هل تصلح الزكاة لصاحب الدار والخادم ؟ - تفصيل الكلام في مستحق الزكاة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5443


   والوجه في عدم الوجوب : أنّ مجرّد ملكيّة السبعمائة لا يستدعي الوجوب إلاّ لدى اسـتجماع سائر الشرائط التي منها إحالة الحول ، وهي غير مفروضة سيّما بعد أن لم يكن لديه شيء وراء هذا المبلغ كما هو المفروض .

   والذي يكشف عمّا ذكرناه ـ من أنّ السبعمائة لا يراد بها مال التجارة ـ موثّق سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «قال : قد تحلّ الزكاة لصاحب السبعمائة وتحرم على صاحب الخمسين درهماً» فقلت له : وكيف يكون هذا ؟ «قال : إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسّمها بينهم لم تكفه فليعفُ عنها نفسه وليأخذها لعياله ، وأمّا صاحب الخمسين فإنّه يحرم عليه إذا كان وحده وهو محترف يعمل بها وهو يصيب منها ما يكفيه إن شاء الله» (1) .

   إذ قد فرض في صاحب الخمسين أ نّه محترف يعمل بها ـ  أي معدّ للتجارة  ـ وبقرينة المقابلة يعلم أنّ السبعمائة غير معدّ لها وإنّما هي مجموع ما يملكه الرجل بحيث لو قسّم على عائلته كانت حصّة كلّ واحد خمسين أو مائة ونحو ذلك ممّا لا يفي بمؤونة السنة أبداً ، ولم تكن في البين حرفة لتكون ملكيّة بالقوّة ، ولأجله ساغ أخذ الزكاة وإن كان الأولى أن يعفُ نفسه ويأخذها لعياله .

   وكيفما كان ، فهذه الصحيحة كالروايتين المتقدّمتين ظاهرتان في مسلك المشهور حسبما عرفت .

   ومنها : موثّقة سماعة ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الزكاة ، هل تصلح لصاحب الدار والخادم ؟ «فقال : نعم ، إلاّ أن تكون داره دار غلّة فخرج

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 239 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 2 .

ــ[10]ــ

له من غلّتها دراهم ما يكفيه لنفسه وعياله ، فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسـه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة ، فإن كانت غلّتها تكفيهم فلا» (1) .

   فإنّ المراد بدار الغلّة : الدار المعدّة للإيجار والانتفاع بوجه الإجارة ، الذي هو كغلّة لها في قبال دار السكنى ، ومن البديهي أنّ التعارف الخارجي قد استقرّ على إيجار الدور سنويّاً ، بل لم يتداول الأقلّ من ذلك إلاّ في الأزمنة المتأخّرة الحديثة ، حيث يستأجر شهريّاً ، بل ربّما اُسبوعيّاً كما في بعض بلاد الخارج ، فيكون مفاد الموثّق : أنّ من له دار ينتفع من إيجاره السنوي ما يكفيه فهو غني شرعاً لا تحلّ له الزكاة ، فتلاحظ غلّة كلّ سنة بالإضافة إلى مصارف تلك السنة ، فغلّة السنة الاُولى للسنة الاُولى والثانية للثانية وهكذا ، فإن كفت لم تحلّ وإلاّ حلّت .

   وبالجملة : فيستفاد اعتبار السنة من التعبير بالغلّة بالقرينة المتقدّمة .

   بل يمكن استفادة ذلك من قوله (عليه السلام) «ما يكفيه» ، فإنّ ملك الكفاية لا يراد به عرفاً ـ سيّما في القرى وبعض البلاد ـ إلاّ ما يكفيه لسنة واحدة ، فلا يقال لمن يملك قوت ستّة أشهر : إنّ عنده ما يكفيه . وعلى هذا الأساس اعتبرنا الزيادة على مؤونة السنة في تعلّق الخمس ، وإلاّ فلم يرد في شيء من نصوصه التعبير بالسنة ، بل اقتصر على استثناء المؤونة فقط ، فلاحظ .

