ــ[279]ــ
بالدخول في الشهر الثاني عشر(1) ، جامعاً للشرائط التي منها النصاب ، فلو نقص في أثنائه عن النصاب سقط الوجوب ، وكذا لو تبدّل بغيره من جنسه أو غيره ، وكذا لو غُيِّر بالسبك ، سواء كان التبديل أو السبك بقصد الفرار من الزكاة أو لا على الأقوى(2) ، وإن كان الأحوط الإخراج على الأوّل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«فقال : إذا اجتمع مائتا درهم فحال عليها الحول فإنّ عليها الزكاة» (1) .
ونحوها غيرها كما لا يخفى على من لاحظها .
(1) فيكفي مضيّ أحد عشر شهراً بكاملها ، فمتى هلّ هلال الشهر الثاني عشر استقرّ الوجوب ، ولا يجوز له التصرّف والتغيير حينئذ ، فلا عبرة بمضيّ هذا الشهر ، كما أ نّه لا يحسب من السنة الجديدة أيضاً ، بل مبدؤها الشهر الثالث عشر كما دلّت عليه صريحاً صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم ، حيث قال (عليه السلام) فيها : « ... إنّه حين رأى هلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة» (2) وقد تضمّنت تشبيه من وهب ماله بعد رؤية هذا الهلال بمن سافر بعد الإفطار ، كما شُبِّهت فيها الهبة خلال السنة ـ أي قبل هذه الرؤية ـ بمن أفطر بعد ما سافر ، حيث يجوز الثاني دون الأوّل .
وقد تقدّم الكلام حول ذلك مستقصىً في زكاة الأنعام ، فلاحظ (3) .
(2) لا يخفى أنّ مقتضى القاعدة ـ مع قطع النظر عن النصوص الخاصّة ـ : سقوط الزكاة مع التبديل أو السبك ولو كان ذلك بقصد الفرار من الزكاة ، عملاً بإطلاق أدلّة اعتبار مضيّ الحول والعين باقية بحالها ، إذ مفادها أ نّها لو لم تكن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 143 / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب 2 ح 2 .
(2) الوسائل 9 : 163 / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب 12 ح 2 .
(3) في ص 210 ـ 215 .
ــ[280]ــ
باقية فتغيّرت خلال السنة بتبديل أو تسبيك أو الصرف في الحلي ونحو ذلك فلا زكاة ، سواء أكان ذلك لحاجة ماسّة أو لمجرّد الفرار من الزكاة ، إذ يصدق معه أيضاً أ نّه لم يحلّ عليه الحول ، كما يقتضيه إطلاق ما دلّ على أنّ السبائك والحلي ليس فيها زكاة .
وأمّا بالنظر إلى الروايات الخاصّة الواردة في المقام ، فقد ورد في غير واحد من الأخبار سقوط الزكاة ولو كان بقصد الفرار ، التي منها صحيحة عمر بن يزيد ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضاً أو داراً ، أعليه شيء ؟ «فقال : لا ، ولو جعله حليّاً أو نقراً فلا شيء عليه ، وما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ الله الذي يكون فيه» (1) ، ونحوها صحيحتا علي بن يقطين (2) وصحيحة ابن خارجة (3) وغيرها .
وبإزائها روايات اُخرى دلّت على عدم السقوط ، التي منها صحيحة محمّد ابن مسلم ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الحلي ، فيه زكاة ؟ «قال : لا ، إلاّ ما فرّ به من الزكاة» (4) .
فلو كنّا نحن وهاتان الطائفتان لأمكن الجمع بالحمل على الاستحباب ، نظراً إلى أ نّه وإن كان في نفسه متعذّراً في أمثال المقام ممّا تضمّن النفي والإثبات ـ فيه زكاة وليس فيه زكاة ـ لكونهما متهافتين في نظر العرف ، وإنّما يتيسّر في مثل : افعل ، و : لا بأس بتركه ، كما أشرنا إليه مراراً .
إلاّ أنّ صحيحة زرارة تدلّنا على إمكان هذا الجمع في خصوص المقام ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 159 / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب 11 ح 1 .
(2) الوسائل 9 : 160 / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب 11 ح 2 و 3 .
(3) الوسائل 9 : 160 / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب 11 ح 4 .
(4) الوسائل 9 : 162 / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب 11 ح 7 .
