ــ[189]ــ
بل يجوز للمالك أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقيّة من النقدين أو غيرهما ((1))(1)، وإن كان الإخراج من العين أفضل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فما عن الشيخ ـ من أنّ له المعارضة واقتراح القرعة (2) ـ ليس له وجهٌ ظاهر .
هذا كلّه في الساعي .
وأمّا في الفقير ، فالأمر أوضح ، لعدم كونه مالكاً ، بل هو مصرف محض ، والمالك إنّما هو الكلّي دون الشخص ، فليس له المطالبة فضلاً عن المعارضة .
وعلى الجملة : دعوى الخيار للساعي لها وجه ، باعتبار أ نّه يمثّل الإمام (عليه السلام) أو نائبه الذي هو وليٌّ عن المالك ، فكأ نّه يمثّل المالك وإن كان ضعيفاً كما مرّ .
وأمّا في الفقير ، فلا وجه لها أصلاً ، إذ ليس هو إلاّ مصرفاً صرفاً لا يكاد يملك إلاّ بعد التسليم ، باعتبار كونه مصداقاً للطبيعي ، فلا علاقة له بالمال قبل ذلك كي يكون له حقّ المعارضة ، فلو سلّمناه في الساعي لا نسلّمه في الفقير أبداً .
(1) لا ريب في جواز إخراج الجنس من غير النصاب ودفعه بعنوان الزكاة على ما تقدّم (3) .
وأمّا الإخراج من غير الجنس بعنوان القيمة ، فيقع الكلام :
تارةً : فيما هو متمحّض في الماليّة ، أعني : أعيان الأثمان كالدرهم والدينار
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جواز الإخراج من غير النقدين وما بحكمهما محلّ إشكال ، بل لا يبعد عدم جوازه .
(2) المبسوط 1 : 194 ، 195 .
(3) في ص 185 .
ــ[190]ــ
وما في حكمهما كالأوراق النقديّة المتداولة في هذه الأعصار .
واُخرى : في التقويم بجنس آخر ، كأن يدفع عن قيمة التبيع فرساً أو عن قيمة الشاة كتاباً وهكذا .
أمّا الأوّل : فلا إشكال كما لا خلاف فيه بالإضافة إلى الغلاّت والنقدين ، للنصّ فيهما كما ستعرف ، بل ادُّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد .
وأمّا الأنعام ، فهي وإن لم يرد فيها نصٌّ خاصٌّ إلاّ أنّ الظاهر أ نّها أيضاً كذلك ، حيث يستفاد حكمها من النصّ المشار إليه ، بعد القطع بمقتضى الفهم العرفي بعدم خصوصيّة للمورد ، وأنّ الحكم عامٌّ لمطلق الأعيان الزكويّة .
ففي صحيحة محمّد بن خالد البرقي قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : هل يجـوز أن اُخرج عمّا يجـب في الحرث من الحنطة أو العشير وما يجب عليه الذهب دراهم قيمته ما يسوى ؟ أم لا يجوز إلاّ أن يخرج من كلّ شيء ما فيه ؟ فأجاب : «أ يّما تيسّر يخرج» (1) .
والمراد بأحمد بن محمّد الواقع في السند هو أحمد بن محمّد بن عيسى لا ابن خالد ، وإلاّ لقال : عن أبيه ، بدل قوله : عن محمّد بن خالد ، وإن كان ثقة على التقديرين .
وصحيحة علي بن جعفر قال : سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير وعن الدنانير دراهم بالقيمة ، أيحلّ ذلك ؟ «قال : لا بأس به» (2) .
فإنّ موردهما وإن كان هو الحنطة والشعير والدراهم والدنانير ، لكن سياقهما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 167 / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب 14 ح 1 .
(2) الوسائل 9 : 167 / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب 14 ح 2 .
