ــ[342]ــ
[ 2672 ] مسألة 15 : إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة (1) ، بل ما يأخذه باسم الخراج أيضاً ((1)) ، بل ما يأخذه العمّال زائداً على ما قرّره السلطان ظلماً إذا لم يتمكّن من الامتناع جهراً وسرّاً، فلا يضمن حينئذ حصّة الفقراء من الزائد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لانتهاء السقي بالآخرة إلى تلك الدوالي التي كانت بنيّة السقي حسب الفرض، ولا فرق في السقي بالعلاج بين ان يكون مع الواسطة أو بدونها .
فمراده (قدس سره) بالزرع الكذائي هو ما ذكرناه ، ومعه يستقيم الفرق بين الصورتين .
كما أنّ مراده (قدس سره) بقوله : ومن ذلك يظهر حكم ما إذا أخرجه ... إلخ، ما لو أخرج الماء لسقي كمّيّة خاصّة من المزرعة كألف متر ـ مثلاً ـ فزاد وسقى به ألفين ، وأنّ حكمه حكم الفرض الثاني الذي كان فيه نصف العشر ، لصدق السقي بالعلاج في المقدار الزائد كالمزيد عليه ، فإنّه وإن لم يكن حين الإخراج ناوياً لهذا المقدار من الزرع إلاّ أ نّه كان ناوياً لأصل الزرع ، وهو كاف في صدق السقي بالعلاج في كلّ زرع يُسقى بهذا الماء ، إذ لا يلزم العلم بكمّيّة الزرع حين التصدّي للإخراج ، وربّما لا يعلم بذلك أصلا .
(1) لا إشكال كما لا خلاف في استثناء ما يأخذه السلطان من نفس العين باسم المقاسمة ، سواء أكان سلطان عدل أم جور .
أمّا الأوّل : فظاهر ، لخروج حصّته عن الملك من أوّل الأمر ، فلم تكن ملكاً للزارع كي تجب فيه الزكاة ، فحال هذه المقاسمة حال المزارعة التي لم تدخل في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إخراج غير ما يأخذه السلطان من نفس العين محل إشكال. فالاحتياط لا يترك ، ومنه يظهر الحال في المسائل الآتية .
ــ[343]ــ
ولا فرق في ذلك بين المأخوذ من نفس الغلّة أو من غيرها إذا كان الظلم عامّاً ، وأمّا إذا كان شخصيّاً فالأحوط الضمان فيما أخذ من غيرها ، بل الأحوط الضمان فيه مطلقاً وإن كان الظلم عامّاً ، وأمّا إذا أخذ من نفس الغلّة قهراً فلا ضمان ، إذ الظلم حينئذ وارد على الفقراء أيضاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملك الزارع إلاّ حصّته من الزرع والباقي لصاحب الأرض .
وأمّا الثاني : فلعدم التمكّن من التصرّف فيما يأخذه السلطان الذي هو شرطٌ في تعلّق الزكاة كما تقدّم (1) ، فأخذه بمثابة التلف الوارد على العين أو الغصب أو السرقة ونحو ذلك ممّا هو محسوب على المالك وعلى الفقير معاً .
وعلى الجملة : فالحكم المزبور مطابق لمقتضى القاعدة ومورد للاتّفاق، مضافاً إلى شهادة جملة من النصوص عليه التي منها صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم جميعاً عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أ نّهما قالا له : هذه الأرض التي يزارع أهلها ، ما ترى فيها ؟ «فقال : كلّ أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك ممّا أخرج الله منها الذي قاطعك عليه ، وليس على جميع ما أخرج الله منها العشر، إنّما عليك العُشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك»(2) ، ونحوها صحيحة صفوان وأحمد بن محمّد بن أبي نصر وصحيحة أحمد بن أبي نصر (3) .
وإنّما الكلام في موردين :
أحدهما : في استثناء ما يأخذه السلطان باسم الخراج ، وهو المقدار الذي يأخذه من خارج العين من النقود أو غيرها كالضريبة الدارجة في هذا العصر
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 33 .
(2) الوسائل 9 : 188 / أبواب زكاة الغلاّت ب 7 ح 1 .
(3) الوسائل 9 : 188 و 189 / أبواب زكاة الغلاّت ب 7 ح 2 ، 3 .
ــ[344]ــ
وبذلك يفترق عن المقاسمة التي تختصّ بما يأخذه من نفس الغلّة كما عرفت .
