ــ[193]ــ
[ 2637 ] مسألة 6 : المدار في القيمة على وقت الأداء (1) ـ سواء كانت العـين موجودة أو تالفة ((1)) ـ لا وقت الوجـوب ، ثمّ المدار على قيمة بلد الإخراج إن كانت العين تالفة ، وإن كانت موجودة فالظاهر أنّ المدار على قيمة البلد التي هي فيه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أ نّه كما يمكن دفع الزكاة من نفس النصاب يمكن دفعه من خارجه من نفس الجنـس بلا حاجة إلى مراعاة القيمة ، ولو قصدها يلغو القصد ، إذ لا أثر له بعد أداء نفس الواجب . كما يمكن دفعه أيضاً من غير النجس بعنوان القيمة إذا كان من النقدين ـ أي متمحّضاً في أعيان الأثمان ـ دون غيرهما من سائر الأجناس، بل ولا من نفس الجنس بهذا العنوان لو بنينا على عدم كفايته من خارج النصاب ، وإن كان المبنى خلاف التحقيق كما مرّ .
ولا فرق في جميع ما ذكرناه بين أنحاء الأجناس الزكويّة من الأنعام والغلاّت والنقدين حسبما عرفت بما لا مزيد عليه . كما لا فرق بين القدرة على الإخراج من نفس العين وعدمها بمقتضى الإطلاق .
(1) بعدما تقدّم من جواز الإخراج بالقيمة بمقتضى صحيحة البرقي إمّا من خصوص النقدين أو ولو من غيرهما (2) ، تعرّض (قدس سره) لتعيين القيمة من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا في فرض عدم الإفراز، وأمّا في فرض الإفراز وكون التلف موجباً للضمان فالعبرة إنّما هي بقيمة يوم التلف ، كما أنّ المناط في الضمان قيمة البلد الذي تلفت العين فيه ، وأمّا إذا كانت العين موجودة فالظاهر أنّ المدار على قيمة البلد الذي هي فيه وإن كان الأحوط أعلى القيمتين .
(2) الوسائل 9 : 167 / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب 14 ح 1 .
ــ[194]ــ
حيث الزمان والمكان وأنّ الاعتبار هل هو بوقت الأداء ، أم بزمان الوجوب وتعلّق الزكاة ؟ وبالنظر إلى المكان ، هل المدار ببلد الإخراج ، أم ببلد العين ؟ إذ لا ريب في جواز اختلاف القيمة باختلاف الأزمنة والأمكنة .
فذكر (قدس سره) أنّ الاعتبار من حيث الزمان بزمان الأداء سواء أكانت العين موجودة أم تالفة ، ومن حيث المكان ببلد العين إن كانت موجودة ، وببلد الإخراج إن كانت تالفة .
أقول : يقع الكلام في موردين ، والظاهر أنّ المتن ناظر إلى أوّلهما ، ونذكرهما معاً تتميماً للفائدة :
أحدهما : لحاظ القيمة قبل إفراز الزكاة وعزلها خارجاً .
والثاني : بعد العزل .
أمّا المورد الأوّل : فقد يفرض أنّ العين موجودة ، واُخرى تالفة .
فإن كانت موجودة ، فلا ينبغي التأمّل في أنّ الاعتبار بوقت الأداء كما ذكره في المتن ، لأنّ متعلّق الزكاة من مال الفقير أو غيره من سائر المصارف الثمانية موجودٌ في العين الخارجيّة ، فإنّ ذلك وإن لم يكن على نحو الشركة الحقيقيّة إلاّ أ نّه بالآخرة ليس المال بأجمعه ملكاً للمالك ، بل مقدارٌ منه للزكاة ، فإذا كانت العين الخارجيّة متعلّقة للزكاة فهو الآن مكلّفٌ بأداء نفس العين وإلاّ فقيمتها ، فلا بدّ ـ بطـبيعة الحال ـ من ملاحظة القيمـة الفعليّة التي هي بدل عن العين الموجودة ، ولا عبرة بملاحظة القيمة السابقة التي قد تكون أكثر أو أقلّ .
وعلى الجملة : يجب عليه أن يعطي فعلاً شاةً واحدة ، فإمّا أن يعطيها بنفسها أو يؤدّي قيمتها، ومن المعلوم أنّ مراعاة قيمة الشاة الفعليّة تستدعي لحاظ القيمة الحاليّة ، ولا اعتبار بما سبق ، فاحتمال كون العبرة بزمان الوجوب لو فرضنا وجود القائل به ـ وهو غير معلوم ـ لا نعرف له وجهاً أبداً .
ــ[195]ــ
وأمّا باعتبار البلد ، فلم يُعرَف وجهٌ لما ذكره الماتن من جعل العبرة ببلد وجود العين ، إذ بعد ما تقدّم من أ نّه لا يجب الإخراج من عين المال الزكوي ، بل يجوز الدفع من خارج النصاب (1) ، وأ نّه لا فرق في ذلك بين أن يكون من ذاك البلد أو بلد آخر كما صرّح به (قدس سره) ، فمال الفقير ـ بناءً على هذا ـ وإن كان موجوداً في العين الخارجيّة إلاّ أ نّه لا يجب الإعطاء من نفسها ، بل الواجب دفع الشاة الكلّيّة ، الأعمّ من أن تكون من النصاب أو من غيره ، فله أن يدفع شاة اُخرى من بلد آخر ، فإذا جاز جاز دفع قيمته بمقتضى صحيحة البرقي المتقدّمة .
وعلى الجملة : فما ذكره (قدس سره) من لزوم مراعاة قيمة بلد العين لا يجتمع مع ما تقدّم منه من جواز الإعطاء من خارج النصاب .
