دفع القدر الكافي من الزكاة إلى ابن السبيل اللائق بحاله - وجوب اعادة ما فضل ممّا اُعطي من الزكاة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4128


ــ[121]ــ

فيدفع له قدر الكفاية اللائقة بحاله (1) من الملبوس والمأكول والمركوب أو ثمنها أو اُجرتها إلى أن يصل إلى بلده بعد قضاء وطره من سفره أو يصل إلى محلّ يمكنه تحصيلها بالاستدانة أو البيع أو نحوهما .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأمّا مع عدم الندم فصريح المحقّق الهمداني عدم الجواز ، لإطلاق النصّ والفتوى(1) .

   وفيه ما لا يخفى ، إذ لا نصّ ما عدا المرسلة ، ومقتضاها ـ  مع الغضّ عن سندها  ـ هو الجواز ، بداهة أنّ الرجوع إلى البلد سفر سائغ وأمر مباح قد أذن الله فيه ، فهو من حيث هو سفر الطاعة ، والتوبة عن المعصية السابقة وعدمها لا مدخليّة لها في ذلك بوجه .

   وأمّا الفتاوى فلم يظهر منها أنّ سفره حال الرجوع من سفر المعصية ، فإنّ مورد كلماتهم هو سفر المعصية لا الرجوع عنه ، ومن ثمّ يقصّر في رجوعه تاب أم لم يتب فيما إذا كان بالغاً حدّ المسافة الشرعيّة ، لعدم صدق اسمها عليه . فلا مانع إذن من الدفع إليه من هذا السهم .

   اللّهمّ إلاّ إذا انطبق عليه عنوان آخر مرجوح كتشجيعه على ما فعل أو الرضا بما ارتكب بحيث يتضمّن مناط الإعانة على الإثم ، فإنّ الدفع حينئذ من هذا السهم مشكل كما تقدّم .

   وأمّا من دون ذلك ـ كما إذا كانت المعصية خفيّة قد علم بها صاحب الزكاة وكان العاصي جاهلاً بعلمه بها ـ فلا مانع في مثله من الإعطاء إليه .

   (1) من دون الزيادة عليه ، لما اتّضح ممّا مرّ من امتياز ابن السبيل ونحوه عن مثل الفقير في أنّ الزكاة لم تكن لشخصه كما في الفقير، بل للجهة الخاصّة والوصف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه 13 : 586 .

ــ[122]ــ

ولو فضل ممّا اُعطي شيء ولو بالتضييق على نفسه أعاده على الأقوى (1)، من غير فرق بين النقد والدابّة والثياب ونحوها ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العنواني القائم به ، فهو مصرفها لا أ نّه مستحقّها ، فلا جرم يقتصر على المقدار الذي يحتاج إليه تلك الجهة ، كما هو الحال في الغارم ، فكما أ نّه لا يعطى إلاّ بمقدار أداء دينه ، فكذا ابن السبيل لا يعطى إلاّ بالمقدار الذي يقتضيه وصفه العنواني دون الزائد عليه .

   (1) أمّا إذا كان المدفوع من النقدين كما لو أعطاه عشرة دنانير فصرف منها ستّة وبقي أربعة إمّا للتقتير أو للتنزيل في السعر، فلا ينبغي الشكّ في لزوم الردّ، لما عرفت من أ نّه لا يستملك الزكاة على حذو ما يستملكها الفقير ، وإنّما هو مصرف بحت لجهة معيّنة وهي العود إلى البلد ، فإذا حصل الغرض بقي الباقي بلا مصرف ، لأ نّه انتقل إلى حالة لا تحل عليه الصدقة ، وإنّما اُبيحت لأجل حاجته الفعليّة العارضة أثناء الطريق والزائلة بعد الحضور في الوطن ، ولا تحلّ الصدقة للغني ، فلا جرم يعاد الزائد كما هو الحال في الغارم ، فكما أ نّه لو أبرأه الغريم قبل أداء الدين وجب الردّ لانتفاء المصرف ، فكذا في المقام لاتّحاد المناط ، ولعلّ وجوب الردّ في الفرض ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال .

   وأما إذا كان من العروض كالدابّة والثياب ونحوهما فعن العلاّمة في النهاية وغيره عدم الوجوب .

   ووجّهه في الجواهر بما لفظه : ولعلّ ذلك لأنّ المزكّي يملّك المستحقّ عين ما دفعه إليه ، والمنافع تابعة ، والواجب على المستحقّ ردّ ما زاد من العين على الحاجة ، ولا زيادة في هذه الأشياء إلاّ في المنافع ولا أثر لها مع ملكيّة تمام العين .

ــ[123]ــ

   ثمّ قال (قدس سره) : اللّهمّ إلاّ أن يلتزم انفساخ ملكه عن العين بمجرّد الاستغناء، لأنّ ملكية تزلزل ، فهو كالزيادة التي تجدّد الاستغناء عنها (1) .

   ووافقه عليه المحقّق الهمداني (2) ، وهو الصحيح .

