أوّلاً : البلوغ 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 13:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5583


ــ[5]ــ

   الأوّل : البلوغ . فلا تجب على غير البالغ (1) في تمام الحول ـ فيما يعتبر فيه الحول ـ ولا على من كان غير بالغ في بعضه ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحاكم الشرعي المبسوط اليد ، كما ورد من أنّ القائم (عليه السلام) بعد قيامه يضرب عنق مانع الزكاة (1) .

   وقد عرفت أنّ الإنكار أيضاً لا يستوجبه ما لم يؤدّ إلى تكذيب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وإنكار الرسالة ، كما في سائر الضروريّات حسبما تقدّم .

   (1) بلا خلاف فيه منّا في النقدين ، بل عن جماعة : دعوى الإجماع عليه ، وعلى المشهور في غيرهما من الغلاّت والمواشي، وإن نُسِبَ الخلاف إلى الشيخين والسيّد المرتضى (2) ونفر يسير .

   والأقوى ما عليه المشهور .

   ويدلّنا على الحكم في الجميع ـ  قبل كلّ شيء  ـ :  حديث رفع القلم عن الصبي (3) ، الحاكم على جميع الأدلّة الأوّليّة، ومنها : وجوب الزكاة ، والموجب لتخصيصها بالبالغين، وخروج الصبي عن ديوان التشريع وقلم الجعل والتكليف.

   ودعوى اختصاص الحديث بالأحكام التكليفيّة ، وعدم تكفّله لرفع الحكم الوضعي، الذي هو ثابتٌ أيضاً في المقام بمقتضى ما دلّ على شركة الفقراء في العين الزكويّة بنحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن ، وثبوت حقٍّ وسهم لهم في الأموال وضعاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 33 /  أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 4 ح 6 .

(2) حكاه في الحدائق الناضرة 12 : 18 ، وفي رياض المسائل 5 : 38 ـ 39 .

(3) الوسائل 1 : 45 /  أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11 و 12 .

ــ[6]ــ

   عريّةٌ عن الشاهد ; فإنّ إطلاق الحديث يعمّ الوضع والتكليف بمناط واحد .

   نعم، بما أنّ لسانه الامتنان فهو لا يعمّ الضمانات، لأنّ شموله لها يستلزم خلاف الامتـنان على الآخرين ، وأمّا غير ذلك فلا قصور في شموله لكلّ ما يوجب الوقوع في الكلفة ، من تكليف أو وضع ، ولا ريب أنّ الزكاة نقصٌ في المال ، وموجبٌ لوقوع صـاحبه في الكلفة ، فهو مرفوع عن الصبي بمقتضى إطلاق الحديث .

   هذا، ولو سلّمنا الاختصاص بالتكليف، فالمقتضي لشمول الوضع للصبيّ قاصرٌ في حدّ نفسه، فإنّ الآيات الدالّة على الزكاة كلّها متعرّضة للتكليف فقط، ضرورة أنّ قوله تعالى: (وَآتُوا الزَّكَاةَ)(1) نظير قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ )(2) وقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)(3) لا نظر في شيء منها إلاّ إلى الحكم التكليفي فحسب ، ولا مساس لها بالوضع بوجه كما هو ظاهر جدّاً ، والمفروض أنّ حديث رفع القلم عن الصبي موجبٌ لاختصاص هذه التكاليف بالبالغين .

   وأمّا الروايات ، فهي وإن دلّت على الوضع وشركة الفقراء بنسب مختلفة حسب اختلاف الموارد ـ مثل قوله (عليه السلام) : فيما سقته السماء العشر ، وفي كذا نصف العشر ، وفي كذا واحد في أربعين (4) ، وهكذا ممّا تضمّن ثبوت حقٍّ في المال وضعاً ـ إلاّ أ نّها برمّتها ليست إلاّ في مقام بيان تعيين المقدار بعد الفراغ عن أصل ثبوت الزكاة بشرائطها المقرّرة ، وليست متعرّضة لمورد الثبوت ومن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 2 : 43 .

(2) البقرة 2 : 43 .

(3) البقرة : 183 .

(4) الوسائل 9 : 182 /  أبواب زكاة الغلاّت ب 4 .

