هل يجوز إعطاء الغارم من سهم الفقراء ؟ - جواز إعطاء الغارم من سهم سبيل الله 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4566


ــ[94]ــ

وإن جاز إعطاؤه من سهم الفقراء(1)، سواء تاب عن المعصية أو لم يتب ، بناءً على عدم اشتراط العدالة في الفقير ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   إنّما الكلام في محمّد بن خالد الذي يروي عنه عبدالرّحمن ، فإنّه لا يراد به البرقي المعروف جزماً، لأ نّه لم يدرك الكاظم فضلاً عن الصادق (عليهما السلام)، والمسمّى بهذا الاسم في هذه الطبقة عدّة رجال كلّهم مجهولون . وما في جامع الرواة من أ نّه : السري(1) ، مع أ نّه لا شاهد عليه لم تثبت وثاقته أيضاً .

   إذن فالرواية ضعيفة ولا سبيل للاستناد إليها في الخروج عن الإطلاقات التي مقتضاها جواز الدفع من هذا السهم حتّى عن المهور ، فالاستثناء المزبور لا دليل عليه .

   (1) هذا مشكل جدّاً بل ممنوع ، إذ المستفاد من الروايات أنّ الموضوع لسهم الفقراء هو الفقير الشرعي المفسّر بمن لا يملك قوت سنته ، فالمالك له غني شرعاً لا يحقّ له الأخذ من هذا السهم وإن كان فقيراً عرفاً لثبوت ديون عليه ، فإنّ العبرة بالأوّل لا بالثاني .

   وبعبارة اُخرى : ما دلّ على أنّ المالك لمؤونة السنة لا يعطى من هذا السهم مطلقٌ يشمل حتّى المديون في جناية أو إتلاف مال أو كفّارة أو معصية ونحوها، فإنّ هذه الاُمور لاتمنع غناه شرعاً وإن صدق عليه الفقير لغةً وعرفاً ، لما عرفت من أنّ الاعتبار بالأوّل لا غير .

   نعم ، لا يبعد انصراف الدليل عمّن استدان لقوت سنته بحيث أصبح غنيّاً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جامع الرواة 2 : 110 .

ــ[95]ــ

وكونه مالكاً لقوت سنته لا ينافي فقره((1)) (1) لأجل وفاء الدين الذي لا يفي كسبه أو ما عنده به.

   وكذا يجوز إعطاؤه من سهم سبيل الله ((2)) (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عن سبيل الاستدانة ، فإنّه في الحقيقة لا يعدّ مالكاً لما عليه دين بإزائه ، فيجوز له الأخذ حينئذ من هذا السهم . إذ لا قصور في شمول دليله لمثله .

   وأمّا الذي استدان لاُمور اُخر بحيث كان غنيّاً مع الغضّ عن الدين فقد عرفت أنّ مقتضى الإطلاقات عدم جواز أخذه . ومنه تعرف أنّ الفقر المسوّغ للأخذ من هذا السهم يتنافى مع كونه مالكاً لقوت سنته ، وإنّما لا يتنافى لو اُريد به الفقر العرفي الخارج عن محلّ الكلام ، فلاحظ .

   (1) بل ينافيه حسبما عرفت آنفاً .

   (2) هذا وجيه لو فسّرنا السهم المزبور بمطلق سبل الخير ، وأمّا لو خصّصناه بما يرجع إلى الاُمور العامّة والمصالح النوعيّة من بناء المساجد وتعمير القناطر وفتح الشوارع والبعث إلى الحجّ ونحو ذلك ممّا لا يعود إلى شخص بالخصوص ـ  كما في المقام  ـ فلا يجوز ، وسيأتي إن شاء الله تعالى أنّ الأصح هو الثاني(3) ، كيف ؟! ولازم الأوّل جواز تزويج الغني من هذا السهم ، لما فيه من إدخال السرور في قلب المؤمن الذي هو أمر راجح وعمل خيري ، وهو كما ترى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر أ نّه ينافيه .

(2) سيأتي أنّ سهم سبيل الله لا يشمل المقام .

(3) في ص 111 ـ 115 .

ــ[96]ــ

   ولو شكّ في أ نّه صرفه في المعصية أم لا فالأقوى جواز إعطائه من هذا السهم(1) وإن كان الأحوط خلافه . نعم ، لا يجوز له الأخذ إذا كان قد صرفه في المعصية .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) كما نُسب إلى الأكثر تارةً وإلى المشهور اُخرى .

   خلافاً لما عن الشيخ في النهاية من المنع ، وعن الشهيد الميل إليه (1) .