الثاني : في استثناء المؤن التي يصرفها في سبيل تحصيل النتاج من البذر والسقي واُجرة الحارس ونحو ذلك ، فهل هي مستثناة في باب الزكاة كما أ نّها مستثناة في باب الخمس بلا إشكال ؟ لأ نّه إنّما يتعلّق بالربح ولا ربح إلاّ في الزائد على المؤنة .
فنقول : أمّا المورد الأوّل فالمصرّح به في كلمات غير واحد : أنّ الخراج عند الأصحاب بحكم المقاسمة في الاستثناء عمّا يتعلّق به الزكاة، بل لم يُنسَب الخلاف إلاّ إلى العلاّمة في المنتهى (1) ، فكأنّ الحكم مورد للإجماع ، إلاّ أنّ دليله غير ظاهر بعد عدم تعلّق الخراج بنفس العين الزكويّة ، بل بخارجها كما سبق .
نعم ، روى الشيخ في الصحيح عن رفاعة بن موسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل يرث الأرض أو يشتريها فيؤدّي خراجها إلى السلطان ، هل عليه فيها عشر ؟ «قال : لا» (2) .
ورواها الكليني أيضاً ، إلاّ أ نّها ضعيفة في هذا الطريق بسهل بن زياد .
وبمضمونها رواية سهل بن اليسع ورواية أبي كهمس (3) ، وإن كانتا ضعيفتي السند ، أمّا الاُولى فبعبدالله بن مالك وفي أبي قتادة كلام ، وأمّا الثانية فبأبي كهمس ـ أو كهمز ـ فإنّه كابن مالك المزبور لم يوثّق .
ولكن ظاهرها عدم تعلّق الزكاة رأساً بالأرض التي يؤدّى خراجها إلى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نسب الخلاف إلى العلاّمة صاحب المدارك 5 : 143 .
(2) الوسائل 9 : 193 / أبواب زكاة الغلاّت ب 10 ح 2 ، الكافي 3 : 543 / 3 ، التهذيب 4 : 37 / 94 ، الاستبصار 2 : 25 / 71 .
(3) الوسائل 9 : 192 و 193 / أبواب زكاة الغلاّت ب 10 ح 1 ، 3 .
ــ[345]ــ
السلطان لا استثناء مقدار الخراج عما يتعلّق به الزكاة كما هو مورد الكلام، وهذا لعلّه مقطوع البطلان ، إذ لم يقل به أحد من الأصحاب ، بل ولا من العامّة ، عدا ما يُنسَب إلى أبي حنيفة من سقوط الزكاة عن الأراضي الخراجيّة (1) .
على أ نّها معارضة بما دلّ صريحاً على لزوم إخراج الزكاة بعد أداء الخراج ، كصحيحة صفوان وابن أبي نصر ، قالا : ذكرنا له الكوفة ـ إلى أن قال : ـ «وما اُخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخيبر ، وعلى المتقبّلين سوى قبالة الأرض العُشر ونصف العُشر في حصصهم» (2) .
دلّت على لزوم أداء العُشر غير ما عليهم من وجه القبالة الذي يشمل الخراج والمقاسمة ، فإنّ التعبير بالقبالة يشملهما معاً كما لا يخفى .
وفي السند وإن كان علي بن أحمد بن أشيم ولم يوثّق صريحاً في كتب الرجال لكنّه مذكور في إسناد كامل الزيارات .
ونحوها غيرها ممّا تقدّم في روايات المقاسمة ، فإنّ المراد بها وبالخراج شيء واحد في لسان الروايات ، والتفكيك اصطلاح حادث في لسان الفقهاء .
فهذه الروايات وعمدتها صحيحة رفاعة روايات شاذّة لا يمكن الأخذ بها بعد حكاية الإجماع على خلافها ، فهي إمّا مطروحة يردّ علمها إلى أهله ، أو محمولة على التقيّة ، وإن كان هذا بعيداً جدّاً ، لعدم القول بمضمونها من العامّة ما عدا أبو حنيفة ، وهذا بمجرّده لا يستوجب الحمل على التقيّة .
وقد حملها الشيخ (3) على نفي الزكاة فيما أخذه السلطان وإن وجبت فيما يبقى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحدائق الناضرة 12 : 127 .
(2) الوسائل 9 : 188 / أبواب زكاة الغلاّت ب 7 ح 2 .
(3) التهذيب 4 : 37 و 39 ، الاستبصار 2 : 25 و 26 .
