الثاني : أن لا يكون ممّن يكون الدفع إليه إعانةً على الإثم 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4515


ــ[151]ــ

   الثاني : أن لا يكون ممّن يكون الدفع إليه إعانةً على الإثم وإغراءً بالقبيح(1)، فلا يجوز إعطاؤها لمن يصرفها في المعاصي خصوصاً إذا كان تركه ردعاً له عنها .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فإن فضل عنهم «قال : فأعد عليهم» ـ إلى أن قال : ـ فقلت : فنعطي السؤّال منها شيئاً ؟ قال : «فقال : لا والله إلاّ التراب» إلخ (1) ، ونحوها غيرها ، وحيث لا عامل بهما فهما مطروحتان لا محالة .

   (1) هذا الحكم كأ نّه من المتّفق عليه بينهم .

   ووجهه : إمّا بناءً على ما هو المشهور من حرمة الإعانة على الإثم فواضح، فإنّ الإعطاء في المقام مصداق للإعانة المحرّمة ، ومن البيّن أنّ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب ولا سيّما إذا انطبق على تركه عنوان الردع ، إذ الإعطاء حينئذ عصيان للردع الواجب أيضاً ، فكيف يكون مصداقاً للزكاة المأمور بها ؟!

   وأمّا بناءً على ما هو الأصحّ من عدم الحرمة ـ لعدم وفاء الأدلّة، وإنّما الثابت بمقتضى قوله تعالى : (وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى ا لاِْثْمِ وَا لْعُدْوَانِ)(2) هو حرمة التعاون القائم بالطرفين أو الأكثر ، أي الاشتراك في مباشرة الإثم وتحقيقه ، لا الإعانة القائمة بطرف واحد من دون مباشرة المعين في فعل الإثم وارتكابه ـ فالأمر أيضاً كذلك ، لمنافاته لحكمة التشريع ، إذ الزكاة إنّما شرّعت لسدّ الحاجة ورفع الخلّة والإرفاق بالفقراء ، ولو علم الله أنّ الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم ، كما جاء في صحيحة ابن سنان (3) وغيرها . ومن الواضح أنّ الصرف في المعصية لم يكن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 222 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 6 .

(2) المائدة 5 : 2 .

(3) الوسائل 9 : 10 /  أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 1 ح 3 .

ــ[152]ــ

والأقوى عدم اشتراط العدالة (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من الحاجيات التي شرّع من أجلها الزكاة .

   ويمكن الاستئناس لذلك من النصوص الواردة في سهم الغارمين المانعة عن دفعها للدين المصروف في سبيل المعصية ، فإنّها تدلّ على عدم الجواز في المقام بطريق أولى ، إذ في الدين لم تصرف الزكاة بعينها في الحرام بل في سدّ دين هو المصروف في الحرام ، فما ظنّك بالمقام المتضمّن لصرفها فيه مباشرةً ؟! فإنّ المنع عن الأوّل يستلزم المنع عن الثاني بالأولويّة القطعيّة .

   (1) فإنّ اشتراطها يكاد يستوجب تعطيل الزكاة في هذا السهم ، ضرورة كثرة الفقراء وقلّة العدول منهم ، ولا سيّما بعد ملاحظة عدم جواز الدفع حينئذ لمشكوك العدالة ، للزوم إحراز الشرط ، وهو مناف لحكمة التشريع من رفع حاجة المؤمنين وسدّ خلّتهم ، فيلزم بقاء الزكاة في أيدي أربابها وحرمان أكثر الفقراء منها ، وهو كما ترى .

   على أ نّه لم ينهض أيّ دليل على اعتبار العدالة .

   وقصارى ما يستدلّ به لذلك روايتان :

   إحداهما : ما في معتبرة أبي خديجة عن أبي عبدالله (عليه السلام) « ... وإن لم يكن له عيال وكان وحده فليقسّمها في قوم ليس بهم بأس أعفّاء عن المسألة لا يسألون أحداً شيئاً» إلخ (1) .

   أمّا من حيث السند فلا ينبغي النقاش فيه وإن قيل بضعفه ، فإنّ طريق الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضّال وإن كان ضعيفاً إلاّ أنّ طريق النجاشي إليه صحيح ، وحيث إنّ شيخهما واحد ـ  وهو عبدالواحد بن عبدون  ـ ولا يحتمل أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 244 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 6 .