   ومبنى القولين هو أنّ جواز الدفع هل هو مشروط بالصرف في الطاعة ، أو أنّ الصرف في المعصية مانع ، وإن شئت قلت : هل القيد الملحوظ في المقام وجودي أو عدمي ؟

   فعلى الأوّل : لا يجوز الدفع عند الشكّ ، لوضوح لزوم إحراز الشرط .

   وعلى الثاني : يجوز ، لأصالة عدم المانع .

   ولا يخفى أنّ الصرف في غير المعصية يشمل الصرف في المباح أو الطاعة الواجبة أو المستحبّة ، بل لا يبعد القول بأنّ الصرف في المباح أيضاً صرف في الطاعة بمقتضى ما ورد من «أنّ الله يحبّ أن يؤخذ برخصه كما يحبّ أن يؤخذ بعزائمه»(2) .

   وكيفما  كان ، فلا بدّ من مراجعة الأدلّة لاستظهار أنّ الاعتبار بأيٍّ من النحوين ، فنقول : إن كان المدرك هو الإجماع فبما أنّه دليل لبّي فلاجرم يقتصر على المقدار المتيقّن منه، وهو عدم جواز الدفع للدين المصروف في المعصية وأممّا اعتبار الصرف في الطاعة فحيث إنّه لا دليل عليه فالمتّبع حينئذ هو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه عن الشيخ في المدارك 5 : 225 ، وانظر النهاية : 306 ; الشهيد في الدروس 1 : 241 .

(2) الوسائل 1 : 107 /  أبواب مقدّمة العبادات ب 25 ح 1 .

ــ[97]ــ

الإطلاقات ، فتكون النتيجة هي المانعيّة دون الشرطيّة .

   وإن كان هو الأخبار فهي ما بين ما هو ظاهر في الأوّل ـ كمرسلة علي بن إبراهيم(1) ـ وما هو ظاهر في الثاني ـ كموثّقة الحسين بن علوان(2) ـ وما جمع فيه بين الأمرين ـ كرواية محمّد بن سليمان(3) ـ لكن الطائفة الاُولى والأخيرة ضعيفة السند ، والمتّبع إنّما هي الطائفة الثانية المعتبرة ، فالعبرة بها لا غير ، وهي ظاهرة في المانعيّة حسبما عرفت .

   على أنّ الطائفة الأخيرة في نفسها غير قابلة للتصديق ، لوضوح اللغويّة في الجمع بين اعتبار الشرطيّة والمانعيّة في موضوع واحد ، ولا مناص من إرجاع إحداهما إلى الاُخرى ، فإن أمكن الترجيح ولو لأجل ما ذكره في الجواهر من أنّ الدفع إغراء بالقبيح وتشويق في المعصية (4) فتقدّم المانعيّة وتلغى الشرطيّة، وإلاّ فيتساقطان ويقتصر في تقييد الإطلاقات حينئذ على المقدار الأقلّ الأخفّ مؤونة ، أعني : عدم الصرف في المعصية ، فكلما علم أ نّه صرفه فيها فهو خارج عنها ويبقى ما عداه تحت الإطلاق بعد أصالة عدم الصرف في المعصية .

   وعليه ، فلو صرف دينه في مورد لم يكن طاعة ولا معصية ساغ الدفع إليه من هذا السهم ، لما عرفت من أنّ الخارج خصوص المصروف في المعصية .

   ويؤكّده ما ورد من جواز أداء ديون المؤمنين الأموات أو الأحياء من الزكاة من غير استفصال الصرف في الحلال أو الحرام ، مع قضاء العادة بالجهل غالباً بمصرف ديون الغير ولا سيّما الديون المتخلّفة عن الميّت ، فلو كان الصرف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 211 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7 .

(2) الوسائل 9 : 298 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 48 ح 2 .

(3) الوسائل 18 : 336 /  أبواب الدين والقرض ب 9 ح 3 .

(4) الجواهر 15 : 358 .

ــ[98]ــ

مشروطاً بالعلم بالحال لما ساغ الترخيص في الأداء على سبيل الإطلاق .

   وهذه النصوص وإن كانت جملة منها مطلقة لكن بعضها صريح في الدفع من سهم الغارمين، كمعتبرة موسى بن بكر عن أبي الحسن (عليه السلام) ـ في حديث ـ «قال : من طلب الرزق فغلب عليه فليستدن على الله عزّ وجلّ وعلى رسوله ما يقوّت به عياله ، فإن مات ولم يقض كان على الإمام قضاؤه ، فإن لم يقضه كان عليه وزره ، إنّ الله يقول : (إِنَّما الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ ... وَالغَارِمِينَ) فهو فقير مسكين مغرم» (1) .