ــ[7]ــ

يتعلّق به الزكاة ليتمسّك بإطلاقها ، لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة ، فهي في أنفسها قاصرة الشمول للصبي(1)، فلا تصل النوبة إلى البحث حول الدليل الحاكم ـ أعني حديث الرفع ـ وأ نّه هل يعمّ التكليف والوضع أم لا ، إذ لا دليل على ثبوت الحكم الوضعي في حقّ الصبي من أصله حسبما عرفت .

   هذا ، ومع الغضّ وتسليم الإطلاق في دليل الوضع ـ كتسليم الاختصاص في حديث الرفع ـ فتكفينا النصوص الكثيرة ـ وجملة منها معتبرة ـ المتضمّنة أ نّه : «ليس على مال اليتيم زكاة» (2) بعد وضوح تحديد اليتيم بالبلوغ ، كما في جملة من النصوص ، فإنّ النسبة بين هذه الرواية وبين آحاد نصوص الوضع ـ مثل قوله (عليه السلام) : فيما سقته السماء العشر ، وفي كذا نصف العشر ، وفي كذا واحد في أربعين وهكذا ـ وان كانت هي العموم من وجه ـ لأنّ هذه تعمّ ما سقته السماء مثلاً وغيره ، كما أنّ تلك أيضاً تعمّ اليتيم وغيره ـ إلاّ أ نّا لو لاحظنا هذه مع مجموع تلك النصوص كانت النسبة بينهما نسبة الخاصّ إلى العامّ ، بحيث لو جُمِعَ الكلُّ في دليل واحد فقيل : في كذا العشر ، وفي كذا نصفه ، وفي كذا واحد في أربعين ، وهكذا ، ثمّ ذيّلنا الكلام بقولنا : ليس على مال اليتيم زكاة ، لم يكد يرى العرف أيّ تناف بين الصدر والذيل ، ولم يبق متحيّراً ، بل يحكم بقرينيّة الذيل، وأنّ تلك الأحكام خاصّة بالبالغين ، فإذا كان الحال كذلك لدى الاتّصال فمع الانفصال أيضاً كذلك ، لأنّ مرجع أدلّة وجوب الزكاة في أنواعها الثلاثة إلى دليل واحد كما لا يخفى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا وجيهٌ بالإضافة إلى النصوص المتقدّمة ، وهناك روايات اُخرى تضمّنت شركة الفقراء مع الأغنياء من غير تعرّض للمقدار، كصحيحة ابن مسكان [ الوسائل 9: 13 / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 1 ح 9 ] وغيرها ، وإطلاقها غير قاصر الشمول للصبي كما لا يخفى ، فليتأمّل .

(2) الوسائل 9 : 83 /  أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 .

ــ[8]ــ

   ولو سلّمنا أنّ النسبة عمومٌ من وجه ، كان الترجيح مع هذه الرواية ، لأ نّها بلسان الحكومة كما لا يخفى .

   ومع الغضّ عن كلّ ذلك ، فغايته التساقط بعد التعارض بالعموم من وجه . فلم يبق لنا دليلٌ على ثبوت الزكاة في مال الصبي، والمرجع في مثله أصالة العدم .

   ولا سبيل للرجوع حينئذ إلى عموم مثل قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) (1) إذ ـ مضافاً إلى أنّ في نفس الآية المباركة صدراً وذيلاً شواهدَ تقضي بأنّ المراد من ضمير الجمع خصوص البالغين ـ أنّ الآية المباركة وغيرها ـ كما تقدّم (2) ـ غير ناظرة إلاّ إلى الحكم التكليفي فقط دون الوضعي ، والمفروض التسالم على حكومة حديث الرفع بالنسبة إلى الحكم التكليفي المحض .

   فتحصّل :  أ نّه لا فرق في عدم وجوب الزكاة في مال الصبي بين النقدين وغيرهما ، لعموم المستند من حديث الرفع ، ومن قولهم (عليهم السلام) : «ليس على مال اليتيم زكاة» (3) ، ولا سيّما وقد وردت هذه الرواية في زكاة الفطرة أيضاً .

   هذا ، وقد نُسِبَ إلى الشيخين وجماعة ـ كما تقدّم (4) ـ التفصيل بين المال الصامت ـ أعني النقدين ـ وبين غيرهما من الغلاّت والمواشي ، فتثبت الزكاة في مال الصبي في الثاني دون الأوّل ، بل عن السيّد في الناصريات : دعوى الإجماع عليه (5) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التوبة 9 : 103 .