   ومنها : صحيحة معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم وله عيال وهو يحترف فلا يصيب نفقته فيها ، أيكبّ فيأكلها ولا يأخذ الزكاة ، أو يأخذ الزكاة ؟ «قال : لا بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه ومن وسعه ذلك من عياله ، ويأخذ البقيّة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 235 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 1 .

ــ[11]ــ

من الزكاة ، ويتصرّف بهذه لا ينفقها» (1) .

   فإنّ المراد بالنفقة مؤونة السنة لا الأقل منها بالتقريب المتقدّم .

   فيظهر من هذه الروايات الثلاث المعتبرة أنّ الفقير الشرعي هو من لم يملك مؤونة سنته فعلاً أو قوّةً ، فيحلّ لمثله تكميل مؤونته من الزكاة .

   ويؤيّد ذلك بروايتين :

   إحديهما : ما رواه في العلل بإسناده عن علي بن إسماعيل الدغشي ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن السائل وعنده قوت يوم ، أيحلّ له أن يسأل؟ وإن اُعطي شيئاً من قبل أن يسأل يحلّ له أن يقبله؟ «قال: يأخذ وعنده قوت شهر ما يكفيه لسنته من الزكاة، لأ نّها إنّما هي من سنة إلى سنة»(2).

   هكذا في الوسائل ، وفي بعض نسخ العلل : «ما يكفيه لستّة أشهر» بدل قوله «لسنة» كما أشار إليه معلّق الوسائل . والأوّل أنسب كما لا يخفى .

   وعليه، فهي صريحة الدلالة في أنّ الاعتبار بمؤونة السنة، لقوله (عليه السلام) : «إنّما هي من سنة إلى سنة» .

   إلاّ أ نّها ضعيفة السند ، فلا تصلح إلاّ للتأييد ، نظراً إلى جهالة الدغشي ، بل لم ينقل عنه في مجموع الكتب الأربعة ما عدا رواية واحدة في كتاب النكاح وأمّا هذه الرواية فهي مذكورة في العلل لا في تلك الكتب . وكيفما كان ، فالرجل مجهول لم يوثّق ، والرواية ضعيفة وإن عبّر عنها بالصحيحة في بعض الكلمات .

   اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الراوي عنه صفوان ، وهو من أصحاب الإجماع الذين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 238 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 1 .

(2) الوسائل 9 : 233  /  أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 7 ، علل الشرائع : 371 / 1 .

ــ[12]ــ

لا ينظر إلى من وقع بعدهم في السند . لكنّك عرفت غير مرّة في مطاوي هذا الشرح عدم استقامة هذه القاعدة وأ نّه لا أساس لها ، فلا نعيد .

   الثانية: ما رواه المفيد في المقنعة مرسلاً عن يونس بن عمّار، قال: سمعت أبا  عبدالله (عليه السلام) يقول: «تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة، وتجب الفطرة على من عنده قوت السنة»(1).

   والدلالة واضحة ، غير أنّ السند ضعيف بالإرسال ، فهي مؤيّدة للمطلوب .

   وأمّا القول الثاني المنسوب إلى الشيخ وغيره من أنّ العبرة بملك أحد النصب الزكويّة عيناً أو قيمة ، فيستدلّ له بما ورد في غير واحد من رواياتنا من أنّ الله تعالى جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم ، أو أ نّه تعالى أشرك الفقراء في أموال الأغنياء ونحو ذلك ممّا تضمّن تعلّق الزكاة في أموال الأغنياء ، الكاشف عن أنّ الغني هو من يملك أحد النصب الزكويّة .

   وقد ورد هذا المضمون من طرق العامّة أيضاً، حيث قال (صلّى الله عليه وآله) حينما بعث معاذاً إلى اليمن : «أعلمهم أنّ الله تعالى قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» . وهي وإن كانت ضعيفة السند لكن مضمونها موجود في رواياتنا كما عرفت .