   والمتحصّل : أ نّه لا ينبغي الشكّ في أنّ الصرف في المعصية مانع عن الدفع ، لا  أنّ الصرف في الطاعة مشروط فيه ، فإنّ ذلك هو مقتضى مناسـبة الحكم والموضوع كما لا يخفى .

   ويؤكّده زائداً على ما عرفت أ نّه لو استدان ثمّ تلف قبل الصرف لسرقة ونحوها فإنّه لا إشكال في جواز الأداء من هذا السهم ، لصدق الغارم ، مع أ نّه لم يحرز الشرط لو كان الصرف في الطاعة شرطاً فيه، لكونه سالبة بانتفاء الموضوع، فلم يصرف لا في الطاعة ولا في المعصية .

   ونحوه ما لو استدان للزواج ـ مثلاً ـ أو لغيره من الحوائج فإنّه لا ينبغي الشكّ في أنّ جواز الدفع إليه من هذا السهم قبل الصرف ، لصدق الغارم عليه فعلاً بالوجدان ، مع أنّ الدين لم يصرف بعدُ فيما اُعدّ له من الطاعة ، وهذا خير شاهد على كفاية مجرّد عدم الصرف في المعصية .

   ودعوى أنّ العبرة بحال الاستدانة لا بحال الصرف كما يشهد به قوله في موثّقة الحسين بن علوان المتقدّمة : «إذا استدانوا في غير سرف» .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 296 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 4 .

ــ[99]ــ

   مدفوعة بقضاء الضرورة بكون العبرة بحال الصرف لا الاستدانة . ومن ثمّ لو استدان للمعصية ثمّ صرف في الطاعة أو العكس ساغ الدفع من هذا السهم في الأوّل دون الثاني بلا خلاف فيه ولا إشكال . ومعه لا بدّ من رفع اليد عن الموثّقة لو سلّم ظهورها فيما ذكر .

   هذا ، وربّما يستدلّ لعدم الجواز في صورة الشكّ بما في ذيل رواية محمّد بن سليمان المتقدّمة : ... قلت : فما لهذا الرجل الذي ائتمنه وهو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة الله أم في معصية ؟ «قال : يسعى له في ماله فيردّه عليه وهو صاغر» (1) .

   بدعوى تعرّضها لتكليف الدافع عند جهله بالحال وأ نّه لا يدفع الزكاة في صورة الشكّ في صرف الدين في الطاعة أو المعصية ، بل اللازم حينئذ سعي المديون في تسديد دينه وردّ ما عليه من المال إلى دائنه .

   ولكنّه يندفع ـ مضافاً إلى ضعف السند ، لمكان الإرسال كما تقدّم ولم يعمل بها المشهور ليتوهّم الجـبر على القول به ـ بقصور الدلالة كما نبّه عليه في الحدائق(2) ، نظراً إلى ابتنائها على وقوع السؤال عن تكليف الدافع، وليس كذلك، بل عن تكليف الدائن وما يستحقّه في هذه الحالة باعتبار أنّ المديون الصارف دينه في المعصية لمّا لم يكن مورداً لسهم الغارمين ومن الجائز أن يكون قد صرفه فيها وهو ـ أي الدائن ـ لا يدري ، فهل يرفع اليد عن حقّه بعد أن لم يتوقّع محلّ لتسديد دينه ، أم ماذا يصنع ؟ فأجاب (عليه السلام) : بأ نّه لا يحرم عن حقّه بل يجب على المديون السعي في ردّ ماله وهو صاغر إن كان قد أنفقه في المعصية .

   وبالجملة : الجهل بالإنفاق مربوط بصاحب الدين لا بالإمام الدافع للزكاة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 336 /  أبواب الدين والقرض ب 9 ح 3 .

(2) الحدائق الناضرة 12 : 192 ـ 193 .

ــ[100]ــ

ولو كان معذوراً في الصرف في المعصية لجهل أو اضطرار أو نسيان أو نحو ذلك لا بأس بإعطائه(1)، وكذا لو صرفه فيها في حال عدم التكليف لصغر أو جنون ، ولا فرق في الجاهل بين كونه جاهلاً بالموضوع أو الحكم(2) .
ــــــــــــــــــــــــــ

ليتمّ ما توهّم من أ نّه متى جهل الإمام بالمصرف لا يدفع إلى الغريم من هذا السهم ، فلاحظ .

   (1) لظهور الأدلّة في المعصية الفعليّة ، ولا معصية كذلك في هذه الموارد .

   (2) شريطة كون جهله في الشبهة الحكميّة عذراً له كما في الجاهر القاصر ، وأمّا المقصّر فحيث لا عذر فلا جرم يصدر منه على سبيل المعصية .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net