ــ[318]ــ
الثاني : التملّك بالزراعة فيما يزرع (1) ، أو انتقال الزرع إلى ملكه قبل وقت تعلّق الزكاة ، وكذا في الثمرة ، كون الشجر ملكاً له إلى وقت التعلّق ، أو انتقالها إلى ملكه منفردة ، أو مع الشجر قبل وقته .
[ 2658 ] مسألة 1 : في وقت تعلّق الزكاة بالغلاّت خلاف (2) ، فالمشهور على أ نّه في الحنطة والشعير عند انعقاد حبّهما ، وفي ثمر النخل حين اصفراره واحمراره ، وفي ثمرة الكرم عند انعقادها حِصرماً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كما هو واضح ، ضرورة أنّ الخطاب بالزكاة متوجّهٌ إلى الملاّك حال التعلّق ، سواء أكان التملّك بالزراعة أم بالانتقال إلى الملك قبل وقت التعلّق ، فمن لم يكن مالكاً آنذاك كالذي أخرجه عن ملكه قبل الوقت ببيع أو هبة ونحو ذلك فهو غير مشمول للخطاب ، كما أنّ من عرضت له الملكيّة بعد هذا الوقت خارجٌ أيضاً، فلو كان حال التعلّق ملكاً لزيد، فأدّى زكاته، ثمّ باعه من عمرو، لم يجب على عمرو ، لتأخّر ملكيّته عن زمان التعلّق ، والمال الواحد لا يزكى في عام مرّتين .
ولعلّ هذا الشرط كان غنيّاً عن التعرّض ، لوضوحه ، بل استدراكه كما لا يخفى .
(2) اختلفت الأنظار في وقت تعلّق الزكاة بالغلاّت ـ بعد الاتّفاق على أنّ وقت الإخراج إنّما هو عند الحصاد والجذاذ ، أي بعد التصفية ـ على قولين :
فالمنسوب إلى المشهور ـ بل ادُّعي عليه الإجماع ـ : أ نّه في الحنطة والشعير عند انعقاد الحبّ واشتداده ، وفي ثمرة الكرم عند انعقادها حصرماً ، وفي ثمر النخل عند الإصفرار أو الاحمرار . فالاعتبار إنّما هو ببدو الصلاح إمّا بالاشتداد أو بالاصفرار والاحمرار وإن كان الاعتبار في النصاب باليابس منها .
ــ[319]ــ
وذهب جماعة إلى أنّ المدار صدق أسماء المذكورات من الحنطة والشعير والتمر ، وصدق اسم العنب في الزبيب . وهذا القول لا يخلو عن قوّة وإن كان القول الأوّل أحوط، بل الأحوط مراعاة الاحتياط مطلقاً، إذ قد يكون القول الثاني أوفق بالاحتياط .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واختار جماعة ـ منهم المحقّق في الشرائع (1) ـ : أنّ المناط صدق الاسم وانطباق العنوان ، فمتى تحقّقت التسمية واندرج في مسمّى الحنطة والشعير والتمر والزبيب تعلّقت به الزكاة ، ولا وجوب قبل ذلك .
واختار الماتن هذا القول وذكر أنّ الأوّل أحوط ، بل الأحوط منه مراعاة أحوط القولين ، إذ قد يكون القول الثاني أحوط ، كما لو كان عند انعقاد الحبّ ملكاً للصغير ، فمات وانتقل إلى الوارث الكبير ، فإنّ الأحوط وجوب الزكاة عليه متى صدق عليه الاسم وإن لم يكن مالكاً حال الانعقاد .
وكما لو ملك نصفين من النصاب بعد الانعقاد بشراء أو إرث ونحوهما ، بحيث لم يكن كلّ منهما مستقلاًّ متعلّقاً للزكاة لكونه دون النصاب ، فإنّ الأحوط أداء الزكاة بعد صدق الاسم .
وهذا القول هو الأقوى ، لتعليق الحكم في لسان الروايات بأجمعها على نفس هذه الأسماء والعناوين ، ولم يرد في شيء منها ـ ولا في رواية ضعيفة ـ الإناطة بما قبل هذه الحالة من بدو الصلاح ونحوه .
ودعوى صدق اسم التمر حال الاحمرار أو الاصفرار والحنطة والشعير حال الانعقاد ، خاطئةٌ جدّاً ، إذ لا يساعدها اللفظ لا لغةً ولا عرفاً ، لتنصيص غير واحد من اللغويّين بأنّ التمر اسمٌ لليابس من ثمر النخل ، بل عن المصباح : أ نّه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشرائع 1 : 181 .