ــ[191]ــ
بمقتضى الفهم العرفي ربّما يشرف الفقيه على القطع بعدم خصوصيّة للمورد ، وأنّ الاعتبار في الانتقال إلى القيمة نفياً وإثباتاً بمطلق الجنس الزكوي من غير خصوصيّة للحنطة والشعير وما شاكلهما ، وكان هذا هو المنقدح في ذهن السائل أيضاً ، ولذا عبّر بصيغة العموم في صحيحة البرقي حيث قال : أم لا يجوز إلاّ أن يخرج من كلّ شيء ما فيه . أي يخرج من كلّ جنس من الأجناس الزكويّة ما فيه عيناً دون أن ينتقل إلى القيمة .
وإن أبيتَ إلاّ الجمود على ظاهر النصّ فلازمه الاقتصار على مورده من الحنطة والشعير وعدم التعدّي لا إلى الأنعام ولا إلى غيرهما من سائر الغلاّت ـ أعني: التمر والزبيب ـ مع أنّ الأصحاب قد تعدّوا إلى سائر الغلاّت قولاً واحداً .
وعلى الجملة : لا نعرف وجهاً للتفكيك بين الأنعام وبين التمر والزبيب ، فإن بُني على التعدّي فإلى الكلّ ، وإلاّ فلا يتعدّى أبداً ، وليقتصر على مدلول النصّ فحسب .
وحيث إنّ الأظهر الأوّل فاللازم سريان الحكم للأنعام أيضاً حسبما عرفت .
وأمّا الثاني ـ أعني : إخراج القيمة من جنس آخر غير النقدين ـ : فالمشهور جوازه كما ذكره في المتن ، بل ادُّعي الإجماع عليه ، استناداً إلى ما رواه في قرب الإسناد عن محمّد بن الوليد ، عن يونس بن يعقوب ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : عيال المسلمين ، اُعطيهم من الزكاة ، فأشـتري لهم منها ثياباً وطعاماً ، وأرى أنّ ذلك خيرٌ لهم ، قال : «فقال : لا بأس» (1) .
أمّا من حيث السند ، فالظاهر هو الاعتبار ، فإنّ المراد بمحمّد بن الوليد هو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 168 / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب 14 ح 4 ، قرب الإسناد : 49 / 159 .
ــ[192]ــ
الخزّاز البجـلي الذي له كتاب ووثّقه النجاشي صريحاً (1) بقرينـة روايتـه عن يونس ، دون الشباب الصيرفي الغير الثقة وإن كان في نفس الطبقة ، لعدم روايته عن يونس ، مضافاً إلى معروفيّة الأوّل واشتهاره ، الموجب لانصراف اللفظ عند الإطلاق إليه ، فلا مناقشة في السند .
إنّما الكلام في الدلالة ، والظاهر أ نّها قاصرة وأجنبيّة عن محلّ الكلام ، فإنّها ناظرة إلى ما إذا عيّن زكاته وأفرزها خارجاً وعزلها ليعطيها لعائلة من عوائل المسلمين .
وبما أنّ العيال يتضمّن النساء والقاصرين بطبيعة الحال ، ولا يتيسّر لهم ـ غالباً ـ الانتفاع من عين الزكاة التي هي من النقدين في غالب الأحوال إلاّ بالتبديل بطعام أو ثياب ونحوهما ، ومن المعلوم عدم جواز التصرّف في الزكاة بعد الإفراز والعزل إلاّ بإذن ممّن بيده الأمر .
فلأجل ذلك احتاج السائل إلى الاستجازة من الإمام (عليه السلام) في التصرّف المزبور ، ولذا قال : فأشتري لهم منها ـ أي من تلك الزكاة ـ لا أن يشتري لهم من ماله فيعطيه زكاةً كما هو محلّ الكلام ، فلم يقل : فاشتري لهم من مالي ، بل قال : منها ـ أي من الزكاة ـ فهو بيانٌ لكيفيّة الإعطاء ممّا عيّنه في الزكاة ، لا إعطاء نفس الزكاة .
وعلى الجملة : فرقٌ واضحٌ بين إعطاء القيمة بعنوان الزكاة ، وبين تبديل الزكاة المتعيّنة المفرزة خارجاً بجنس آخر ، ومحلّ الكلام هو الأوّل ، ومورد الرواية الثاني ، فأحدهما أجنبي عن الآخر ، فلا يمكن الاستدلال بها للمطلوب بوجه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي : 345 / 931 .
|