ــ[346]ــ
في يده، فالمراد نفي الزكاة في مجموع الحصّتين الغير المنافي لثبوتها في الباقي، واستشهد له بما تقدّم في أحاديث زكاة حصّة العامل مثل صحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم الواردة في المقاسمة ، التي دلّت على لزوم أداء العُشر فيما يحصل في اليد بعد المقاسمة ، نظراً إلى أنّ الخراج والمقاسمة شيء واحد لغةً وفي لسان الروايات ، والتفكيك اصطلاح من الفقهاء كما تقدّم .
ولكن هذا الحمل بعيدٌ غايته ، فإنّ قوله في صحيح رفاعة : هل عليه فيها عشر ،بعد قوله : فيؤدّي خراجها ، كالصريح في السؤال عن تعلّق الزكاة بعد أداء الخراج وفيما يبقى من حصّته .
وأصرح منها رواية سهل ، فإنّها صريحة في إناطة الزكاة بعدم أخذ السلطان وإلاّ فلا شيء عليه ، فإنّ الشيء المنفي في صورة الأخذ هو الذي أثبته في صورة عدمه الذي صرّح بأ نّه العُشر ، فيكون هذا منفيّاً عن الغلّة رأساً لدى أداء الخراج . ونحوها رواية أبي كهمس .
فهذا الحمل ساقط جدّا .
ولعلّ أحسن المحامل لهذه الروايات حمل الخراج فيها على ما يعمّ الزكاة ، بأن يعامل السلطان مع الزارع على أن يدفع إليه هذا المقدار عن جميع ما يستحقّه من الزرع الحاصل في هذه الأرض ، أعمّ من الخراج والزكاة ، فيكون تقبيله بهذا المقدار في قوّة الاشتراط بأن تكون زكاته عليه، كما هو المتداوَل إلى عصرنا الحاضر في المملكة العربيّة السعوديّة ، حيث يدفع الملاّك زكواتهم إلى عمّال الملك في ضمن ما يأخذونه منهم من الخراجات ، فيكون السؤال فيها ناظراً إلى الاجتزاء بذلك عن أداء الزكاة ثانياً إلى الإمام العادل .
فإنّ هذه المسألة محلّ للكلام ومورد للابتلاء لم يتعرّض إليها الماتن
ــ[347]ــ
ـ ظاهراً ـ ولعلّنا نتكلّم فيها في فرصة مناسبة .
وقد وردت فيها روايات متعارضة قد دلّ بعضها على السقوط معلّلاً بأ نّه إذن لا يبقى له شيء ، ودلّ بعضها الآخر على عدم السقوط . والروايات المتقدّمة تحدّ من الطائفـة الاُولى التي لا بدّ لها من العـلاج ، وتمام الكـلام في محلّه إن شاء الله .
وكيفما كان، فقد تحصّل من جميع ما قدّمناه أ نّه لم ترد في المقام رواية تدلّنا على استثناء الخراج كما وردت في المقاسمة على ما عرفت . إذن لم يثبت هذا الاستثناء بعنوانه . فالصحيح ما ذكره العلاّمة (قدس سره) من أنّ حكم الخراج حكم سائر المؤن . فإن قلنا بالاستثناء فيها ثبت فيه أيضاً ، وإلاّ فلا .
وتوضح المقام أنّ هنا مسألتين :
إحداهما : في أنّ الزكاة هل تتعلّق بالأراضي الخراجيّة أم أ نّها ساقطة عنها بالكلّيّة ويغني أداء الخراج عن أداء الزكاة ؟ وهذا ما تكلّمنا فيه لحدّ الآن ، وعرفت أنّ المجمع عليه بين الخاصّة والعامّة ما عدا أبي حنيفة هو عدم السقوط، وعرفت وجهه بما لا مزيد عليه .
الثانية : في أنّ ما يأخذه السلطان باسم الخراج من خارج النتاج من نقد وغيره الذي هو بإزاء مقاطعة الأرض كإجارة لها سواء كانت ملكاً للمسلمين أو من المباحات الأصليّة ، بمثابة الضريبة في عصرنا الحاضر ، هل يستثنى ممّا تتعلّق به الزكاة كما يستثنى ما يأخذه من نفس العين باسم المقاسمة بلا إشكال، أم لا ؟
المشهور هو الاستثناء ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع ، ولم يُنسَب الخلاف إلاّ إلى العلاّمة في المنتهى كما عرفت .
