زكاة القرض على المقترض بعد قبضه لا على المقرض - هل يصحّ للمقرض أن يؤدّي الزكاة عن المقترض بتبرّع ونحوه أم لا ؟ 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 13:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6576


ــ[92]ــ

   [ 2623 ] مسألة11: زكاة القرض على المقترض بعد قبضه لا المقرض(1) ، فلو اقترض نصاباً من أحد الأعيان الزكويّة وبقي عنده سنة وجب عليه الزكاة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   أحدهما : ضعيف من أجل عبدالله بن الحسن ، لعدم ثبوت وثاقته وإن كان جليلاً .

   والآخر : ما رواه صاحب الوسائل عن كتاب علي بن جعفر ، وطريقه إليه صحيح .

   والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ الأقوى ما عليه المشهور ـ بل إجماع المتأخّرين كما في الجواهر (1) ـ من عدم وجوب الزكاة في الدين وإن كان قادراً على الاستيفاء ولم يستوفه مسامحةً أو فراراً ، لإطلاق النصوص النافية للزكاة غير القابلة للتقييد كما عرفت .

   نعم ، يستحبّ مع القدرة .

   وعلى أيّ تقدير فلا يجب إلاّ بعض القبض ، وبذلك يمتاز الدين عن العين حسبما بيّناه ، فلاحظ .

   (1) أمّا إذا صرف المال ولم يبق عنده سنة فلا إشكال في عدم الوجوب لا على المقرض ولا المقترض كما هو ظاهر .

   وأمّا إذا بقي حتى حال عليه الحول ـ والمفروض بلوغه حدّ النصاب وكونه من أحد الأعيان الزكويّة ـ فهل زكاته حينئذ على المقرض أو المقترض ؟

   لا ينبغي الإشكال في عدم الوجوب على المقرض ، لخروجه عن ملكه بالإقراض ، ودخوله في ملك المقترض ، ولا زكاة إلاّ في الملك كما مرّ (2) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 15 : 58 ، 59 .

(2) في ص 29 ـ 30 .

ــ[93]ــ

   نعم ، يصحّ أن يؤدّي المقرض عنه تبرّعاً ، بل يصحّ تبرّع الأجنبي أيضاً . والأحوط الاستئذان من المقترض في التبرّع عنه ، وإن كان الأقوى عدم اعتباره .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   نعم ، يملك هو كلّيّاً في ذمّة المقترض وديناً على عهدته ، فبناءً على وجوب الزكاة في الدين يجب ، وقد عرفت عدم الوجوب .

   وعليه ، فلا تجب الزكاة إلاّ على المقترض ، الذي هو المالك للعين كما تشير إليه صحيحة يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يقرض المال للرجل السنة والسنتين أو الثلاث أو ما شاء الله ، على من الزكاة، على المقرض، أو على المستقرض؟ «فقال: على المستقرض، لأنّ له نفعه وعليه زكاته» (1) .

   فإنّ التعليل إشارةٌ إلى أ نّه المالك للعين ، لأنّ منافعه له ، إذن فزكاته عليه . ونحو هذه الصحيحة غيرها .

   والحكم متسالم عليه ولا إشكال فيه في الجملة .

   وإنّما الكلام في جهات :

   الجهة الاُولى :  هل يصحّ للمقرض أن يؤدّي الزكاة عن المقترض بتبرّع ونحوه بحيث يسقط الوجوب عنه ؟

   لا ريب أنّ هذا على خلاف مقتضى القاعدة الأوّلية الحاكمة بلزوم المباشرة في سقوط الواجبات وحصول امتثالها ، فإنّ سقوط الواجب بفعل الغير يحتاج إلى الدليل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 102 /  أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 5 .

ــ[94]ــ

   إلاّ أ نّا نخرج عن مقتضى القاعدة في خصوص المقام بمقتضى صحيحة منصور ابن حازم ـ الصريحة في السقوط بأداء المقرض ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في رجل اسـتقرض مالاً فحال عليه الحول وهو عنده «قال : إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه ، وإن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض» (1) .

   ومقتضى إطلاقها : عدم الحاجة إلى الاستئذان من المقترض في التبرّع عنه .

   وتوضيح الحال في هذه الجهة يستدعي التكلّم تارةً فيما تقتضيه القاعدة ، واُخرى بلحاظ الروايات الخاصّة .

   أمّا القاعدة : فلا ريب أنّ مقتضاها عدم السقوط عمّن تجب عليه الزكاة ، وهو المقترض بأداء المقرض ، لا لمجرّد أ نّها عبادة لا تسقط إلاّ بصدورها عن قصد القربة ممّن خوطب بها ، ولا يجدي التقرّب من الغير ـ وإن كان هذا الوجه أيضاً لا بأس به ـ بل لما ذكرناه في الاُصول ـ في بحث التعبّدي والتوصّلي (2) ـ من أنّ إطلاق الخطاب ـ تعبّديّاً كان أو توصّليّاً ـ يستدعي اعتبار المباشرة وعدم السقوط بفعل الغير ما لم يثبت خلافه من الخارج ، فإنّ توجيه الخطاب نحو أحد على سبيل الإطلاق مرجعه إلى لزوم صدوره منه سواء أتى به غيره أم لا ، فلا يجزئ صدور الفعل من غير مَن خوطب به ـ سواء أكان أجنبيّاً أو نائباً ، بل حتى وإن كان وكيلاً ـ إلاّ أن يثبت من الخارج عدم اعتبار المباشرة وكفاية التسبيب أو التوكيل .