   وفيه أوّلاً : أنّ هذا أخصّ من المدّعى ، إذ لو تمّ فمفاده اعتبار ملكيّة العين الزكويّة بشخصها لا ولو ما يعادلها من القيمة كما هو المدّعى .

   وثانياً : إنّ جعل المناط في الفقر والغنى ملك النصاب وعدمه ممّا لا يساعده الصدق العرفي ولا الشرعي ، كيف ؟! ولازمه أنّ من لا يملك شيئاً من الأعين الزكويّة إلاّ أ نّه يملك الاُلوف من الدور والعقارات والبساتين ونحوها فقيرٌ تصل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 234 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 10 .

ــ[13]ــ

إليه الزكاة ، وأمّا من ملك أربعين شاة أو خمسة أوسق من الشعير ونحو ذلك ممّا لا يفي إلاّ بقوت أيّام قلائل من سنته غنيٌّ لا تحلّ له الزكاة ، وهذا ـ كما ترى ـ مقطوع الفساد ولا يساعده شيء من الروايات كما لا يتفوّه به فقيه جزماً .

   والذي يهوّن الخطب أنّ الروايات المشار إليها لا إشعار لها في ذلك فضلاً عن الدلالة ، لعدم كونها بصدد شرح مفهوم الغني عرفاً أو شرعاً بوجه ، بل هي بصدد بيان وجوب أداء الزكاة التي لا تتعلّق غالباً إلاّ بالأغنياء ، لا أنّ كلّ من وجبت عليه الزكاة فهو غني .

   وبعبارة اُخرى : مفاد تلك النصوص أنّ الغني تجب عليه الزكاة لا أنّ من تجب عليه الزكاة غني ليدور صدق الغنى والفقر مدار ملك النصاب وعدمه كما هو واضح جدّاً ، فهذا القول ساقط ولا يمكن المساعدة عليه بوجه .

   وأمّا القول الثالث من اعتبار القدرة على الكفاية مستمرّاً وما دام الحياة ، فعلى تقدير أن يكون له قائل لم يكن عليه وجه ظاهر، بل لعلّه مخالف للوجدان والضرورة، فإنّ كثيراً من المثرين تزول ثروتهم ويعرضهم الفقر وبالعكس، أفهل يكشف الفقر الطارئ عدم الغنى سابقاً بحيث ينكشف استحقاقه للزكاة آنذاك واقعاً لمجرّد انكشاف عدم القدرة على المؤونة مستمرّاً ؟ ليس الأمر كذلك قطعاً بل العبرة في الفقر والثروة بالقدرة على المؤونة لسنة واحدة له ولعياله فعلاً أو قوّةً كما عليه المشهور حسبما عرفت .

   وتفصيل الكلام في المقام : أنّ الإنسان قد لا يملك شيئاً أصلاً ما عدا قوت يومه ، وهذا لا إشكال في جواز أخذه من الزكاة بمقدار مؤونة السنة كما هو ظاهر .

   واُخرى : يكون له مال آخر من جنس أو نقد ، ولا إشكال أيضاً في جواز تتميمه من الزكاة إن لم يكن وافياً لمؤونة السنة ، وإلاّ فهو غني شرعاً لا يجوز

ــ[14]ــ

الأخذ منها ، كما دلّت عليها صحيحة أبي بصير المتقدّمة .

   نعم ، لو كانت عنده مؤونة سنة واحدة وبعد صرف مقدار منها ولو خلال أيّام قلائل نقصت بحيث لم يبق لديه فعلاً ما يكفيه لسنته، جاز له الأخذ حينئذ، ولا يلزم الصبر إلى آخر السنة حتّى يتمّ ما عنده ، وذلك لانقلاب الموضوع وتبدّل الغنى بالفقر بعد الصرف المزبور .