ــ[320]ــ
موردٌ لإجماع اللغات . وفي الصحاح : إنّ ثمر النخل أوّله طلعٌ ثمّ خلالٌ ثمّ بسرٌ ثمّ رطبٌ ثمّ تمر .
وأمّا العرف ، فلا ينبغي التأمّل في انصراف إطلاق أساميها في محاوراتهم وغيرها إلى اليابس منها ، بحيث لا ينسبق من اللفظ غير ذلك .
وكذا الحال في الحنطة والشعير ، فإنّهما لا يعمّان حالة الانعقاد بوجه ، إذ هي مادّة الحنطة والشعير فيها لين يشبه العجين ومقدّمة لتكوّنهما ، وليست فعلاً منهما في شيء .
وعلى الجملة : فالظاهر من اللفظ هو اليابس من المذكورات ولا يعمّ ما قبله من سائر الحالات .
ومع التنزّل فغايته الشكّ ، والمرجع حينئذ أصالة البراءة .
ومن المعلوم أ نّها حالة الانعقاد أو الاحمرار والاصفرار لا تعدّ عرفاً من قسم المكيل ـ وإن أمكن كيلها خارجاً ، لجريان الاكتيال في جميع الأجسام ـ ليصحّ التعلّق بإطلاقات ثبوت الزكاة في كلّ ما يكال في صورة الشكّ ، كما كنّا نتمسّك بها في السلت والعلس بالبيان المتقدّم فيهما (1) .
والحاصل : أنّ اللفظ إمّا ظاهرٌ في اليابس منها ، أو لا أقلّ من الشكّ ، وليس له ظهورٌ قطّ في الانعقاد أو الاشتداد ، وعلى التقديرين لا وجوب قبل صدق الاسم .
هذا ، ويستدلّ للمشهور بعدّة وجوه مزيّفة لا يرجع غالبها إلى محصّل ، مثل ما ذكروه من أنّ الزكاة لو كانت مقصورة على التمر والزبيب لأدّى ذلك إلى ضياع الزكاة وإتلاف حقّ الفقراء ، لأ نّهم كانوا يحتالون بجعل العنب والرطب دبساً وخلاًّ ، وكانوا يبيعونها كذلك تفصّياً عن الزكاة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 306 ـ 312 .
ــ[321]ــ
إذ فيه : أنّ الفرار عن الزكاة بالاحتيال الشرعي غير عزيز ولا محذور فيه كما في تسبيك النقدين ، على أنّ تلك الحيل مهما كثرت لا تكاد تقوى على إفناء التمر كي تنعدم حصّة الفقير كما لا يخفى .
مع أنّ الاحتيال المزبور قلّما يتحقّق خارجاً ، لاستلزامه تضييع المال وإتلافه وتنقيص القيمة ، فيتضرّر المالك أكثر من المقدار الواجب في الزكاة ، لأ نّه لو تحفّظ عليه إلى أن يصير تمراً أو زبيباً ثمّ أدّى زكاته كان نفعه أعظم من الاحتيال المزبور الموجب لتنقيص المال بطبيعة الحال ، فيشبه الفرار من المطر إلى الميزاب كما لا يخفى .
كما أنّ التسبيك في النقدين أيضاً يستلزم نوعاً من الإتلاف والتنقيص .
ومثله الاستدلال بصحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في حديث قال: سألته عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى تجب على صاحبها ؟ «قال : إذا ما صرم وإذا خرص»(1) ، فإنّ وقت الخرص حين بدو الصلاح لا زمان التسمية ، فيكشف عن تعلّق الوجوب آنذاك .
ولكنّه واضح الفساد ، إذ المفروض في السؤال صدق الحنطة والشعير والتمر والزبيب والبلوغ حدّاً ينطبق عليه الاسم ، فلا نظر إلى ما قبل حصول التسمية . وحيث لا معنى لإناطة الوجوب بالصرم أو الخرص ـ الذي هو فعل اختياري للمكلّف ـ فلا محالة يكون المراد التوسعة في وقت الأداء، وأ نّه لايلزم بالإخراج ساعةً صدق الاسم حتى لو كان ذلك جوف الليل مثلاً ، بل له التأخير إلى زمان الصرم لو أراد الإخراج من نفس العين ، أو الخرص والتخمين لو أراد الأداء من القيمة، فلا دلالة لها بوجه على تعلّق الوجوب حالة الانعقاد والاشتداد وعند بدو الصلاح .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 194 / أبواب زكاة الغلاّت ب 12 ح 1 .
|