ــ[1]ــ
فصل
[ في أصناف المستحقّين للزّكاة ]
أصناف المستحقّين للزّكاة ومصارفها ثمانية :
الأوّل والثاني : الفقير والمسكين (1) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المعروف والمشهور أنّ مصارف الزكاة أصناف ثمانية، وهي العناوين الخاصّة المذكورة في الآية المباركة، قال تعالى: (إِنَّما الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرَاءِ وَالمَساكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ)(1) .
ولكن المحقّق في الشرائع عدّها سبعة بجعل الفقير والمسكين صنفاً واحدا (2) .
ولكن الظاهر أ نّهما صنفان والمفهومان متغايران وإن انطبقا على موضوع واحد واجتمعا في مورد واحد ، فإنّ الفقر بمفهومه العامّ هو الاحتياج والفقير هو المحتاج ، قال تعالى : (يَا أَ يُّها النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ)(3) ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التوبة 9 : 60 .
(2) الشرائع 1 : 188 .
(3) فاطر 35 : 15 .
ــ[2]ــ
فإنّ البشر بل كلّ ممكن فهو في جميع شؤونه من معاشه ومعاده وحركاته وسكناته ـ بل حتّى في وجوده ـ فقير ، أي محتاج إلى الله تعالى .
ولكن كثيراً ما يستعمل في صنف خاصّ من الاحتياج ، وهو الاحتياج من حيث المال، فيقال : زيد فقير، أي محتاج إلى المال، قال تعالى : (وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَاكُلْ بِالمَعْرُوفِ)(1) ، وقال تعالى : (إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا)(2) .
ولا يعتبر في هذا الاستعمال عدم السؤال جزماً وإن ورد ذلك في الصحيحتين الآتيتين ـ وستعرف الحال فيهما ـ فإنّ الإطلاق العرفي صادق حتّى مع السؤال بالضرورة ، كيف ؟! وقد اُطلق الفقير على البائس الذي هو أسوأ حالاً من المسكين فضلاً عن الفقير في الذكر الحكيم ، قال تعالى : (وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ)(3) .
فلا يعتبر في مفهوم الفقر عدم السؤال وإن جعل ذلك فارقاً بينه وبين المسكين في النصّ المشار إليه واختصّ المسكين بمن يسأل ، لصحّة الإطلاق حتّى في مورد السؤال بلا إشكال كما عرفت .
وأمّا المسكنة فهي مطلق الذلّة ، قال تعالى : (ضُرِبَتْ عَلَيهِمُ الذِّلَّةُ وَالمَسْكَنَةُ)(4) ، في قبال العزّة، فإنّ اليهود كانوا مطرودين أذلاّء وإن كانوا أغنياء، فالمسكين هو الذليل والضعيف ، قال تعالى : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَساكِينَ)(5) أي لضعفاء أذلاّء ، ولم يعلم أ نّهم كانوا فقراء .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النِّساء 4 : 6 .
(2) النِّساء 4 : 135 .
(3) الحج 22 : 28 .
(4) البقرة 2 : 61 .
(5) الكهف 18 : 79 .
ــ[3]ــ
نعم ، يطلق المسكين على الفقير أيضاً باعتبار أنّ من لا مال له فهو ذليل حقير عند أبناء الدُّنيا ، ومن ثمّ كان يشقّ على جبابرة قريش الخضوع والإيمان برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، لكونه (صلّى الله عليه وآله) ذليلاً في نظرهم، لمكان فقره (صلّى الله عليه وآله) ، كما حكاه سبحانه عنهم بقوله تعالى : (وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُل مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيم)(1) .
ولا يعتبر في هذا الاستعمال أيضاً السؤال وإن اختصّ به في الصحيحتين الآتيتين ، لصدق المسكين عرفاً على مطلق الفقير وإن لم يكن سائلاً كما اُطلق عليه في الكتاب العزيز، كقوله تعالى: (عَشرَة مَساكِين)، (إطعام ستِّين مسكيناً) إلى غير ذلك ممّا هو كثير جدّاً ، فإنّ إطعام المسكين في باب الكفّارات لا يختصّ بالسائل قطعاً ، بل لعلّ غير السائل الذي يظهر مناعة الطبع أولى من غيره كما لا يخفى .
فتحصّل : أنّ الفقر هو الاحتياج إمّا مطلقاً أو في خصوص المال ، والمسكنة هي الذلّة ، فالفقير والمسكين متغايران مفهوماً وإن صدقا على موضوع واحد بالاعتبارين .