   وثالثةً : يكون له مالٌ أعدّه للاستفادة من منافعه ـ من غير أن يكون معدّاً للتجارة ـ كما لو كانت له شياه يستفيد من ألبانها وأصوافها أو دار ينتفع من غلّتها، والعبرة عندئذ بالنظر في ذاك الربح وتلك المنفعة، فإن كانت وافية بالمؤونة لا تحلّ له الزكاة ، وإلاّ حلّ التتميم منها، كما نطقت به موثقة سماعة المتقدّمة، فإنّ موردها وإن كان هو الدار المعدّ للإيجار والانتفاع من غلّتها إلاّ أ نّه لا خصوصيّة لها بمقتضى الفهم العرفي قطعاً ، فيعمّ غيرها من دكّان أو عقار أو خان ونحو ذلك ممّا يتحفّظ على عينه وينتفع من ربحه .

   نعم، قد يتوهّم معارضة الموثّقة بما رواه الصدوق بإسناده عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل له ثمانمائة درهم وهو رجل خفاف وله عيال كثير ، أله أن يأخذ من الزكاة ؟ «فقال (عليه السلام) : يا أبا محمّد أيربح في دراهمه ما يقوت به عياله ويفضل ؟ » قال : نعم «قال : كم يفضل ؟ » قال : لا أدري «قال (عليه السلام) : إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة ، وإن كان أقلّ من نصف الوقت أخذ الزكاة» (1) .

   حيث يظهر منها أنّ الربح وإن كان وافياً بالقوت لا يمنع من أخذ الزكاة إلاّ إذا كان مشـتملاً على فضل وزيادة بمقدار نصف القوت ، فينافي موثّقة سماعة المتقدّمة التي جعل فيها المعيار بكفاية غلّة الدار وعدمها من غير مراعاة الفضل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 232 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 4 ، الفقيه 2 : 18 / 58 .

ــ[15]ــ

   ويندفع أوّلاً : بضعف السند ، فإنّ في طريق الصدوق إلى أبي بصير علي بن أبي حمزة البطائني الضعيف الكذّاب الذي أكل مال الإمام (عليه السلام) كما تقدّم مراراً .

   وثانياً: مع الغضّ عن السند فلا تنافي بينهما، إذ المذكور فيها القوت ـ أي ما يتقوّت به الإنسان ـ المنصرف إلى مأكله ومشربه فقط ، دون سائر حوائجه ولوازمه من علاج مرض أو إكرام ضيف أو شراء ملبس ونحو ذلك من المصاريف المتفرّقة الزائدة على الأكل والشرب التي قدّرها (عليه السلام) بنصف القوت فيعادل القوت ونصفه مع المؤونة المذكورة في الموثقة، التي هي ملحوظة ـ طبعاً  ـ مع هذه المصاريف .

   وبالجملة : لم تذكر في رواية أبي بصير المؤونة وزيادة لتعارض الموثّق ، بل القوت وزيادة ، والقوت منصرف إلى الطعام الذي هو أخصّ من المؤونة ، فلا تنافي بينهما بوجه .

   ويؤيّد الموثّق رواية إسماعيل بن عبدالعزيز المصرّحة بجواز أخذ الزكاة وعدم بيع الدار ولا الغلام ولا الجمل وهو معيشته وقوته (1) .

   لكن السند ضعيف ، لعدم وثاقة الرجل ، فلا تصلح الا للتأييد .

   ورابعةً : يكون له مال معدّ للتجارة فتتبدّل العين بعين اُخرى المعاوض عليها ولا تبقى محفوظة عنده ـ كما كان كذلك في الفرض السابق ـ ولا ريب حينئذ في عدم جواز أخذ الزكاة إذا كان الربح وافياً بالمؤونة ، كما لا ريب في الجواز إذا لم يكن وافياً ولو بضميمة الأصل .

   وإنّما الكلام فيما إذا كان رأس المال بمجرّده وافياً بالمؤونة ولم يكن الربح كافياً،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 236 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 3 .