ــ[153]ــ

يكون ما أخبره لأحدهما مغـايراً لما أخبر به الآخر ، فلا جرم يحكم بصحّـة الطريق ، كما أنّ عبدالرحمان بن أبي هاشم ثقة .

   وأمّا أبو خديجة فهو سالم بن مكرم قد وثّقه النجاشي وكذلك الكشّي حاكياً عن ابن فضّال أ نّه قال : صالح (1) .

   ولكن الشيخ ضعّفه حيث قال : أبو خديجة سالم ابن أبي سلمة ضعيف (2) . وقد ذكرنا في الرجال أنّ هناك رجلين أحدهما سالم بن مكرم كنيته أبو خديجة ويكنّى أيضاً بـ : أبي سلمة ، كنّاه بها الصادق (عليه السلام) ، والآخر سالم بن أبي سلمة (3) ، وقد عنونهما النجاشي وكلّ منهما له كتاب ووثّق الأوّل (4) .

   وأمّا الشيخ فقد عنون الأوّل وضعّفه وأهمل الثاني مع أ نّه أيضاً ذو كتاب كما سمعت . ويظهر من هذا الإهمال مع تكنية الأوّل بـ  : ابن أبي سلمة أ نّه تخيّل أ نّهما رجل واحد ، وهذا منه اشتباه صراح ، بل هما رجلان يكنّى الأوّل بـ  : أبي سلمة ، وأمّا الثاني : فأبو سلمة كنيته لأبيه لا نفسه ، وقد وثّق الأوّل النجاشي وابن فضّال، مضافاً إلى وروده في إسناد كامل الزيارات ، فلا مجال إذن للمناقشة في السند .

   ولكن الدلالة قاصرة ، لعدم ظهور قوله : «ليس بهم بأس» في العدالة ، ولا سيّما بعد تفسيره بقوله (عليه السلام) : «أعفّاء عن المسألة» إلخ ، الكاشف عن أنّ المراد مجرّد العفاف وعدم السؤال من الناس .

   أضف إلى ذلك أنّ ما اُفيد مبني على الأخذ بظاهر الرواية من وجوب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال النجاشي : 188 / 501 ، رجال الكشي : 352 / 661 .

(2) الفهرست للشيخ : 79 / 338 .

(3) معجم رجال الحديث 9 : 20 / 4949 و 24 / 4966 .

(4) رجال النجاشي : 188 / 501 و 190 / 509 .

ــ[154]ــ

التقسيم ، وليس كذلك قطعاً ، لجواز إعطاء تمام الزكاة لفقير واحد أو صرفها في جهة اُخرى غير الفقراء ، فيعلم من ذلك أ نّه (عليه السلام) لم يكن بصدد حصر المصرف ليدّعى اعتبار العدالة ، بل في مقام بيان أنّ الفقير الكذائي مصرف له وأ نّه يجوز الإعطاء لهذا القسم من الناس ، فلاحظ .

   ثانيتهما : معتبرة داود الصرمي ، قال : سألته عن شارب الخمر ، يعطى من الزكاة شيئاً ؟ «قال : لا» (1) .

   بدعوى عدم خصوصيّة لشارب الخمر وإنّما ذكر من باب المثال لمطلق الفسّاق .

   وفيه : أنّ السند وإن كان معتبراً فإنّ الصرمي من رجـال كامل الزيارات ، كما لا يقدح الإضمار الناشئ من تقطيع الأخبار بعد عدم احتمال رواية الشيخ والكليني عن غير المعصوم .

   إلاّ أنّ الدلالة قاصرة ، لعدم رافع لاحتمال الخصوصيّة ، فلا يتعدّى إلى كلّ فاسق لينتج اعتبار العدالة ، إلاّ إذا علم أ نّه يصرفه في الحرام فلا يجوز كما مرّ .

   نعم ، لا يبعد التعدّي إلى من هو أشدّ إثماً وأعظم فسقاً من شارب الخمر كتارك الصلاة والمتجاهر بالفسق بالأولويّة القطعيّة ، وأمّا غيره فلا دليل عليه .

   اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المنع عن الدفع لشارب الخمر إنّما هو من أجل كونه في معرض ارتكاب المعصية ، وحيث إنّ مطلق غير العادل كذلك فيشمله مناط المنع .

   ولكن هذه الدعوى كما ترى ، فإنّها غير بيّنة ولا مبيّنة . وعليه ، فلا مناص من الاقتصار على مورد النصّ بعد تطرّق احتمال الخصوصيّة حسبما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 249 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 17 ح 1 ، الكافي 3 : 563 / 15 ، التهذيب 4 : 52 / 138 .