ــ[281]ــ
حيث ورد في ذيلها : ... ثمّ قال زرارة : قلت له : إنّ أباك قال لي : «من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها» «فقال : صدق أبي ، عليه أن يؤدّي ما وجب عليه ، وما لم يجب عليه فلا شيء عليه فيه» .
فإنّها تكون شارحة لنصوص عدم السقوط ـ مثل : صحيحة ابن مسلم ـ وأنّ المراد ما لو كان الفرار بعد استقرار الوجوب عليه ـ أي بعد مضيّ الحول ـ وأمّا لو كان قبله فلا شيء عليه ، غير أ نّه فوّت على نفسه الأفضل كما صرّح به في صحيحة عمر بن يزيد ، فتكون نتيجة الجمع حينئذ هو الاستحباب .
إلاّ أنّ صحيحة معاوية بن عمّار آبية عن ذلك ، قال : قلت له : الرجل يجعل لأهله الحلي ـ إلى أن قال : ـ قلت له : فإن فرّ به من الزكاة ؟ «فقال : إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة ، وإن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة» ، ورواها ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً عن كتاب معاوية بن عمّار (1) .
لامتناع حملها على ما بعد مضيّ الحول ، إذ يبطل حينئذ ما تضمّنته من التفصيل بين صورتي قصد الفرار أو التجمّل، ضرورة عدم جواز التبديل بالحلي بعد تماميّة الحول واستقرار الوجوب ، سواء أكان بقصد الفرار أم بقصد التجمّل كما هو ظاهر .
ولا يمكن التفكيك بين الشقّين بحمل قصد الفرار على ما بعد الحول ، وقصد التجمّل على ما قبله ، إذ فيه من الاستبشاع بحسب الفهم العرفي ما لا يخفى ، فلا مناص من كونها ناظرة إلى ما قبل مضيّ الحول ، فتستقرّ المعارضة حينئذ بينها وبين نصوص السقوط ، مثل : صحيحة عمر بن يزيد ونحوها .
وهذه الرواية وصفها في الحدائق بالصحّة باعتبار طريق ابن إدريس ، حيث
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 162 / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب 11 ح 6 ، مستطرفات السرائر : 21 : 2 .
ــ[282]ــ
قال : وعن معاوية بن عمّار في القوي بل الحسن ، ثمّ قال : ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلاً عن كتاب معاوية بن عمّار مثله فيكون الحديث صحيحاً (1) .
وغير خفي ما في هذا الطريق من الضعف ، لجهالة طريق ابن إدريس إلى الكتاب المزبور ، ولم تقم قرينة تغنينا عن رعاية الطريق مثل ما ينقل أحياناً عن كتاب ويقول مثلاً : وجدته بخطّ الشيخ .
نعم ، هي صحيحة كما وصفناها ولكن بطريق الشيخ ، إذ ليس فيه من يغمز فيه ، عدا محمّد بن عبدالله المردّد بين الثقة والضعيف ، ولكن الظاهر أنّ المراد به هو محمّد بن عبدالله بن زرارة ، الذي هو ثقة على الأظهر ، بقرينة روايته عن محمّد بن أبي عمير ، فإنّ الراوي عنه غالباً هو هذا الشخص كما صرّح به في غير واحد من الموارد .
وكيفما كان ، فالرواية معتبرة ، والمعارضة مستقرّة كما عرفت ، وفتاوى العامّة مختلفة ، ولعلّ المشهور بينهم آنذاك هو الوجوب ، إذ لم ينقل الخلاف إلاّ عن أبي حنيفة والشافعي (2) ، فإنّ حصر المذاهب في الأربعة إنّما حدث متأخّراً وقبله كان ينقل فتاوى ابن أبي ليلى وابن عيينة وأضرابهما من الفقهاء المعاصرين للصادقين (عليهما السلام) ، حتى ورد عن الصادق (عليه السلام) : «إنّي لا أقدر على مخالفة ابن أبي ليلى» ويظهر من صاحب المغني أنّ جماعة كثيرين من هؤلاء العامّة كانوا يفتون بعدم السقوط (3) . إذن لا يبعد أن يكون المشهور بين العامّة هو ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحدائق 12 : 98 .
(2) نقل هذا الخلاف صاحب الجواهر 15 : 189 .
(3) المغني 2 : 534 .
|