ــ[16]ــ

فهل يعدّ مثل هذا فقيراً يحلّ له أخذ الزكاة ، أم لا ؟

   نُسب إلى الشيخ وجماعة الأوّل (1) ، وهو الصحيحة .

   وتدلّنا عليه صحيحة معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم وله عيال وهو يحترف فلا يصيب نفقته فيها ، أيكب فيأكلها ولا يأخذ الزكاة أو يأخذ الزكاة ؟ «قال (عليه السلام) : لا ، بل ينظر إلى فضلها فيقوّت بها نفسه ومن وسعه ذلك من عياله ، ويأخذ البقيّة من الزكاة ، ويتصرّف بهذه لا ينفقها» (2) .

   والاستدلال بها من وجهين :

   الأوّل : ترك الاستفصال عن أنّ رأس المال وهو الثلاثمائة أو الأربعمائة درهماً هل يكون وافياً بمؤونة السنة أم لا ، فإنّ ذلك يدلّ على إطلاق الحكم وشموله لكلتا الصورتين ، بل لا يبعد الوفاء سيّما في أيام الرخص وفي الأزمنة السالفة التي كانت الشاة تباع فيها بدرهم واحد كما في بعض النصوص ، بل أدركنا قبل خمسين سنة أنّ الرجل يتعيّش هو وزوجته وطفله بدرهم واحد في اليوم ، المعادل لنصف مثقال من الفضّة تقريباً .

   وكيفما كان ، فترك الاستفصال في كلام الإمام (عليه السلام) شاهد على العموم .

   الثاني : قوله (عليه السلام) «بل ينظر إلى فضلها» حيث جعل المعيار النظر إلى فضل رأس المال وربحه وأ نّه إن لم يف بالمؤونة يأخذ البقيّة من الزكاة ، ولا ينظر في ذلك إلى رأس المال نفسه ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين صورتي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نسبه إلى الشيخ في الحدائق 12 : 157 .

(2) الوسائل 9 : 238 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 1 .

ــ[17]ــ

كفافه بالمؤونة وعدمه .

   وخامسةً : تكون له حرفة يتعيّش بها كالبنّاء والنجّار والخيّاط ونحوها من أرباب المهن والحرف ، وحكمه أنّ حرفته إن كانت وافية بمؤونة سنته لنفسه وعياله لم تحلّ له الزكاة ، وإلاّ حلّ التتميم منها كما لو كانت اُجرة البنّاء في اليوم الواحد نصف دينار ومصارفه دينار واحد .

   ويدلّ عليه أوّلاً: الصدق العرفي، فإنّ صاحب الحرفة فعلاً مالك بالقوّة لمؤونة السنة ـ إذا كانت وافية بها ـ فهو غني عُرفاً ، فلا ينطبق عليه عنوان الفقير المأخوذ مصرفاً للزكاة في لسان الأدلّة ، كما أ نّه ينطبق عليه العنوان على تقدير عدم الكفاية، فالحكم مطابق لمقتضى القاعدة وإن لم ترد في البين نصوص خاصّة .

   وثانياً : طائفة من الأخبار ، منها : ذيل صحيحة أبي بصير المتقدّمة ، قال (عليه السلام) : «ولا تحلّ الزكاة لمن كان محترفاً وعنده ما تجب فيه الزكاة» (1) .

   وقد تقدّم المراد من قوله (عليه السلام) «وعنده ما تجب» وأ نّه كناية عن المال الاحتياطي المدّخر لبعض المصاريف الاتّفاقيّة من علاج مرض ونحوه بحيث تتمّ معه مؤونة السنة .

   ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سمعته يقول : «إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف ولا لذي مرّة سوي قوي ، فتنزّهوا عنها» (2) .

   ومنها : صحيحته الاُخرى عنه (عليه السلام) «قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : لاتحلّ الصدقة لغني ولا لذي مرّة سوي، ولا لمحترف»(3) ، ونحوها غيرها . فالحكم مسلّم لا غبار عليه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 231 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 1 .

