ــ[150]ــ
الثاني عشر : مائة وإحدى وعشرون ، وفيها في كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين بنت لبون ، بمعنى : أ نّه يجوز أن يحسب أربعين أربعين ((1)) (1) وفي كلٍّ منها بنت لبون ، أو خمسين خمسين وفي كلٍّ منها حقّة ، ويتخيّر بينهما مع المطابقة لكلٍّ منهما أو مع عدم المطابقة لشيء منهما ، ومع المطابقة لأحدهما الأحوط مراعاتها ، بل الأحوط مراعاة الأقلّ عفواً ، ففي المائتين يتخيّر بينهما لتحقّق المطابقة لكلٍّ منهما ، وفي المائة وخمسين الأحوط اختيار الخمسين ، وفي المائتين وأربعين الأحوط اختيار الأربعين ، وفي المائتين وستّين يكون الخمسون أقلّ عفواً ، وفي المائة وأربعين يكون الأربعون أقلّ عفواً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا ريب بمقتضى النصوص المتقدّمة في أنّ الواجب في النصاب الأخير ـ وهو ما زاد على المائة والعشرين ـ في كلّ خمسين حقّة وفي كلّ أربعين بنت لبون . إنّما الكلام في تفسيره، وقد فسّره في المتن بالتخيير بين الاحتسابين وجواز لحاظ كلٍّ منهما .
وتفصيل الكلام في المقام : أنّ هذا النصاب ينقسم على ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون الزائد على المائة والعشرين قابلاً للانقسام على كلٍّ من الخمسين والأربعين، وهذا كالمائتين فإنّه يتضمّن أربع خمسينات وخمس أربعينات ، ولا إشكال كما لا خلاف في جواز الاحتساب بكلٍّ منهما شاء ، فيجوز أن يحسب أربعين أربعين وفي كلٍّ منها بنت لبون ، أو خمسين خمسين وفي كلٍّ منها
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل بمعنى أ نّه يتعيّن عدّها بما يكون عادّاً لها من خصوص الخمسـين أو الأربعين ، ويتعيّن عدّها بهما إذ لم يكن واحدٌ منهما عادّاً له ، ويتخيّر بين العدّين إذا كان كلٌّ منهما عادّاً له ، وعليه فلا يبقى عفو إلاّ ما بين العقود .
ــ[151]ــ
حقّة ، ومن الواضح عدم وجوب الجمع بأن يحسب تارةً بهذا النحو وتارةً اُخرى بذاك النحو ، ضرورة أنّ المال الواحد لا يزكّى في العام الواحد إلاّ مرّة واحدة ، وهذا واضح لا سترة عليه ، فهو مخيّر بين العدّين فيما إذا كان كلٌّ منهما عادّاً له .
ثانيها : أنّ يكون قابلاً للانقسام على أحدهما دون الآخر ، فيكون العادّ له خصوص الخمسين أو خصوص الأربعين ، وهذا كالمائة والخمسين المتضمّنة لثلاث خمسينات أو المائة والستّين المتضمّنة لأربع أربعينات ، وقد ذكر الماتن أنّ الأحوط مراعاة المطابقة لأحدهما ، فيحسب بما هو عادّ له كي لا يبقى شيء لا يزكّى ، ففي المثال الأوّل يحاسب في كلّ خمسين خمسين، وفي الثاني في كلّ أربعين أربعين، فهو (قدس سره) يرى جواز الاحتساب بكلٍّ منهما إلاّ أنّ مراعاة المطابقة أحوط .
ثالثها : أن لا يكون قابلاً للانقسام على شيء منهما ، وهذا كالمائة والسبعين ، حيث إنّه لو قُسِّم على الخمسين يزيد عشرون ، ولو قُسِّم على الأربعين يزيد عشرة ، وقد ذكره (قدس سره) أنّ الأحوط هنا مراعاة الأقلّ عفواً ، فيختار الأربعـين في المثال الذي عفوه أقلّ من الآخر ، هكذا ذكره الماتن وصاحب الجواهر (1) وغيرهما .
ولكن غير واحد من الأعلام ذكروا : أنّ اللاّزم في مثل ذلك ـ أي فيما لم ينطبق على شيء منهما ـ التلفيق ، بأن يلاحَظ مقدارٌ بحساب الخمسين ومقدارٌ آخر بحساب الأربعين ، الذي لازمه انتفاء موضوع العفو ، لعدم تصور الزيادة حينئذ في العقود ـ أي العشرات ـ أبداً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 15 : 80 ـ 81 .