(2) في ص 6 .

(3) الوسائل 9 : 84 /  أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 4 .

(4) في ص 5 .

(5) الناصريات : 241 .

ــ[9]ــ

   ولكن دعوى الإجماع ـ كما ترى ـ موهونة جدّاً بعد ذهاب عامّة المتأخّرين وجماعة من أعاظم القدماء إلى عدم الزكاة مطلقاً . وعليه فيطالَب بالدليل على هذا التفصيل .

   وقد استدلّ له بصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم : «أ نّهما قالا : ليس على مال اليتيم في الدين والمال الصامت شيء ، فأمّا الغلاّت فعليها الصدقة واجبة» (1) .

   بدعوى أ نّها وإن وردت في الغـلاّت إلاّ أ نّه يلحق بها المواشي بالإجمـاع المركّب وعدم القول بالفصل .

   ولكنّه كما ترى ، إذ قد عرفت حال الإجماع ، فلا أثر لعدم القول بالفصل ـ  الذي لم نتحقّقه  ـ بحيث يخرج به عن عموم نفي الزكاة عن الصبي بعد اختصاص الدليل المزبور بالغلاّت .

   ونحوهما في الضعف دعوى : أنّ مقتضى المقابلة بين الصامت وغيره : أنّ الاعتبار في ثبوت الزكاة بعدم كون المال صامتاً ، وإنّما ذكر الغلاّت من باب المثال ، فيعمّ المواشي أيضاً .

   إذ ليست هذه الدعوى بأولى من العكس بأن يقال : إنّ المدار في سقوط الزكاة بعدم كون المال من الغلاّت ، وإنّما ذكر المال الصامت من باب المثال ، فيراد به ما يعمّ المواشي في مقابل الغلاّت .

   على أنّ الصحيحة معارَضة في موردها برواية اُخرى صريحة في نفي الزكاة عن الغلاّت ، فتدلّ على النفي في المواشي بطريق أولى ، لأ نّهم اسـتفادوا حكم المواشي من الغلاّت إلحاقاً كما مرّ ، وهي موثّقة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أ نّه سمعه يقول : «ليس في مال اليتيم زكاة ، وليس عليه صلاة ، وليس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 84 /  أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 2 .

ــ[10]ــ

فيُعتَبَر ابتداء الحول من حين البلوغ (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على جميع غلاّته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة» (1) .

   فإن أمكن الجمع بالعمل على الاستحباب ، وإلاّ فتُحمَل تلك على التقيّة ، لما قيل من ذهاب بعض العامّة إلى ثبوت الزكاة في الغلاّت .

   وإن لم يمكن هذا أيضاً ، فتسقطان ، ويرجع إلى إطلاق حديث الرفع ، وعمومات نفي الزكاة في مال الصبي كما تقدّم (2) .

   فالصحيح ما ذهب إليه عامّة المتأخّرين من عدم الزكاة في مال اليتيم مطلقاً، لأنّ ما دلّ على الثبوت معارَضٌ بمثله في مورده حسبما عرفت .

   (1) قد عرفت اعتبار البلوغ في وجوب الزكاة ، فلا تجب على الصبي مطلقاً ، وهذا ظاهرٌ بالإضافة إلى ما لا يُعتَبر فيه الحول ـ كالغلاّت ـ فإنّ الصبي إن كان بالغاً وقت تعلّق الزكاة ـ وهو زمان انعقاد الحبّ وصدق الاسم كما سيجيء إن  شاء الله تعالى (3) ـ فكان الخطاب عندئذ متوجّهاً إلى البالغ ، فتشمله العمومات حينئذ بطبيعة الحال، ومعه لا مجال ـ بل لا موضوع ـ للتمسّك بحديث الرفع ، ولا المعارضة بما دلّ على أ نّه ليس على مال اليتيم زكاة كما هو ظاهر .

   وإن كان صبيّاً آنذاك لم تجب عليه الزكاة وإن بلغ متأخّراً ، عملاً بالحديث وبتلك الصحيحة النافية للزكاة عن مال اليتيم .

   وممّا ذكرنا تعرف أنّ العبرة بالبلوغ وقت التعلّق لا قبله كما يظهر من المتن .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 86 /  أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 11 .

(2) في ص 7 .

(3) في ص 318 .