(2) الوسائل 9 : 231 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 2 .

(3) الوسائل 9 : 233 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 8 .

ــ[18]ــ

   وسادسةً : يكون قادراً على الاكتساب ، ولكنّه لم يفعل تكاسلاً ، فهو محترف بالقوّة وإن لم يتلبّس به فعلاً ، فهل تحلّ له الزكاة نظراً إلى حاجته الفعليّة ، أم لا باعتبار قوّته وقدرته على تحصيل المؤونة ؟

   احتاط فيه الماتن ، بل اختار الجواز في الجواهر (1) .

   هذا ، ولا ينبغي التأمّل في الجواز فيما لو مضى وقت الاكتساب ، لكونه مؤقّتاً بوقت خاصّ ، كمن كان شغله الحملداريّة فتهاون ولم يتصدّ للمقدّمات إلى أن تحرّكت القافلة وهو فعلاً فقير لا مال له وليست له حرفة اُخرى ،ومثله البنّاء الذي لم يحضر أوّل الوقت إلى أن مضت ساعة من النهار ، فإنّ هذا فقير فعلاً بالضرورة وإن كان مستنداً إلى اختياره . والظاهر خروج ذلك عن محلّ البحث .

   وإنّما الكلام فيمن يكون متمكّناً من الاكتساب فعلاً ولم يتلبّس ، كالطبيب الذي يتمكّن من التصدّي للمعالجة بمعاينة المريض دقائق معدودة بإزاء مبلغ معتدّ به، وكذا المهندس ونحوه من أرباب المهن والحرف فلم يتصدّ تكاسلاً، وهو المراد بذي مرّة في النصوص المتقدّمة .

   والظاهر عدم حلّ الزكاة له ، لعدم صدق الفقير عليه عرفاً بعد قدرته الفعليّة على الاكتساب ، نظير من يتمكّن من تحصيل الماء بشراء ونحوه فإنّه وإن لم يجده فعلاً إلاّ أ نّه لا يصدق عليه الفاقد للماء ، بل هو واجدٌ، أي متمكّن منه بالقدرة على مقدّمته ، كما هو ظاهر .

   مضافاً إلى دلالة جملة من النصوص :

   منها : صحيحة زرارة المتقدّمة : «إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف ولا لذي مرّة سوّي قوّي ، فتنزّهوا عنها» .

   فمن كان ذا مرّة ـ أي قويّاً متمكّناً من الاكتساب ـ لا تحلّ له الصدقة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جواهر الكلام 15 : 314 .

ــ[19]ــ

   وناقش في دلالتها صاحب الجواهر بدعوى أنّ الأمر بالتنزّه ظاهر في الكراهة(1) .

   وفيه ما لا يخفى ، فإنّ التنزّه لغةً بمعنى الابتعاد والاجتناب ، وهو المراد في لسان الأخبار، فهو ظاهر في الحرمة ولا إشعار له في الكراهة فضلاً عن الدلالة .

   ومع الغضّ فلا ظهور لهذه الكلمة بمثابة يستوجب رفع اليد عن ظهور ـ بل صراحة ـ «لا تحلّ» في المنع والحرمة كما لا يخفى. فلا ينبغي التأمّل في دلالتها على عدم الجواز .

   ونحوها صحيحته الاُخرى عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : لا تحلّ الصدقة لغني ولا لذي مرّة سوي ولا لمحترف ولا لقوي» قلنا : ما معنى هذا ؟ «قال : لا يحلّ له أن يأخذها وهو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها» (2) .

   ولكن بإزائه ما رواه الصدوق في الفقيه عن الصادق (عليه السلام) ، قال : وقيل للصادق (عليه السلام) : إنّ الناس يروون عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أ نّه قال : «إنّ الصدقة لا تحلّ لغني ولا لذي مرّة سوي» فقال : «قد قال : لغني ، ولم يقل : لذي مرّة سوي» (3) .