   وتوضيح المقام : أنّ المحتملات في المسألة ثلاثة :

   أحدها : ملكيّة ابن السبيل لما يأخذه من الزكاة ملكيّة مطلقة كملكيّة الفقراء، فكما أنّ عروض الغنى بعد ذلك بإرث ونحوه لا يستوجب الردّ ، إذ لا يخرجه عن الملك ، لعدم كونه من اسباب الخروج ولا كشفه عن خلل فيه بعد أن صدر في ظرفه من أهله ووقع في محلّه ووصل إلى مستحقّه ، ولا معنى للخروج عن الملك بلا سبب شرعي . فليكن ابن السبيل من هذا القبيل . وعليه ، فلا موجب للردّ بعد الوصول إلى البلد .

   ثانيها : أن تكون الملكيّة متزلزلة ومراعاة ببقاء الوصف العنواني كما ذكره في الجواهر وقوّاه الهمداني ، فلم تكن الملكيّة مطلقة ، إذ ليس المالك هو الشخص بل الجهة ، فما دام كونه متّصفاً بابن السبيل يملك الزكاة ، وبعد زوال العنوان تزول الملكيّة ويعود المال إلى ما كان ، إذ لا تحلّ الصدقة للغني كما هو الحال في الغارمين .

   ثالثها : أن لا تكون ثمّة ملكيّة رأساً لا مطلقاً ولا متزلزلاً، وإنّما الثابت في ابن السبيل ملكيّة التصرّف بمقدار يتمكّن معه من الوصول إلى البلد ، والزائد باق على ما كان من غير أن يكون منتقلاً إليه حتّى من أوّل الأمر ، إذ المستحقّ في الحقيقة هو نفس الجهة لا ذو الجهة . ووجوب الردّ حينئذ أظهر كما لا يخفى .

   وهذا الاحتمال هو الأقوى ، لعدم نهوض دليل على تملكّه للزكاة بأي من النحوين المزبورين ، ولا يقاس ذلك بالغارمين ، حيث دلّ الدليل فيه على تملّكه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 15 : 377 .

(2) مصباح الفقيه 13 : 588 .

ــ[124]ــ

فيدفعه إلى الحاكم(1) ويعلمه بأ نّه من الزكاة . وأمّا لو كان في وطنه وأراد إنشاء السفر المحتاج إليه ولا قدرة له عليه ، فليس من ابن السبيل (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لها على النحو الثاني ليوفّي بها دينه ، فلو أبرأه الغريم كلاًّ أو بعضاً رجعت إلى ما كانت عليه ، فلاحظ .

   (1) ولعلّه المشهور . وعن الروضة : أ نّه يعيدها إلى المالك ، لأ نّه الولي على الزكاة، فإن تعذّر فإلى الحاكم، ولم يظهر وجهه إلاّ استصحاب بقاء تلك الولاية (1) .

   وفيه ـ مضافاً إلى ما هو الصواب من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة ـ  : أنّ تلك الولاية محدودة بالدفع إلى المستحقّ وقد حصل على الفرض، وهي مقطوعة الارتفاع ويشكّ في حدوث ولاية جديدة على الارتجاع، والأصل عدمها بعد عدم نهوض دليل عليها . ومن ثمّ ليس له استرداد ما أعطاه للفقير بعد قبضه وتملّكه ، إذ ولايته إنّما هي على الدفاع لا على الردّ ، فلا بدّ إذن من الردّ إلى الحاكم الشرعي الذي هو الولي حينئذ على الزكاة .

   هذا فيما إذا دفع إلى ابن السبيل بمقدار حاجته ولكنّه زاد اتّفاقاً إمّا لأجل التضييق والتقتير أو لتنزّل القيمة .

   وأمّا إذا دفع الزكاة من الأوّل اشتباهاً ، كما لو تخيّل أ نّه يحتاج إلى عشرة فاستبان كفاية الخمسة فكان دفع الخمسة الزائدة من باب الخطأ في التطبيق ، فلا مانع حينئذ من القول باسترداد الزائد إلى المالك ، لأنّ هذا الدفع الواقع في غير محلّه بمنزلة العدم فكانت الولاية باقية ، نظير الدفع إلى من يعتقد فقره فاستبان غناه ، لكن مورد الكلام هو الأوّل .

   (2) ضرورة أنّ المنسبق منه والمتفاهم عرفاً هو المتلبّس بالسفر فعلاً ، فلا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ الروضة البهية 2 : 53 .

ــ[125]ــ

نعم ، لو تلبّس بالسفر على وجه يصدق عليه ذلك يجوز إعطاؤه من هذا السهم .

   وإن لم يتجدّد نفاد نفقته (1) ، بل كان أصل ماله قاصراً ، فلا يعطى من هذا السهم قبل أن يصدق عليه اسم ابن السبيل . نعم ، لو كان فقيراً يعطى من سهم الفقراء (2) .
ــــــــــــــــــــــ

يشمل من هو بصدد إنشاء السفر ، ومرسلة علي بن إبراهيم (1) صريحة في ذلك .

   فما عن بعضهم ـ كالشهيد في اللمعة والدورس (2) ـ من صدقه عليه أيضاً ممنوع جدّا .

   (1) لإطلاق الدليل بعد صدق الاسم كما هو المفروض ، ولا ينافيه التعبير بذهاب المال في المرسل ، فإنّه كناية عن الحاجة كما لا يخفى .

   (2) وبعد الأخذ من هذا السهم يصير بشخصه مالكاً للزكاة على ما سبق ، وبعدئذ له صرفها فيما يشاء ومنه مؤونة السفر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 211 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7 ، تفسير القمي 1 : 298 .

(2) لاحظ اللمعة : 52 ، والدروس 1 : 242 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net