ــ[152]ــ
ووجه عدم الزيادة ظاهر، لأنّ هذا النصاب ـ أعني: مائة وواحدة وعشرين ـ يتأ لّف من ثلاث أربعينات ، فإن كان الزائد عشرة تضاف على واحد منها فيصير خمسيناً وأربعينين ، وإن كان عشرين يضاف على اثنين منها فيصير أربعيناً وخمسينين، وإن كان ثلاثين يضاف على كلٍّ منها فيصير ثلاث خمسينات، وإن كان أربعين فيحاسب بحياله في قبال تلك الثلاثة ، فلا تُتصوّر زيادة عقد ليُتكلّم في العفو عنه ويراعَى الأقلّ عفواً ، اللّهمّ إلاّ الزيادة فيما بين العقود ـ أعني : من الواحد إلى التسعة ـ كما لو كان المجموع 165 مثلاً ، إلاّ أنّ ذلك معفوٌّ قطعاً وعلى أيّ تقدير ، للنصّ الخاصّ الدالّ عليه كما ستعرف (1) ، وإلاّ فلا تكاد تُتصوّر الزيادة في نفس العقود ، فلو كان المجموع 170 فهو مؤلّف من ثلاث أربعينات وخمسين ، ولو كان 130 فمؤلّف من خمسين وأربعينين وهكذا .
وهل تلزم مراعاة التلفيق أو أ نّه مخيّر بين الاحتسابين زاد أم لا ؟
الظاهر أ نّه لا بدّ من التلفيق . وعليه لا يمكن فرض الزيادة إلاّ فيما بين العقود كما عرفت .
والوجه فيه : أ نّا لو فرضنا أنّ الإبل الموجود مائة وأربعون، بحيث لو حاسب بحساب الأربعين لزاد عشرون ، ولو حاسب بحساب الخمسين لزاد أربعون ، أفهل يمكن في مثله المصير إلى التخيير وإن استلزم زيادة الأربعين مع أنّ هذا الأربعين الزائد بنفسه مصداقٌ لقوله (عليه السلام) : «في كلّ أربعين ابن لبون» ؟ فكيف لا يزكّى هذا العدد مع ذاك العموم ؟! ولا وجه لتخصيص الحساب في هذا المثال بالأربعين ليكون الزائد عشرين ، فإنّه مخالفٌ لفرض التخيير المدّعى كما لا يخفى .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 155 في قوله (عليه السلام) في صحيحة الفضلاء (وليس على النيِّف شيء ولا على الكسور) .
ــ[153]ــ
فمن هذا نستكشف أ نّه لا يلزم أن يكون الحساب بأحدهما فقط ، بل هذه كبرى كلّيّة مجعولة كسائر الأحكام الشرعيّة على سبيل القضايا الحقيقيّة المتعلّقة بالموضوع المقدّر وجوده ، وأنّ فيما زاد على المائة والعشرين لكلّ خمسين حقّة ولكلّ أربعين بنت لبون ، أي كلّ فرد فُرِض في الخارج وكان مصداقاً لذلك فهو محكومٌ بهذا الحكم ، إلاّ أن يكون قد عرضه المُسقِط من ناحية اُخرى ، كما لو كان العددان كلّيهما عادّين مثل المائتين ، فإنّه لو حاسب بحساب الخمسين فقد عرض المسقط بهذا العنوان ، فلم يبق مجال للحساب بملاحظة الأربعين ، لما عرفت من أنّ المال الواحد لا يزكّى مرّتين ، وكذا الحال في العكس .
ونحوه ما لو كان أحدهما خاصّة عادّاً كالمائة والخمسين ـ مثلاً ـ فإنّه لو حاسب بحساب الخمسين فقد استوعب وسقط ولم يبق بعدُ مجال لملاحظة الأربعين ، لما عرفت من أنّ المال الواحد لا يزكّى مرّتين ، وهذا بخلاف ما لو حاسب الأربعين ، لأ نّه يزيد حينئذ ثلاثون ، فبأيّ مسوّغ لا يدفع زكاة هذا العدد بعد أن كان يمكنه دفع زكاته بعنوان كلّ خمسين وكان مشمولاً للإطلاق ؟! وفي المائة والستّين بعكس ذلك ، أي يتعيّن الحساب بملاحظة الأربعين دون الخمسين .
وأمّا إذا لم يكن مُسقِطٌ في البين ، كما إذا لم يكن شيء من العددين عادّاً كالمائة والسبعين ، فإنّه لا مناص في مثله من التلفيق ليستوعب كلّ خمسين أو أربعين يمكن فرضه فيها .