ــ[11]ــ

   وأمّا فيما يُعتبَر فيه الحول ـ كالنقدين والأنعام ـ فلا إشكال أيضاً فيما إذا كان صبيّاً في تمام الحـول ، إذ ليس في مال اليتيم زكاة ، فهذا المال الذي فيه الزكاة لو كان مالكه بالغاً لا زكاة فيه بالنسبة إلى الصبي وإن بلغ بعد تماميّة الحول ، وهذا ظاهرٌ جدّاً من غير خلاف فيه .

   وأمّا إذا بلغ أثناء السنة ، كما لو كان صبيّاً ستّة أشهر ـ مثلاً ـ وبالغاً في الستة أشهر الاُخرى ، فتمّ عليه الحول ، ولكن مركّباً من البلوغ والصِبا ، فهل تجب عليه الزكاة حينئذ ؟

   المعروف والمشهور : عدم الوجوب حتى يحول الحول عليه بتمامه وهو بالغ ، أي يُعتبَر ابتداء الحول من حين البلوغ ، فلا عبرة بما مضى .

   ولكن ناقش فيه المحقّق السبزواري (1) ، نظراً إلى أ نّه لا يستفاد من الأدلّة ، إلاّ أ نّه لا زكاة في مال الصبي ما لم يبلغ ، ومعنى ذلك : أ نّه حين الصِبا لا أمر بالزكاة ، وهذا ـ كما ترى ـ لا يستلزم نفي الوجوب حين البلوغ بعد استكمال الحول ولو كان الحول ملفّقاً من عهدي البلوغ والصِبا ، بل ولو كان بلوغه قبل ساعة من استكمال الحول ، لعدم الدليل على اشتراط كون الحول في زمان البلوغ والتكليف .

   وربّما يستدلّ للمشهور بقوله (عليه السلام) في صحيحة أبي بصير : «وإن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة» (2) .

   بدعوى أنّ الموصول يعمّ تمام السنة وبعضها ، فيستفاد منها عدم احتساب دور الصِبا من الحول .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ذخيرة المعاد في شرح الارشاد : 421 .

(2) الوسائل 9 : 84 /  أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 3 .

ــ[12]ــ

   ولكن هذه الاستفادة مشكلة جدّاً ، لأنّ ظاهر الكلام أ نّه (عليه السلام) ينفي موضوع الزكاة ، أي أنّ ما كان موضوعاً للزكاة مع قطع النظر عن الصِبا وكان هذا صـبيّاً فليس عليه زكاة لما مضى ، فينفي الوجوب لما مضى ، ومن الواضح أنّ الستّة أشهر لم تكن موضوعاً للزكاة حتى للبالغين .

   وبعبارة اُخرى : مفاد الصحيحة أنّ المال الزكوي الذي مضى وكان متعلّقاً للزكاة مع قطع النظر عن الصِّبا لا زكاة فيه بالنسبة إلى الصبي ، فالنفي راجع إلى الموضوع ، وتلك الستّة لم تكن موضوعاً للنفي ، وليس هذا من رعاية الزمان في شيء .

   وتدلّ عليه رواية الشيخ بوضوح ، حيث إنّه (قدس سره) رواها هكذا : «ليس في مال اليتيم زكاة ، وليس عليه صلاة ، وليس على جميع غلاّته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة ، وإن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك» (1) .

   فموضوع الرواية الغلاّت ، وهي ناظرة إلى التفصيل بين ما قبل البلوغ وما بعده في مورد الغلّة ، التي لا يعتبر فيها الحول ، فلا دلالة فيها بوجه على إلغاء الزمان السابق في مثل النقدين والأنعام ممّا يُعتبَر فيه الحول .

   إذن فمقتضى الإطلاقات : ثبوت الزكاة في المال المعتبَر فيه الحول بعد بلوغ اليتيم ، وإن كان استكمال الحول ملفّقاً من العهدين ، لعدم كونه صبيّاً وقتئذ ، ونتيجته احتساب الزمان السابق ، لعدم الدليل على إلغائه .

   هذا غاية ما يمكن تقريره في تقريب مقالة المحقّق السبزواري .

   ومع ذلك كلّه ، فالصحيح ما عليه المشهور من احتساب مبدأ الحول من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 86 /  أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 11 .

