ــ[105]ــ
وأمّا إن كان معلّقاً على شرط (1) : فإن حصل المعلّق عليه قبل تمام الحول لم تجب ، وإن حصل بعده وجبت ((1)) ، وإن حصل مقارناً لتمام الحول ففيه إشكال ووجوه ، ثالثها : التخيير بين تقديم أ يّهما شاء ، ورابعها : القرعة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قد عرفت الحال في النذر المطلق والمؤقّت .
وأمّا المعلّق على شرط ـ كما لو نذر التصدّق بهذا المال على تقدير شفاء المريض أو قدوم المسافر ونحو ذلك ـ فقد يفرض حصول المعلّق عليه قبل تمام الحول ، واُخرى بعده .
فإن حصل قبل الحول كان حكمه حكم النذر المطلق ، لما هو المعروف من أنّ الواجب المشروط بعد حصول الشرط ينقلب إلى الواجب المطلق ، فإنّ التعبير بالانقلاب وإن لم يكن خالياً عن المسامحة ـ لوضوح أنّ المشروط لا ينقلب عمّا هو عليه أبداً ـ ولكن المراد : أنّ حكمه بعد حصول الشرط حكم الواجب المطلق ، وهو كذلك ، إذ لا حالة منتظرة لفعليّة الحكم بعد فرض حصول المعلّق عليه . وعليه ، فإن قلنا بأنّ النذر المطلق مانعٌ عن التصرّف قلنا به في المقام ، لوحدة المناط ، وإلاّ فلا .
وإن حصل بعد الحول ، فقد حكم في المتن بوجوب الزكاة ، نظراً إلى استجماع شرائط التكليف حين حلول الحول من غير أيّ مانع آنذاك ، إذ المانع عن التصرّف إنّما هو الوفاء بالنذر ، ولم يتحقّق ، لعدم تحقّق المعلّق عليه في ظرف تعلّق الزكاة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بناءً على أنّ التكليف مانع عن وجوب الزكاة لا فرق بين حصول المعلّق عليه قبل تمام الحول أو بعده ، حيث إنّ التكليف على كلا التقديرين سابق ـ أي يكون من حين النذر ـ فإذن لا وجه للفرق بين الصورتين .
ــ[106]ــ
أقول : الظاهر عدم الفرق بين حصول المعلّق عليه قبل الحول أو بعده في المانعيّة عن تعلّق الزكاة ، فلو بنينا على أنّ الحكم التكليفي ـ أعني : وجوب الصرف في الصدقة ـ يمنع عن تعلّق الزكاة لم يفرق فيه بين الصورتين .
وذلك لأنّ المانع على هذا المبنى إنّما هو نفس الوجوب المتحقّق عند انعقاد النذر وإن كان ظرف الامتثال وزمان الواجب متأخّراً ، لكون الالتزام النذري مرتبطاً ومعلّقاً على قيد يحصل فيما بعد ، فإنّ الواجب المعلّق هو الواجب المشروط بالشرط المتأخّر ، ولا فرق بينهما إلاّ في مجرّد العبارة كما هو موضح في محلّه ، فكما أنّ الوجوب فعليٌّ فيما لو كان القيد هو نفس الزمان المتأخّر ـ مثل ما لو نذر في رجب أن يتصدّق في شهر رمضان ، غايته أنّ زمان الواجب وظرف الوفاء استقبالي ـ فكذا فيما لو كان القيد أمراً زمانيّاً ، كشفاء المريض أو قدوم المسافر ونحو ذلك .
فلا وجوب لو لم يتحقّق ذلك الزماني في المستقبل أبداً ، لفرض ارتباط الالتزام النذري به ، ومتى تحقّق كشف ذلك عن تحقّق الوجوب من الأوّل بمقتضى الشرط المتأخّر ـ كما هو الشأن في جميع الواجبات التعليقيّة ـ لا عن حدوثه من الآن ، إذ لم يكن نفس النذر معلّقاً عليه ؟ كيف ؟! وقد تحقّق هو في ظرف الإنشاء وانعقد صحيحاً حسب الفرض ، وإنّما المعلّق هو المنذور والوفاء بما التزم به ، فزمان حصول القيد هو زمان الوفاء وظرف امتثال المنذور وأداء الواجب ، أمّا الوجوب نفسه فهو حاصلٌ من ذي قبل ولدى انعقاد النذر لو كان القيد حاصلاً في ظرفه .
وعليه ، فلا فرق بين حصول المعلّق عليه قبل الحول أو بعده ، إذ لا عبرة به في المنع ، وإنّما الاعتبار بنفس الوجوب المتحقّق حين النذر وقبل حلول الحول على التقديرين .
