان محرّم ومبطل ، بل وموجب للكفّارة ، فكذا في الاعتكاف ، فإنّ التنزيل لا يختصّ بالكفّارة وإن ذكرت في الرواية ، بل مفاده عموم الأحكام .
والظاهر أ نّه لم يقع فيه أىّ خلاف من أحد ، وأنّ الجماع حرام ومبطل من غير فرق بين اليومين الأولين أو الأخير في الليل أو في النهار ، داخل المسجد أو خارجه .
وأمّا غير الجماع من اللمس والتقبيل بشهوة فقد تقدّم عدم حرمته فضلا عن كونه مبطلا (1) ، وعرفت أنّ الآية المباركة ظاهرة في المباشرة بمعنى الجماع ، وكذا الروايات .
وأمّا غير ذلك من سـائر الاُمور من البيع والشراء وشمّ الطيب والجدال ونحوها فالحكم فيه يبتني على ما ذكرناه في الاُصول(2) وتقدّم في مطاوي هذا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 478 ـ 479 .
(2) محاضرات في اُصول الفقه 4 : 86 وما يليها .
ــ[489]ــ
الشرح من أنّ النهي بحسب طبعه الأولي وإن كان ظاهراً في التحريم التكليفي المولوي ، أي اعتبار كون المكلّف بعيداً عن الفعل في عالم التشريع ، ولأجله يعبّر عنه بالزجر ، فكأنّ الناهي يرى المنهي محروماً عن العمل وأ نّه لا سبيل له إليه والطريق مسدود .
إلاّ أنّ هذا الظهور الأولي قد انقلب في باب المركّبات من العبادات والمعاملات ـ العقود منها والإيقاعات ـ إلى الإرشاد إلى الفساد واعتبار عدمه في ذلك العمل، فلا يستفيد العرف من مثل قوله (عليه السلام) : «نهى النبي (صلّى الله عليه وآله) عن بيع الغرر»(1) أ نّه محرّم إلهي كشرب الخمر ، بل معناه : أنّ الشارع الذي أمضى سائر البيوع لم يمض هذا الفرد ، وأنّه يعتبر في الصحّة أن لا يكون غرريّاً . فلا تستفاد الحرمة التكليفيّة بوجه إلاّ إذا دلّ عليه دليل من الخارج ، كما في الربا بقرينة قوله تعالى : (فَأْذَنُوا بِحَرْب مِنَ اللهِ )(2) ، وإلاّ فنفس النهي لا يدلّ عليها بوجه .
وكذلك الحال في باب العبادات ، فإنّه لا يستفاد من النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه إلاّ البطلان ، وتقيّد الصلاة بعدم ذلك .
وهذا الكلام بعينه يجري في باب الأوامر أيضاً ، فإنّ الأمر بالصلاة إلى القبلة ظاهر في الشرطيّة لا الوجوب التكليفي ، كما أنّ الأمر بالإشهاد في الطلاق في قوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْل مِنكُمْ)(3) ظاهر في ذلك ، وأنّ الطلاق بلا شاهد باطل لا أ نّه حرام ، وهكذا غيرها ، فقد انقلب الظهور من المولوي إلى الإرشادي ومن التكليفي إلى الوضعي ، وهذا يجري في جملة اُخرى من الموارد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2 : 45 / 168 .
(2) البقرة 2 : 279 .
(3) الطلاق 65 : 2 .
|