ويستدلّ للمشهور بوجوه :
ــ[348]ــ
أحدها : التصريح بالاستثناء في روايات المقاسمة المتقدّمة من صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم وغيرها (1) ، إذ لافرق بينها وبين الخراج في لسان الأخبار ، والتفكيكُ باختصاص المقاسمة بما يأخذه من نفس العين والخراج بخارجه اصطلاحٌ من الفقهاء ، فتلك الأخبار كافية في اثبات المطلوب .
وفيه : أنّ التفكيك وإن كان اصطلاحاً حادثاً من الفقهاء كما ذُكِر ، إلاّ أنّ المراد في هذه الروايات خصوص المقاسمة المصطلحة ، أعني المقاطعة مع الزارع في نفس الحين بدفع حصّة منها للسلطان ، لأجل التعبير في صحيحتي أبي نصر بقوله : «في حصصهم» وبقوله في صحيحة أبي بصير: «فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك»، فإنّها ظاهرة في أنّ المستثنى خصوص الحصّة التي يأخذها السلطان من نفس الغلّة ، دون ما يأخذه من الخارج المسمّى باسم الخراج الذي هو محلّ الكلام .
الثاني : ما تقدّم من الروايات النافية للزكاة عن الأراضي الخراجيّة (باب 10 زكاة الغلاّت) من صحيحة رفاعة وغيرها ، بعد الحمل الذي ارتكبه الشيخ ـ كما مرّ ـ من إرادة النفي في مجموع الغلّة ، الأعمّ ممّا يأخذه السلطان وما يبقى ، غير المنافي لتعلّقها في حصّة الزارع ، فتكون النتيجة استثناء الخراج عمّا تتعلّق به الزكاة كما مرّ المطلوب .
وفيه ما لا يخفى، فإنّ ظاهر تلك النصوص نفي الزكاة رأساً عن تلك الأراضي، ولا قائل به كما مرّ ، ولا معنى لتأويلها ثمّ الاستدلال بها ، فإنّ مناط الحجّيّة هي الظهورات والمفروض عدم إمكان الأخذ بها في المقام ، ولا سبيل للاحتجاج بالرواية المؤوّلة كما هو واضح .
الثالث : ما ورد في الفقه الرضوي من التصريح باستثناء الخراج ، حيث قال :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 188 / أبواب زكاة الغلاّت ب 7 .
ــ[349]ــ
«فإذا بلغ ذلك وحصل بعد خراج السلطان ومؤونة العمارة والقرية أخرج منه العُشر» إلخ(1) ، وقد عبّر بمثله الصدوق في الفقيه(2) ، بل قيل في الهداية والمقنع أيضاً (3) وكذا المقنعة (4) التي من شأنها التعبير بمتون الأخبار .
وفيه ما مرّ مراراً من عدم حجّيّة الفقه الرضوي ، إذ لم يثبت كونه رواية فضلاً عن أن تكون معتبرة ، ولعلّها مجموعة حاوية لفتاوى بعض فقهاء الشيعة كعليّ بن بابويه وغيره ، وإن تضمّنت الرواية عن المعصوم (عليه السلام) أيضاً أحياناً ، فلا يمكن التعويل على هذا الكتاب بوجه حتّى على القول بالانجبار ، إذ لا صغرى له في المقام بعدما عرفت من عدم إحراز كونه رواية عن المعصوم (عليه السلام) من أصله .
وأمّا الصدوق فهو يتبع في فتاواه والده كما أ نّه يتبع في التصحيح والتضعيف للأسـانيد مشيخة ابن الوليد كما صرّح هو بنفسه قدس سره بذلك(5) ، فمن الجائز أ نّه (قدس سره) وجد تلك العبارة في فتاوى والده علي بن بابويه فأثبتها في كتبه جرياً على عادته .
وعلى الجملة : فهذه الوجوه ساقطة ، ولم يبق في البين عدا الشهرة المحقّقة والإجماعات المنقولة وفي الخروج بها عن الاطلاقات المتضمّنة أنّ فيما سقته السماء من كلّ ما أنبتته الأرض العُشر ـ الظاهر في تعلّقه بمجموع الغلّة ـ تأمّل ، بل منع ، بعد عدم حجّيّة شيء منهما ، ولا مجال للخروج عن الإطلاق إلاّ بدليل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فقه الرضا (عليه السلام) : 197 .
(2) الفقيه 2 : 18 / 34 .
(3) الهداية : 170 ، المقنع : 156 .
(4) لاحظ المقنعة : 239 .
(5) الفقيه 2 : 55 / ذيل ح 241 .
|