الجهة الثانية : هل يختصّ التبرّع بالمقرض ، أو يصحّ من الأجنبي أيضاً ؟
مقتضى الجمود في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على النصّ هو الأوّل، ولكن
ــ[97]ــ
ولو شرط في عقد القرض (1) أن يكون زكاته على المقرض : فإن قصد أن يكون خطاب الزكاة متوجّهاً إليه لم يصحّ ، وإن كان المقصود أن يؤدّي عنه صحّ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأقوى هو الثاني ، نظراً إلى أنّ مقتضى الفهم العرفي عدم خصوصيّة للمقرض ، إذ لا فرق بينه وبين الأجنبي ، إلاّ في أ نّه كان مالكاً للعين سابقاً ، ولكن العلاقة السابقة قد انقطعت فعلاً وتبدّلت بما في ذمّة المقترض ، فهو فعلاً أجنبي كسائر الناس ، وقد زالت علاقته عن العين بالكلّيّة ، فمناسبة الحكم والموضوع تقتضي صحّة التبرّع من الكلّ بمناط واحد كما لا يخفى .
(1) الجهة الثالثة : لو شرط المقترض في عقد القرض أن تكون الزكاة على المقرض ، فهل يصحّ ذلك أو لا ؟
قسّمه (قدس سره) على قسمين :
فتارةً : يشترط أن يؤدّي عنه .
واُخرى : أن يكون الخطاب متوجّهاً ابتداءً إلى المقرض بدلاً عن المقترض .
أمّا الأوّل : فهو صحيحٌ كما ذكره في المتن ، لأ نّه شرطٌ لأمر سائغ في نفسه ، فيشمله عموم دليل نفوذ الشرط .
أجل ، ربّما يتوهّم أنّ الشرط المزبور يستوجب الربا ، للزوم الزيادة ، لأ نّها إنّما تجيء من قبل الشرط ، لا مجرّد الزيادة الخارجيّة من دون شرط ، كما يفصح عنه ما صحّ عنهم (عليهم السلام) من أ نّه إنّما جاء الربا من قبل الشروط (1) .
ولكنّه واضح الدفع ، ضرورة أنّ الشرط الموجب للزيادة في باب القرض
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 18 : 190 / أبواب الصرف ب 12 .
ــ[98]ــ
هو الذي يجلب نفعاً للمقرض ـ كما لو أقرض واشترط على المقترض أن يخيط ثوباً مثلاً ـ لا ما أوجب ضرراً عليه وكان النفع للمقترض كما في المقام ، فإنّ تأدية الزكاة المشترط عليها نقصٌ في مال المقرض لا أ نّها زيادة كي تستلزم الربا ، مثل ما لو أصرّ على أحد أن يقرضه لداع من الدواعي فامتنع الآخر من قبول الاقتراض إلاّ بشرط أن يخيط المقرض ثوباً ، فإنّه ليس من الربا في شيء ، لكونه عليه لا له .
وعلى الجملة : فلا ينبغي التأمّل في صحّة الشرط المزبور .
نعم ، لا تفرغ ذمّة المقترض عن الزكاة إلاّ بأداء المقرض خارجاً لا بمجرّد الشرط كما هو واضح .
وأمّا الثاني : فهو إن صحّ ترتّب عليه فراغ الذمّة عن الزكاة بمجرّد الاشتراط، سواء أدّى المقرض خارجاً أم لا كما لا يخفى . ولكنّه لا يصحّ كما ذكره في المتن ، لا لأجل أنّ الشرط حينئذ مخالفٌ للكتاب والسنّة ـ أي إطلاق ما دلّ على أنّ الزكاة على المالك في ماله كما قيل ـ بل لأ نّه شرطٌ لأمر غير مقدور .
وتوضيحه : أنّ اعتبار عدم مخالفة الكتاب والسنّة إنّما ورد في ذيل دليل نفوذ الشرط في روايات عديدة ، التي منها موثّقة إسحاق بن عمّار : «المؤمنون ـ أو المسلمون ـ عند شروطهم ، إلاّ شرطاً خالف الكتاب والسنّة» (1) فدلّ الصدر على أنّ المؤمن عند شرطه وملاصقٌ به ـ أي يجب الوفاء به ـ فمورده ما إذا كان الفعل في حدّ نفسه ـ لولا الشرط ـ ممّا يمكن أن يصدر عن المشروط عليه وأن يفعله وأن لا يفعله ، فيحكم بوجوب صدوره منه مع الشرط إلاّ إذا تعلّق بفعل حرام أو ترك واجب ممّا خالف الكتاب والسنّة ، مثل أن يشترط أن لا يصلّي صلاة الفجر أو يفطر شهر رمضان أو يشرب الخمر ونحو ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ الوسائل 18 : 17 / أبواب الخيار ب 6 .
|