   ونحوه ما رواه في معاني الأخبار عن الصادق (عليه السلام) أ نّه قال : «قد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : إنّ الصدقة لا تحلّ لغني ، ولم يقل : ولا لذي مرّة سوي» (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 15 : 314 .

(2) الوسائل 9 : 233 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 8 .

(3) الوسائل 9 : 232 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 5 ، الفقيه 3 : 109 / 458 .

(4) الوسائل 9 : 233 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 9 ، معاني الأخبار : 262 / 2 .

ــ[20]ــ

   فإنّ العامّة قد رووا عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذلك كما رواه الترمذي وقال : إنّه حديث حسن صحيح ، وكذا مالك(1) . ولكن الصادق (عليه السلام) كذّبه وأنكر صدوره عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فيكون ذلك معارضاً لما تقدّم في صحيح زرارة من قوله (عليه السلام) : «إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف ولا لذي مرّة سوي» .

   ويندفع أوّلاً : بأنّ رواية الصدوق مرسلة لا يعوّل عليها .

   وثانياً : بأ نّه (عليه السلام) لم ينكر الحكم وإنّما أنكر القول فقط ، ومن الجائز عدم صدور هذه اللفظة عن النبي (صلّى الله عليه وآله) ، ولا ينافي ذلك ثبوت الحكم وأ نّه (صلّى الله عليه وآله) اقتصر في بيانه على مجرّد قوله (صلّى الله عليه وآله) «لا تحلّ لغني» ، نظراً إلى صدق الغنى على ذي مرّة أيضاً ، كما قد تشير إليه صحيحة معاوية بن وهب ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) يروون عن النبي (صلّى الله عليه وآله) «أنّ الصدقة لا تحلّ لغني ولا لذي مرّة سوي» فقال أبو عبدالله (عليه السلام) «لا تصلح لغني»(2) ، حيث أعرض (عليه السلام) في الجواب عن صحّة الرواية وسكت عن بيان ما صدر عن النبي (صلّى الله عليه وآله) نفياً وإثباتاً ، واقتصر على بيان الحكم وأنّ الصدقة لا تصلح للغني، إيعازاً إلى شمول الحكم لذي مرّة ، لكـونه مصادقاً للغني سواء أقاله النبي (صلّى الله عليه وآله) أيضاً أم لا .

   وثالثاً : أ نّها معارضة بصحيحة زرارة المتقدّمة ، المصرّحة بإسناد تلك الجملة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من قبل أبي جعفر نفسه (عليه السلام) (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سنن الترمذي 3 : 42 / 652 ، وانظر الموطأ 1 : 268 / 29 .

(2) الوسائل 9 : 231 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 3 .

(3) الوسائل 9 : 233 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 8 .

  
 

ــ[21]ــ

   [ 2699 ] مسألة 1 : لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمؤونته لكن عينه تكفيه لا يجب عليه صرفها (1) في مؤونته ، بل يجوز له إبقاؤه للاتّجار به وأخذ البقيّة من الزكاة، وكذا لو كان صاحب صنعة تقوم آلاتها أو صاحب ضيعة تقوم قيمتها بمؤونته ولكن لا يكفيه الحاصل منهما لا يجب عليه بيعها وصرف العوض في المؤونة ، بل يبقيها ويأخذ من الزكاة بقيّة المؤونة .
ــــــــــــــــــــــــــ

   وكيفما كان ، سواء أصدر ذلك عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أم لم يصدر فيكفينا حكم الصادق (عليه السلام) بعدم الحلّ وأمره بالتنزّه عنها في صحيحة زرارة المتقدّمة(2) ، وكفى به مدركاً للمنع ، فلا ينبغي التأمّل في المسألة فلاحظ .

   (1) قد ظهر الحال حول هذه المسألة لدى التعرّض لمصاديق الفقير في الفروض الستّة المتقدّمة ، فلاحظ ولا نعيد .
ـــــــــــــ


(2) الوسائل 9 : 231 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 2 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net