ــ[13]ــ

زمان البلوغ ، وذلك لأجل أنّ المستفاد ممّا دلّ على اعتبار الحول : أنّ موضوع الزكاة لم يكن مجرّد الملكيّة ـ كما كان كذلك في مثل الغلاّت ممّا لا يعتبر فيه الحول ـ بل الملكيّة المقيّدة بكونها حولاً واحداً ، فالموضوع إنّما هو المالك في مجموع السنة .

   وعليه ، فلو كان تمام السنة ملكاً للبالغ فلا إشكال ، كما لا إشكال فيما لو كان تمامها ملكاً للصبي ، وأمّا الملفّق فهو مشمول لقوله (عليه السلام) في الصحيح المزبور: «ليس في مال اليتيم زكاة» ، نظراً إلى أنّ مفاده إلغاء مال اليتيم وإسقاطه عن الموضوعيّة للزكاة .

   ومن البيّن أنّ نفي الموضوعيّة كما يكون بنفي تمام الموضوع كذلك يكون بنفي بعضه وجزئه ، فتنفى صلاحيّة مال اليتيم للموضوعيّة الناقصة ـ كالتامّة ـ بمقتضى الإطلاق ، وأنّ هذه الملكيّة بالإضافة إلى وجوب الزكاة ملغيّة وفي حكم العدم ، وكأ نّها لم تكن ، فكما لا أثر في اعتبار الشارع لملكيّته في تمام السنة فكذا لا أثر لملكيّته في بعضها .

   وعلى الجملة : الملفّق من العهدين وإن كان ملكاً شخصيّاً لمالك شخصي ، إلاّ أنّ الإضافة تختلف باختلاف الوقتين ، فإنّه ملكٌ لليتيم في الستّة أشهر الاُولى ، وللبالغ في الأخيرة ، ومقتضى الإطلاق في الصحيح المزبور : أنّ الملكيّة الاُولى قد ألغاها الشارع بالإضافة إلى وجوب الزكاة ، فكونه مال اليتيم في بعض العام يخرجه عن صلاحيّة الانضمام مع الستّة الأخيرة ، إذ الموضوع للزكاة أن يكون المال عند ربّه سنة واحدة ، وبعد التقييد بغير اليتيم ينتج أنّ الموضوع هو مال البالغ ، فكونه مال اليتيم في تمام العام أو في بعضه يخرجه عن موضوع الزكاة بعد أن كانت الإضافة إلى اليتيم في حكم العدم ، وكأ نّه لا مال له حسبما عرفت ، فلا قصور في دلالة النصّ على ما فهمه المشهور ، فلاحظ .

ــ[14]ــ

   وأمّا ما لا يعتبر فيه الحول من الغلاّت الأربع ، فالمناط البلوغ قبل وقت التعلّق (1) ، وهو انعقاد الحبّ وصدق الاسم على ما سيأتي .
ـــــــــــــــــــــــــــــ

   هذا ، ومع الغضّ عن ذلك فيكفينا حديث رفع القلم عن الصبي ، حيث إنّ مفاده : اختصاص الخطابات بالبالغين، فغير البالغ غير مشمول للأحكام، من غير فرق بين المتعلّقة منها بالموضوعات البسيطة أو المركّبة ، فكما أنّ خطاب الحجّ ـ مثلاً ـ متوجّهٌ نحو البالغ المستطيع ـ الظاهر في لزوم فعليّة كلا القيدين في تعلّق الوجـوب ، فلا تنفع الاسـتطاعة السابقة الزائلة عن البلوغ ـ فكـذلك الخطاب بالزكاة متوجّهٌ نحو البالغ المالك سنة ، فلا تنفع الملكيّة السابقة على البلوغ ، فإنّها في حكم العدم ، إذ الحديث المزبور بمثابة التقييد في دليل الزكاة كغيرها من أدلّة الأحكام ، فكأ نّه (عليه السلام) قال : أ يُّها البالغون إذا ملكتم سنةً وجبت عليكم الزكاة . الذي مقتضاه : عدم تأثير للملكيّة السابقة في تعلّق هذا الحكم ، لعدم كونه مخـاطباً آنذاك بشيء بعد افتراض اختصاص تشريع الأحكام وتقنين القوانين بالبالغين . إذن لا مقتضي لضمّها بما بعد البلوغ بتاتاً .

   (1) بل يكفي البلوغ حين التعلّق كما لا يخفى ، لخروجه وقتئذ عن موضوع اليتيم ، فتشمله الإطلاقات من غير معارض .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net