ــ[107]ــ
ولا ينافي ما ذكرناه جواز التصرّف في منذور التصدّق قبل حصول المعلّق عليه المشكوك تحقّقه ـ من شفاء المريض ونحوه ـ لأنّ ذلك هو مقتضى الحكم الظاهري المستند إلى أصالة عدم تحقّقه لدى الشكّ فيه ، كما هو الشأن في كلّ قيد زماني .
وبذلك يفترق عن الزمان ، كقدوم رمضان ، فإنّه محقّق الوقوع ، فلا مجال لإجراء الأصل فيه ، فلا يسوغ في مثله التصرّف في المنذور .
بخلاف الزماني ، فإنّه قابل للتشكيك ، ومعه يجرى الأصل ويسوغ التصرّف ظاهراً ، ما لم ينكشف الخلاف ، ومعه ينتقل إلى البدل أو يحكم بحكم آخر .
وممّا قدّمناه يظهر حكم صورة المقارنة وأ نّه لا تجب فيها الزكاة بطريق أولى ، لأ نّها إذا لم تجب لا في فرض تقدّم المعلّق عليه على الحول ولا في فرض تأخّره ـ لعدم الفرق بين الصورتين في ذلك حسبما عرفت ـ فلا جرم لا تجب في فرض التقارن أيضاً بطبيعة الحال .
ولكن هذا كلّه على تقدير القول بمانعيّة الحكم التكليفي ـ أعني : وجوب التصرّف في التصدّق المنذور ـ عن تعلّق الزكاة كما عليه المشهور . وأمّا على المختار من عدم المانعيّة ، فلا موجب لسقوط الوجوب عن الزكاة إلاّ فيما إذا حصل المعلّق عليه قبل تماميّة الحول وصرف المال في الوفاء بالنذر ، كما علم ذلك ممّا مرّ ، فلاحظ .
ثمّ إنّا لو بنينا على التفرقة بين الصورتين ـ كما اختاره في المتن ـ فما هو حكم صورة المقارنة؟.
ذكر الماتن (قدس سره) أنّ فيه وجوهاً أربعة :
وجوب الزكاة .
عدم الوجوب .
ــ[108]ــ
التخيير بين تقديم أ يّهما شاء من الزكاة أو الصدقة .
القرعة .
أمّا الأخير : فلا مجال لها في المقام بتاتاً ، لا لاحتياج العمل بدليل القرعة إلى الجابر ـ وهو عمل الأصحاب ـ إذ لا قصور في حجّيّته ليحتاج إلى الجبر ، ولا يلزم من الأخذ بعمومه تخصيص الأكثر .
لأنّ الشبهات الحكميّة بأسرها غير داخلة من الأوّل ليحتاج خروجها إلى التخصيص ، نظراً إلى أنّ موردها خصوص الشبهات الموضوعيّة ، فهي في حدّ ذاتها قاصرة الشمول للشبهات الحكميّة كما لا يخفى .
وأمّا الشبهات الموضوعيّة المعلوم حكمها ولو ظاهراً بأصل أو أمارة ـ من استصحاب أو بيّنة أو يد ونحو ذلك ـ فهي أيضاً غير داخلة ، لعدم كونها من المشكل ولا المشتبه ، فلم يبق تحتها إلاّ الشبهات الموضوعيّة غير المعلوم حكمها رأساً، وهي قليلة جدّاً ، فلا يلزم من الأخذ بعموم دليل القرعة تخصيص الأكثر بوجه .
بل لأجل أنّ الشبهة في المقام شبهة حكميّة ، إذ لم يعلم حكم صورة المقارنة في الشريعة المقدّسة ، وقد عرفت آنفاً أنّ مثل ذلك غير مشمول لدليل القرعة في نفسه .
وأمّا التخيير : فإن اُريد به التخيير الثابت في باب التعارض ، فيرد عليه :
أوّلاً : إنّ المقام ليس من باب التعارض في شيء ، لعدم انطباق ضابطه عليه ، فإنّ مناط المعارضة ـ على ما تقرّر في محلّه (1) ـ التنافي بين الدليلين وتكاذبهما في مقام الجعل ، بحيث لا يمكن اجتماعهما في الشريعة المقدّسة في أنفسهما ، مع قطع
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 2 : 501 ـ 502 .
ــ[109]ــ
النظر عن مرحلة الفعليّة وتحقّق الموضوع خارجاً، فكان كلٌّ منهما يكذب الآخر بمدلوله الالتزامي ، كما لو دلّ أحدهما على وجوب شيء والآخر على حرمته أو عدم وجوبه ، أو أحدهما على نجاسة شيء ـ كعرق الجنب من الحرام ـ والآخر على طهارته، فكان بين الدليلين تناقضٌ أو تضادّ ـ الراجع بالآخرة إلى التناقض ـ إمّا ذاتاً أو عَرَضاً .