ــ[155]ــ

   وأمّا ما ورد في بعض الأخبار من نفي الإيمان ـ المعتبر في المستحقّ ـ عن بعض مرتكبي الكبائر ـ كقوله (عليه السلام) في معتبر محمّد بن حكيم « ... لا يزني الزاني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق وهو مؤمن» (1) ـ فمن الواضح أنّ المنفي إنّما هو المرتبة الكاملة من الإيمان لا نفي حقيقته كي لا يصحّ دفع الزكاة إليه ، ومن البيّن أنّ المؤمن يعمّ العادل والفاسق .

   هذا كلّه في الفقير والمسكين .

   وأمّا غيرهما من سائر مصارف الزكاة فلا ينبغي التأمّل في عدم اعتبار العدالة في الغارم والرقاب وابن السبيل وسبيل الله ، لإطلاق الأدلّة ، وأمّا المؤلّفة فلا يعتبر فيها الإسلام فضلاً عن العدالة .

   نعم ، ادّعي الإجماع على اعتبارها في العاملين عليها لكن من المحتمل قويّاً أنّ معقد الإجماع بمناسبة الحكم والموضوع هو الأمانة من غير خصوصيّة للعدالة، فلا موضوعيّة لها على حدّ اعتبارها في الشاهد والقاضي وإمام الجماعة ونحوهم، بل العبرة بالأمانة ، حيث لا يؤتمن الفاسق على الأموال . ومع هذا الاحتمال لا يكون الإجماع تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم .

   على أنّ مورد الإجماع المزبور هو العامل المنصوب لجباية الزكوات لا العامل المدفوع إليه سهمه من الزكاة ، ولا ملازمة بين الأمرين كما لا يخفى .

   وأمّا قول مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) لمصدّقة في صحيحة بريد بن معاوية : « ... فإذا قبضته فلا توكل به إلاّ ناصحاً شفيقاً أميناً حفيظاً» ، إلخ (2) .

   فهو ـ مضافاً إلى كونه ناظراً إلى اعتبار الأمانة دون العدالة ـ أجنبي عمّا نحن فيه، لرجوع الأوصاف إلى وكيل العامل بعدما قبض الزكوات ، لا إلى العامل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 15 : 325 /  أبواب جهاد النفس ب 46 ح 18 .

(2) الوسائل 9 : 129 /  أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 1 .

ــ[156]ــ

ولا عدم ارتكاب الكبائر(1) ولا عدم كونه شارب الخمر ((1)) (2)، فيجوز دفعها إلى الفسّاق ومرتكبي الكبائر وشاربي الخمر بعد كونهم فقراء من أهل الإيمان، وإن كان الأحوط اشتراطها ، بل وردت رواية بالمنع عن إعطائها لشارب الخمر . نعم ، يشترط العدالة في العاملين ((2)) على الأحوط ، ولا يشترط في المؤلفة قلوبهم ، بل ولا في سهم سبيل الله ، بل ولا في الرقاب ، وإن قلنا باعتبارها في سهم الفقراء .

   [ 2739 ] مسألة 9 : الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل والأفضل فالأفضل والأحوج فالأحوج (3) ، ومع تعارض الجهات يلاحظ الأهمّ فالأهمّ المختلف ذلك بحسب المقامات .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نفسه الذي هو محلّ الكلام .

   (1) لما عرفت من عدم نهوض دليل عليه بنطاق عامّ إلاّ ما كان أعظم فسقاً من شارب الخمر ، كتارك الصلاة حسبما سبق .

   (2) بل لا يجوز الدفع إليه ، لمعتبرة داود الصرمي كما عرفت .

   (3) الترجيح بهذا النطاق العامّ لم يرد عليه نصّ في المقام ، وإنّما الوارد في صحيح ابن الحجّاج ترجيح من لا يسأل على من يسأل، قال : سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن الزكاة ، يفضّل بعض من يُعطى ممّن لا يسأل على غيره ؟ «فقال : نعم ، يفضّل الذي لا يسأل على الذي يسأل» (3).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يشكل جواز الإعطاء له ، وكذا لتارك الصلاة أو المتجاهر بالفسق .

(2) الظاهر عدم اعتبارها ، بل المعتبر فيهم الوثاقة .

(3) الوسائل 9 : 261 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 25 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net