ــ[274]ــ
ولو اتّخذ الدرهم أو الدينار للزينة (1) : فإن خرج عن رواج المعاملة لم تجب فيه الزكاة ، وإلاّ وجبت ((1)) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذن لا دليل على وجوب الزكاة في المقام ، لضعف هاتيك الوجوه حسبما عرفت .
بل يمكن إقامة الدليل على العدم ، وهو التعليل الوارد في صحيحة ابن يقطين المتقدّمة (2) ، حيث علّل سقوط الوجوب في السـبيكة بذهاب المنفعة ، أي ما ينتفع به ـ كما مرّ ـ وهو كونه ديناراً ، الجاري بعينه في المقام ، لسقوطه بعد الهجر عن الثمنيّة والاتّصـاف بكونه درهماً أو ديناراً أو غـيرهما من النقـود كما هو المفروض .
فإن تمّ هذا الوجه فهو، وإلاّ فيكفينا عدم الدليل على الوجوب حسبما عرفت .
فالأقوى : عدم الوجوب وإن كان الاحتياط الذي ذكره في المتن ممّا لا ينبغي تركه .
(1) لو اتّخذ المضروب بالسكّة للزينة ـ كالحلي أو غيرها ـ فقد يفرض أنّ التزيّن المزبور استوجب تغييراً بحيث خرج عن مسمّى الدرهم والدينار ، ولا ينبغي الإشكال حينئذ في عدم الوجوب ، لدوران الحكم مدار الوصف العنواني المفروض زواله .
وقد يفرض عدم التغيّر وبقاؤها على ما كانا عليه قبل التزيّن من صدق العنوان ورواج المعاملة كما هو محلّ الكلام .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فيه إشكال ، نعم الوجوب الأحوط .
(2) الوسائل 9 : 160 / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب11 ح3، وقد تقدّمت في ص270.
ــ[275]ــ
وقد وقع الخلاف في وجوب الزكاة حينئذ ، ولعلّ الأشهر هو الوجوب ، ولكن الأظهر عدمه ، فإنّ المورد وإن كان مشمولاً لإطلاقات أدلّة الدرهم والدينار المحكومة بوجوب الزكاة ولا ينبغي التشكيك في ذلك ، ولكنّه مشمولٌ أيضاً لإطلاقات الأدلّة النافية للزكاة عن الحلي كما سيجيء إن شاء الله تعالى ، إذ هي تشمل الدرهم والدينار المتّخذ حليّاً كغيرهما بمناط واحد .
ولا يبعد تقديم الثاني ، نظراً إلى التعليل الوارد في بعض هذه النصوص ، وهي صحيحة يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الحلي ؟ أيزكّى ؟ «فقال : إذن لا يبقى منه شيء» (1) .
المؤيّدة بخبر علي بن جعفر ـ وإن كان ضعيفاً بعبدالله بن الحسن ـ قال : سألته عن الزكاة في الحلي «قال : إذن لا يبقى» (2) .
حيث يظهر من هذا التعليل أنّ الزكاة إنّما شُرِّعت في المسـكوك الذي من شأنه الصرف والتبديل والنقل والتحويل كالنقود المصروفة في الأثمان ، وأمّا ما يكون المطلوب منه البقاء والتمتّع بالتزيّن بها ـ كالحلي ـ فلا زكاة فيها ، وإلاّ لأدّى إلى الزوال والاضمحلال ولم يبق منه شيء بعد سنين عديدة ، وهذه العلّة تسـتدعي عدم تعلّق الزكاة بالدينار المتّخذ للحلية ، إلاّ إذا خرج عن التحلّي وصار كسائر النقود بحيث لا يكون المطلوب في نوعه البقاء .
فإن تمّ هذا الوجه ، وإلاّ فمن الواضح أنّ النسبة بين الدليلين عمومٌ من وجه ، فإنّ أدلّة الدينار تعمّ المتّخذ للحلي ، كما أنّ أدلّة الحلي تعمّ ما كان من الدينار ، فيتعارضان في مادّة الاجتماع ـ وهي الدرهم أو الدينار المتّخذ للحلي ـ فتجب الزكاة بمقتضى الطائفة الاُولى ، ولا تجب بمقتضى الثانية .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 156 / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب 9 ح 1 .
(2) الوسائل 9 : 158 / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب 9 ح 9 .
ــ[276]ــ
فقد يقال حينئذ : إنّهما يتساقطان بعد التعارض ، فيرجع بعد ذلك إلى العامّ الفوق، وهي النصوص الدالّة على وجوب الزكاة في مطلق الذهب والفضّة ـ لعدم العلم بخروج مثل هذا الفرض عنها ـ من الكتاب والسنّة، كقوله تعالى: (وَا لَّذِينَ يَكْنِزُونَ ا لْذَّهَبَ وَا لْفِضَّةَ ) إلخ ، وقوله (عليه السلام) : «في عشرين مثقال من الذهب نصف دينار» ، وغير ذلك .