وهذا الضابط ـ كما ترى ـ غير منطبق على المقام ، إذ لا تنافي بوجه بين ما دلّ على وجوب الزكاة لمن كان مالكاً للنصاب في تمام الحول وبين دليل وجوب الوفاء بالنذر ، غايته أنّ في صورة المقارنة بين تماميّة الحول وبين حصول المعلّق عليه النذر لا يتمكّن المكلّف من الجمع بين صرف المال في الزكاة وفي الصدقة ، نظراً إلى أنّ تقديم كلٍّ منهما يعدم موضوع الآخر ، لأ نّه لو صرفه في الزكاة ينعدم موضوع النذر ، إذ لا يمكن التصدّق بمال الغير ، ولو صرفه في الصدقة لا موضوع للزكاة ، لزوال النصاب ، فهو غير متمكّن من صرف هذا المال خارجاً في كلا الموردين ، لا أنّ بينهما تكاذباً في مرحلة الجعل ليكونا من المتعارضين .
فالمقام يكاد يلحق بباب التزاحم ، الذي ضابطه تنافي الدليلين في مرحلـة الفعليّة ـ دون الجعل ـ الناشئ من عجز المكلّف عن الجمع بينهما في مقام الامتثال، مثل ما لو لم يتمكّن من الجمع بين الصلاة وبين إزالة النجاسة عن المسجد لضيق الوقت ، أو كان له ماء ولم يتمكّن من صرفه إلاّ في حفظ النفس عن الهلاك أو الوضوء بحيث لو اختار كلاًّ منهما عجز عن امتثال الآخر .
وعلى الجملة : فلا مساس للمقام بباب التعارض أبداً ليرجع فيه إلى التخيير .
وثانياً : سلّمنا ذلك، ولكن التخيير غير ثابت في هذا الباب من أصله ، لضعف مستنده حسبما بيّناه في محلّه (1) ، بل حكم المتعارضين : الترجيح إن كان ، وإلاّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 2 : 503 .
ــ[110]ــ
فالتساقط والرجوع إلى دليل آخر من عموم أو إطلاق إن كان ، وإلاّ فإلى الأصل العملي .
وثالثاً : إنّ التخيير على تقدير تسليمه خاصٌّ بالمتعارضين بالتباين ، دون ما كان بالعموم من وجه كما في المقام ، لكون التعارض حينئذ بين إطلاق الدليلين لا بين السندين ، ولذا يجري حتى في مقطوعي الصدور ، فلو فرضنا أ نّا سمعنا من الباقر (عليه السلام) أ نّه : أكرم كلّ عالم . وسمعنا عن الصادق (عليه السلام) أ نّه : لا تكرم كلّ فاسق . فلا محالة يتعارضان في العالم الفاسق ، فلا مناص من التساقط والرجوع إلى دليل آخر إن كان ، وإلاّ فإلى ما تقتضيه الاُصول العمليّة .
هذا كلّه لو اُريد به التخيير في باب التعارض .
وإن اُريد به التخيير الثابت في باب التزاحم ـ كما ظهر تقريره ممّا مرّ ـ فله وجهٌ في بادئ الأمر ، إلاّ أنّ التحقيق خلافه ، نظراً إلى التمكّن من الجمع بين التكليفين وامتثال كلا الأمرين من غير أيّ مزاحمـة في البين ، وذلك لما أشرنا إليه سابقاً ويأتي تفصيله إن شاء الله تعالى لاحقاً (1) من أنّ الزكاة وإن كانت متعلّقة بالعين إلاّ أ نّها بنحو الشركة في الماليّة لا في العين نفسها ، ولذا كانت له الولاية على التبديل ويجوز له الأداء من مال آخر نقداً أو ولو عيناً على الخلاف .
وعليه ، فالجمع بين دليلي الزكاة والوفاء بمكان من الإمكان ، فيدفع الزكاة أوّلاً من مال آخر ، لتخلص العين من الحقّ ، ثمّ يصرفها في الوفاء عن النذر ، كما تقدّم نظيره فيما لو انعقد النذر بعد حلول الحول ، حيث عرفت لزوم الجمع حينئذ بين الزكاة من مال آخر وبين الصدقة (2) .
وممّا ذكرنا تعرف أنّ مقتضى القاعدة : الجمع بين الأمرين بدفع الزكاة من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 102 وسيأتي تفصيله في ص 187 ـ 188 .
(2) في ص 102 .
|