   وعليه ، فمقتضى القاعدة في المقام : عدم السقوط عن المقترض المكلّف بالزكاة بأداء المقرض .

   وقد يقال : إنّ مقتضى القاعدة في خصوص المقام ونظائره من الحقوق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 101 /  أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 2 .

(2) أجود التقريرات 1 : 97 ـ 99 .

ــ[95]ــ

المتعلّقة بالأموال هو السقوط ، لأ نّها بمثابة الديون ، إذ الفقير الذي يستحقّ العين الزكويّة في حكم الدائن ، فكما يسقط الدين بالتبرّع فكذا الزكاة بمناط واحد .

   ويندفع : ببطلان القياس ، لوجود الفرق بين الزكاة والدين من ناحيتين :

   إحداهما : من ناحية المالك ، فإنّه في الدين شخصٌ معيّن ، وهو الدائن ، فيجري فيه التبرّع بمقتضى القاعدة ، إذ للمالك إسقاط حقّه ابتداءً بلا عوض بإبراء ونحوه ، فمع العوض الذي يتسلّمه من المتبرع بطريق أولى ، فيجوز الدفع إليه تفريغاً لذمّة المديون ، فتبرأ ذمّته بطبيعة الحال .

   نعم ، إلزام الدائن بذلك على خلاف القاعدة ، إذ له أن يقول : لا أتسلّم حقّي إلاّ ممّن لي عليه الحقّ ، وهو المديون بشخصه ، إلاّ أنّ بناء العقلاء قائمٌ على عدم الاعتناء بامتناعه عن الأخذ ، وأ نّه ليس له هذا الحقّ ، وأنّ ذمّة المديون تبرأ بدفع المتبرّع ، نظراً إلى أ نّه لا يستحقّ إلاّ طبيعيّ المال المنطبق على ما يدفعه المتبرّع ، فجواز التبرّع ـ المستتبع لبراءة الذمّة ثابتٌ في الدين ـ مقدارٌ منه بمقتضى القاعدة ، ومقدارٌ ببناء العقلاء حسبما عرفت .

   وليس كذلك في الزكاة ، إذ المالك هنا كلّي الفقير لا شخص معيّن ، ولذلك ليس لأحد من الفقراء إبراء مَن عليه الزكاة وإسقاط الحقّ عنه ، لعدم كونه مالكاً كي يسوغ له ذلك ، فلأجله لا أثر للتبرّع من الفقير في حصول البراءة لمن اشتغلت ذمّته بالزكاة .

   الثانية : من ناحية المملوك ، فإنّه في الدين كلّي في الذمّة ، قابلٌ للانطباق على كلّ ما كان مصداقاً له ولو كان صادراً من المتبرّع ، وهذا بخلاف الزكاة فإنّها متعلّقة بالعين الزكويّة ، على الخلاف في كيفية التعلّق من كونها بنحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن أو الشركة في الماليّة ، وعلى أيّ حال فمتعلق الحقّ هي تلك العين الخارجيّة ، فلا بدّ وأن يدفع النصاب منها .

ــ[96]ــ

   نعم ، قام الدليل الخارجي على أنّ من عليه الزكاة يجوز له دفع مقدار النصاب من ماله الآخر ولايلزمه الدفع من نفس العين ، ولم يقم مثل هذا الدليل بالنسبة إلى شخص آخر ليسوغ التبرّع منه بماله حتى ولو كان ماله من الأعيان الزكويّة، فالاجتزاء بدفعه بدلاً عمّا تعلّقت به الزكاة على خلاف مقتضى القاعدة .

   فاتّضح أ نّه لا وجه لإلحاق الزكاة بالدين في صحّة التبرّع بعد وجود الفرق بينهما من هاتين الناحيتين .

   فالأوجه ما عرفت من أنّ مقتضى القاعدة : عدم السقوط بفعل الغير ، من غير فرق بين الزكاة وغيرها من سائر الواجبات .

   وأمّا بحسب الروايات : فقد عرفت أنّ صحيحة منصور بن حازم صريحة في السقوط بفعل المقرض ، وأنّ تعلّق الزكاة على المستقرض منوطٌ بعدم الأداء من المقرض ، ومن المعلوم أنّ المال الواحد لا يزكّى في العام الواحد مرّتين ، فبذلك يخرج عن مقتضى القاعدة الأوّلية .

   كما وعرفت أيضاً : أنّ مقتضى إطلاق الصحيحة عدم الحاجة إلى الاستئذان ، بل يكفي ولو مع جهل المقترض أو غفلته ، بل حتى مع منعه وعدم رضاه ، كلّ ذلك لإطلاق النصّ .

   فما عن الشهيد في الدروس والبيان من اعتبار الاستئذان (1) .

   غير ظاهر الوجـه ، عدا احتمال دخله في صحّة الاسـتناد إليه كي يسقط التكليف عنه . وهو كما ترى، فإطلاق النصّ هو المحكّم وإن كان الاعتبار أحوط .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الدروس 1 : 231 ، البيان : 283 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net