ومقامنا هذا أشبهُ شيء بإرث الزوجة من البناء وغيره ممّا لا ينقل ، حيث إنّ المعروف أ نّها ترث قيمةً لا عيناً ، بمعنى : أنّ للوارث ولاية التبديل بالقيمة ، لا أ نّها ترث القيمة ابتداءً ، لوضوح أنّ الميّت لم يترك إلاّ العين دون القيمة ، فالزوجة ترث من نفس العين ، إلاّ أنّ للورثة ولاية التبديل بالقيمة كما عرفت ، فلا جرم تكون العبرة بقيمة يوم الأداء ، فما لم تستوف حصّتها فهي شريكة مع سائر الورثة في ماليّة العين ، بداهة أ نّها لم تأخذ القيمة مجّاناً ، بل بعنوان الإرث ، فشركتها معهم شركة في الماليّة لا في العين .
فهي أشبهُ شيء بالفقير وغيره من مصارف الزكاة فيما نحن فيه ، فإنّ الزكاة وإن كانت ملكاً له إلاّ أنّ للمالك ـ الذي هو الشريك الأعظم ـ ولاية التبديل بالقيمة ، أو من مال آخر من نفس الجنس .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 182 ، 189 .
ــ[196]ــ
وعليه ، فحينما يريد الإعطاء لا بدّ من ملاحظة القيمة حال الأداء ليكون بدلاً عمّا هو ملك الفقير ، فكما أنّ العبرة من جهة الزمان بزمان الأداء فكذا من ناحية المكان ، فما ذكره (قدس سره) من أنّ العبرة ببلد العين إنّما يتّجه لو وجب الإخراج من نفس العين ، وليس كذلك ، بل الواجب الجامع بين أحد اُمور ثلاثة : من نفس النصاب ، وخارجه ، والقيمة . ومع التخيير بين هذه الاُمور لا موجب لمراعاة بلد العين بوجه .
هذا كلّه مع وجود العين .
وأمّا مع التلف ، فقد لا يوجب الضمان ، كما لو كان بآفة سماويّة من غير تفريط ، فلا كلام ، إذ لا يجب حينئذ شيءٌ ليبحث عن تعيين القيمة .
واُخرى يوجب ، لتفريط ، أو لاستناد التلف إليه .
وقد ذكر (قدس سره) أنّ العبرة حينئذ بقيمة وقت الأداء وبلد الإخراج ، وهو الصحيح كما ظهر وجهه ممّا مرّ ، فإنّ متعلّق الزكاة وإن كان هو العين الخارجيّة والفقير شريكٌ مع المالك شركة ما ، إلاّ أنّ الواجب ليس هو الأداء من خصوص هذه العين ، فكما أ نّه كان مخيّراً حال وجود العين في إعطاء شاة اُخرى من خارج النصاب فكذا الآن ، إذ لا أثر للتلف من هذه الناحية .
وبعبارة اُخرى : فرقٌ واضحٌ بين ما يملكه الفقير ـ أو غيره من سائر أصناف الزكاة ـ وبين ما يجب على المالك ، فالذي يملكه الفقير هو ما يتعلّق بالعين الخارجيّة بنحو من الشركة ، ولكن الواجب على المكلّف ليس العطاء من نفس هذه العين بالخصوص كما عرفت في إرث الزوجة من جواز التبديل بالقيمة وإن كان حقّها متعلّقاً بالعين ، فالوجوب المتوجّه بمن عليه الزكاة قد تعلّق بالأعمّ من دفع الشاة من عين النصاب أو من خارجه أو من القيمة ، ولم يتغيّر هذا الوجوب ولم يتبدّل بالتلف ، فيجوز عليه الآن أيضاً دفع شاة اُخرى ، فإذا جاز
ــ[197]ــ
ذلك جاز دفع القيمة أيضاً بمقتضى صحيحة البرقي كما تقدّم .
إذن تكون العبرة بزمان الأداء ووقت تفريغ الذمّة من الزكاة .
والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أ نّه في مقام الأداء لا بدّ من مراعاة القيمة الفعليّة من جهة الزمان والمكان ، بلا فرق في ذلك بين أن يكون المال الزكوي موجوداً أو تالفاً .
وأمّا المورد الثاني ـ أعني: ما لو كان قد عزل الزكاة وأفرزها خارجاً وبعدئذ أراد دفع القيمة ـ : فقد يفرض أ نّه موجود واُخرى تالف ، وهذا أمر آخر أجنبي عن مورد كلام الماتن كما مرّ ، وسيجيء إن شاء الله : أنّ للمالك الإفراز ورفع الشركة بالعزل لغاية من الغايات ، وبعد ما عزل تتعيّن الزكاة فيه ، وهو أمانة شرعيّة في يده لا يجوز التصرّف فيه ولا التبديل بالقيمة ، لأنّ دليل التقويم منصرفٌ عن المقام ، فإنّه ناظرٌ إلى جعل القيمة زكاةً لا جعل الزكاة قيمةً كما لا يخفى .
وإذا فرضنا في مورد جواز التصرّف ـ كما ذكرناه في الصحيحة المتقدّمة (1) المرويّة عن قرب الإسناد ـ كانت العبرة بقيمة وقت التبديل بطبيعة الحال ، لأنّ شخص المال ملك الفقير ، غايته أ نّه جاز له التصرّف فيه فيخرجه بقيمته الفعليّة لا محالة .
وكيفما كان ، فليس له التبديل بالقيمة بعد العزل ما لم يقم عليه دليل من الخارج ، وليس له الإعطاء من الخارج لا من الجنس ولا من غيره .
هذا إذا كان موجوداً .
وأمّا مع التلف ، فإن لم يستند إليه ولم يفرّط فلا ضمان أصلاً ، وإلاّ فيجري
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 191 .
|