وأمّا بحسب الروايات فقد فرّق بينهما في صحيح ابن مسلم بالسؤال وعدمه عن أحدهما (عليهما السلام): أ نّه سأله عن الفقير والمسكين «فقال : الفقير: الذي لا يسأل ، والمسكين : الذي هو أجهد منه ، الذي يسأل» (2) .
لكن لا ينبغي التأمّل في عدم كونه (عليه السلام) بصدد بيان المفهوم من اللفظ لغةً أو عرفاً ليكون منافياً مع ما قدّمناه ، بل لم نعهد حتّى رواية واحدة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الزخرف 43 : 31 .
(2) الوسائل 9 : 210 / أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 2 .
ــ[4]ــ
تكون واردة لبيان شرح اللفظ وبيان مفهومه اللغوي أو العرفي ، لخروج ذلك كلّه عن شأنه ومنصبه الساميين . فالصحيحة واردة لا محالة لبيان المراد من هاتين الكلمتين الواقعتين في الآية المباركة ـ أعني قوله تعالى : (إِنَّما الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرَاءِ وَالمَساكِينِ) ـ فهي تفسير للآية لا بيان لمفهوم اللفظ بما هو، ولا ضير في ذلك، فيلتزم بأنّ مصرف الزكاة هو مطلق من لا مال له سأل أم لم يسأل ، فاُريد من المسكين الأوّل ، ومن الفقير الثاني .
وأوضح حالاً صحيحة أبي بصير التي صرّح فيها بيان المراد من الآية ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : قول الله عزّ وجلّ : (إِنَّما الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ) «قال: الفقير: الذي لا يسأل الناس، والمسكين: أجهد منه، والبائس: أجهدهم» (1) .
وأمّا سند هذه الرواية فالظاهر أ نّها صحيحة كما وصفناها ، فإنّ المراد بأحمد ابن محمّد هو ابن عيسى لا ابن خالد ، وإلاّ لقال : عن أبيه ، بدل قوله : عن محمد ابن خالد . نعم ، في بعض النسخ : عن أبيه ، وكيفما كان فهو ثقة على كلّ حال .
وأمّا عبدالله بن يحيى فهو مجهول ، غير أنّ الميرزا حاول لاثبات أ نّه الكاهلي الذي هو ثقة (2) ، ولكنّه لا يتمّ :
أمّا أوّلاً: فلأنّ الشيخ عنون كلاًّ منهما مستقلاًّ ، فذكر المطلق بعد المقيّد وترجمه في قباله وذكر طريقه إليه في قبال الطريق الذي ذكره إلى الأوّل(3) ، المشتمل على وهب بن وهب ، فتعدّد الترجمة المعتضد بتعدّد الطريق برهان قاطع
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 210 / أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 3 .
(2) منهج المقال : 214 .
(3) الفهرست للشيخ : 102 / 441 و 105 / 461 .
ــ[5]ــ
والثاني أسوأ حالاً من الأوّل (1) . ــــــــــــــــــــــــ
على تعدّد الرجل .
وثانياً : إنّ عبدالله بن يحيى الكاهلي من أصحاب الصادق (عليه السلام) ، والراوي عن عبدالله بن يحيى في هذه الرواية هو محمّد بن خالد البرقي ، وهو يستحيل عادةً أن يروي عن أصحاب الصادق (عليه السلام) بلا واسطة ، لاختلاف الطبقة، فلا مناص من أن يُراد به شخص آخر، وقد عرفت أ نّه مجهول .
ولكن الذي يهوّن الخطب أنّ هذا السند بعينه موجود في تفسير علي بن إبراهيم ، وقد بنينا على وثاقة من يذكر في إسناد هذا التفسير كإسناد الكامل ما لم يعارَض بتضعيف آخر . وعليه ، فالرجل موثّق عندنا على أيّ حال ، سواء اُريد به الكاهلي أم غيره .
هذا ، ولا يترتّب أثر على تحقيق الفرق بين الفقير والمسكين إلاّ بناءً على البسط في مصرف الزكاة ، وأمّا على القول بالعدم كما هو الأظهر فالبحث عنه قليل الجدوى .
(1) لبلوغ الفقر فيه مرتبة الجأته إلى السؤال ، فكان أجهد من الفقير الذي لا يسأل ، لعدم بلوغه هذه المرتبة كما دلّت عليه الصحيحتان المتقدّمتان وعليه المشهور .
|