ولكن الظاهر عدم وصول النوبة إلى التعارض ، ولزوم تقديم نصوص الطائفة الثانية ، أعني : نصوص الحلي .
وذلك لما ذكرناه مراراً من أ نّه لو كان بين عنوانين عمومٌ من وجه ، وكان تقديم أحدهما مستلزماً للغويّة العنوان في الجانب الآخر دون العكس ، قُدِّم الثاني الذي هو سليم عن هذا المحذور ، وذكرنا لهذه الكبرى موارد :
منها : ما دلّ على عدم انفعال الماء القليل ، فإنّ النسبة بينه وبين أدلّة اعتصام الجاري عمومٌ من وجه ، ويتعارضان في مادّة الاجتماع ـ وهو القليل الجاري الذي له مادّة ـ ولكن المتعيّن تقديم الثاني ـ أعني : أدلّة الاعتصام ـ إذ لا محذور فيه عدا ارتكاب التقييد في أدلّة الأنفعال ، فتحمل على القليل غير الجاري ، وهذا بخلاف العكس ، إذ لو قدّمنا أدلّة الانفعال وحملنا دليل الاعتصام على الجاري غير القليل ـ أي الكرّ ـ لم يبق لوصف الجريان مدخل في هذا الحكم ، لأنّ غير الجاري الكرّ أيضاً معتصم .
ومنها : قوله (عليه السلام) : «كلّ طائر يطير بجناحيه فلا بأس ببوله وخرئه»(1) ، فإنّ النسبة بينه وبين ما دلّ على نجاسة بول غير مأكول اللحم ـ مثل قوله (عليه السلام) : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» (2) ـ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ الوسائل 3 : 412 / أبواب النجاسات ب 10 ح 1 .
(2) الوسائل 3 : 405 / أبواب النجاسات ب 8 ح 2 .
ــ[277]ــ
عمومٌ من وجه ، لأنّ الأوّل يعمّ غير المأكول ، كما أنّ الثاني يعمّ الطائر ، فيتعارضان في مادّة الاجتماع ـ وهي الطائر غير مأكول اللحم كالباز والصقر ـ إذ مقتضى كونه طائراً طهارة بوله، كما أنّ مقتضى كونه غير مأكول اللحم نجاسته .
ولكن المتعيّن تقديم الأوّل ، إذ لا محذور فيه عدا تقييد الثاني بغير الطائر ، فيفصل في غير المأكول بين الطائر وغيره ، وتكون النجاسة مختصّة بالثاني . وأمّا لو قدّمنا الثاني المستلزم لحمل الأوّل على مأكول اللحم ، كان لازمه إلغاء العنوان وإهمال وصف الطيران ، إذ لا فرق حينئذ في طهارة المأكول بين الطائر وغيره، مع أنّ ظاهر الدليل أنّ لهذا الوصف العنواني خصوصيّة في تعلّق الحكم .
ومنها : المقام ، فإنّ النسبة بين أدلّة عدم تعلّق الزكاة بالحلي وبين أدلّة تعلّقها بالدرهم والدينار وإن كانت عموماً من وجه إلاّ أنّ المتعيّن ترجيح الأوّل ، إذ لا محذور فيه عدا تقـييد الثاني وحمله على الدرهم والدينار غير المستعملين في الحلي ، وهذا بخلاف العكس ، إذ لو قدّمنا الثاني وقيّدنا أدلّة الحلي بغير الدرهم والدينار لم تبق حينئذ خصوصيّة لعنوان الحلي في الحكم بعدم الزكاة ، ضرورة أنّ غير الحلي أيضاً من غير الدرهم والدينار لا زكاة فيه ، فالحلي وغير الحلي سيّان من هذه الجهة ـ بعد فرض كون الموضوع غير الدرهم والدينار كما هو مقتضى التقييد المزبور ـ فيلزم إلغاء هذا العنوان ، مع أنّ ظاهر الدليل لزوم رعايته وأنّ له دخـلاً في تعلّق الحكم ، ومعه لا مناص من ترجيح أدلّة الحلي وتقييد أدلّة الزكاة في الدرهم والدينار بغير المتّخذ للحلية كما عرفت .
فالأقوى ما اختاره غير واحد من عدم تعلّق الزكاة بالدرهم والدينار المتّخذين للزينة وإن كان الوجوب الذي عليه المشهور هو الأحوط .
|