وعلى الجملة : يكفي في إثبات التلفيق عموم قوله (عليه السلام) : «لكلّ خمسين حقّة ولكلّ أربعين بنت لبون» ، فإنّه يدلّنا على أنّ كلّ فَرض فُرِض في الخارج وكان مصداقاً لذلك فهو محكومٌ بهذا الحكم ، فلو فرضنا أنّ عدد الإبل مائة وثلاثون، وقد قسّمناها في الخارج ثلاثة أقسام، فوضعنا في جانب خمسين ،
ــ[154]ــ
وفي جانب آخر أربعين ، وفي جانب آخر أيضاً أربعين، كان هذا التقسيم مصداقاً لذلك العام ، فيشمله لا محالة ، ولأجله يجب دفع حقّة وبنتي لبون ، ومع هذا كيف يسوّغ لنا أن ندفع عن كلّ خمسين حقّة ولا ندفع الزكاة عن الثلاثين الباقية ، إذ بعد أن شملها العموم بذاك العنوان ـ أي بعنوان أربعين وأربعين وخمسين ـ فبأيّ موجب يحاسب بحساب كلّ خمسين كي لا يدفع زكاة هذه الكمّيّة ـ أعني : الثلاثين ؟! ـ فإنّ سقوط الزكاة يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل هنا ، وإنّما الدليل كان في الفرضين الأوّلين ـ أعني : ما لو كان كلّ منهما أو أحدهما عادّاً ـ باعتبار أنّ المال الواحد لا يزكّى مرّتين كما عرفت ، فقد عرض المسقط هناك بعنوان آخر ولا مسقط في المقام .
والحاصل : أنّ مقتضى العموم المزبور المجعول على سبيل القضيّة الحقيقيّة : لزوم الدفع عن كلّ خمسين حقّة وعن كلّ أربعين بنت لبون ، وهذا تختلف مصاديقه وتطبيقاته خارجاً حسب اختلاف الموارد من حيث كون العددين عادّاً وعدمه .
فقد ينتج التخيير، كما لو كانا معاً عادّين كالمائتين ، فيجوز الدفع بأيّ عنوان شاء ، ولا يبقى بعدُ مجال للدفع بالعنوان الآخر ، بل ربّما يجوز له الجمع بين العنوانين بالتقسيط ، كما لو كان عدد الإبل أربعمائة ، فإنّه كما يجوز له دفع ثمان حقّق ـ أي عن كلّ خمسـين حقّة ـ أو دفع عشرة بنات لبون ـ أي عن كلّ أربعين بنت لبون ـ كذلك يجوز له التنصيف بأن يدفع في نصفه عن كلّ خمسين حقّة وفي نصفه الآخر عن كلّ أربعين بنت لبون ، فيدفع أربع حقق وخمس بنات لبون ، كلّ ذلك للإطلاق .
وقد ينتج لزوم العدّ بأحدهما خاصّة فيما إذا كان هو عادّاً دون الآخر ، كما في المائة والخمسين أو المائة والستّين ، فيتعيّن لحاظ الخمسين في الأوّل والأربعين
ــ[155]ــ
في الثاني المستوعب للجميع ، ولا مجال للعكس ، للزوم إلغاء الثلاثين في الأوّل والعشرة في الثاني من غير موجب يقتضيه ، ولا دليل يدلّ على السقوط .
وقد ينتج التلفيق ـ أي لزوم العدّ بهما معاً ـ كما إذا لم يكن شيءٌ منهما عادّاً حسبما عرفت ، وفي جميع التقادير لا تلزم زيادة في نفس العقـود أبداً ، فلا موضوع للعفو ليراعى الأقلّ عفواً .
وممّا يؤكّد ما ذكرناه واستظهرناه من جواز التلفيق : قوله (عليه السلام) في صحيحة الفضلاء : «وليس على النيف شيء ، ولا على الكسور» (1) .
فإنّ الاقتصار في العفو على التعرّض للنيف ـ وهو ما بين العقود ، أي من الواحد إلى التسع ـ وترك التعرّض لنفس العقود أقوى شاهد على صحّة التلفيق ، إذ عليه لا موضوع لتصوّر الزيادة في نفس العقود ليتعرّض للعفو ، وإلاّ فعلى القول الآخر لماذا أهملها مع أ نّها أولى بالتعرّض ممّا بينها كما لا يخفى ؟!
فإن قلت : لزوم الاحتساب بخصوص العدد المستوعب فيما إذا كان أحدهما عادّاً وانتفاء التخيير لا ينطبق على النصاب الأخير الذي هو مورد الصحيح ـ أعني : مائة وواحـداً وعشرين ـ إذ عليه كان الـلازم الاقتصـار على ذكر الأربعين فقط ، وإلاّ لزم تخصيص المورد المستهجن ، فانطباق التخيير على المورد يدلّنا على جواز الاحتساب بحساب كلّ خمسين ، المستلزم للعفو عن العشرين الزائد .
قلت : لو كان النصاب الأخير مختصّاً بما ذكر لاتّجه ما اُفيد ، ولكنّه كلّي يشرع من مائة وواحد وعشرين فما زاد ، وهذا العدد فردٌ من ذاك الكلّي لا أ نّه بنفسه مورده المختصّ، وعليه فالواجب فيما قبله من سائر النصب شيءٌ مشخّص معيّن كبنت مخاض أو ابن لبون أو جذعة وهكذا، وأمّا في هذا النصاب فالواجب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 111 / أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 6 .
|