الثالثة : أن يكون المسكوك رائج المعاملة ومندرجاً في مسمّى الدرهم والدينار سابقاً ، أمّا الآن فقد زال العنوان وهجرت المعاملة وسقطت السكّة عن درجة الاعتبار ، إمّا لتغيير الحكومة ، أو لغير ذلك من مناشئ الهجر والسقوط ، فلا يعدّ فعلاً من الأثمان ، وإنّما يُرغب فيه لمادّته ، أو لأجل كون السكّة من الآثار العتيقة .
والمعروف والمشهور حينئذ وجوب الزكاة ، بل ادُّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد ، وفي الجواهر : لم أرَ فيه خلافاً (1) .
ويُستَدلّ له بوجوه :
أحدها : الاستصحاب ، فإن هذا المسكوك كان يجب فيه الزكاة سابقاً والآن كما كان .
وفيه أوّلاً: أنّ الموضوع قد تبدّل، إذ لم يكن معروض الوجوب ذات المسكوك
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 15 : 181 .
ــ[273]ــ
بحيث يكون الاتّصاف بالدرهم أو الدينار من قبيل تبدّل الحالات ، بل الوصف العنواني دخيل ومقوّم للموضوع كما لا يخفى ، ومعه لا مجرى للاستصحاب .
وثانياً : أنّ الاستصحاب تعليقي ، إذ الوجوب لم يكن ثابتاً وفعليّاً سابقاً ، بل معلّقاً على تقدير حلول الحول وبقاء العين واستجماع الشرائط العامّة، فلم يكن حكماً منجّزاً ليُستصحَب، ولانقول بالاستصحاب التعليقي كما هو محرّر في محلّه(1) .
وثالثاً : أنّ الشبهة حكميّة ، ولانقول بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة مطلقاً ، من غير فرق بين التنجيزي والتعليقي، للمعارضة بين مقام الجعل والمجعول، كما حقّقناه في الاُصول (2) .
الثاني : الإجماع .
وفيه : أنّ التعبّدي منه الكاشف عن رأي المعصوم لعلّه مقطوع العدم ، لاستناد أكثر المجمعين إلى الاستصحاب المزبور ، ومعه لا وثوق بمثل هذا الاتّفاق ، فالمحصّل غير حاصل ، والمنقول غير مقبول .
الثالث : دعوى أنّ المشتّق وما يلحق به من الأوصاف الجارية على الذوات ـ كالحرّ والرقّ والملك ، ومنه الدرهم والدينار كما في المقام ـ حقيقةٌ في الأعمّ من المتلبّس وما انقضى عنه المبدأ ، وعليه فيشمله إطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة في الدرهم والدينار .
وفيه : أنّ المبنى خلاف التحقيق ، ولا يكون المشتقّ حقيقة إلاّ في خصوص المتلبّس كما هو موضح في محلّه (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الاُصول 3 : 138 .
(2) مصباح الاُصول 3 : 47 ـ 48 .
(3) محاضرات في اُصول الفقه 1 : 247 .
|