ــ[157]ــ
الثالث : أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المزكّى كالأبوين وإن علوا، والأولاد وإن سفلوا من الذكور أو من الإناث(1) ، والزوجة الدائمة التي لم يسقط وجوب نفقتها بشرط أو غيره من الأسباب الشرعيّة ، والمملوك سواء كان آبقاً أو مطيعاً ، فلا يجوز إعطاء زكاته إيّاهم للإنفاق ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكنّه لا حاجة إلى النصّ ، لوضوح أولويّة ذي المزيّة على غيره .
(1) بلا خلاف فيه ولا إشكال .
ويستدلّ له بجملة من الأخبار ، عمدتها روايتان :
إحداهما : صحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً : الأب والاُمّ والولد والمملوك والمرأة ، وذلك أ نّهم عياله لازمون له» (1) .
ثانيتهما : مصحّحة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال : قلت : فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتّى لا أحتسب الزكاة عليهم؟ «فقال: أبوك واُمّك» قلت : أبي واُمّي ؟ «قال : الوالدان والولد»(2) .
فإنّها أيضاً واضحة الدلالة كالاُولى ، حيث يظهر منها المفروغيّة عن عدم جواز دفع الزكاة إلى القرابة ، وإنّما يسأل عن حدّها ، ولعلّ عدم ذكر المملوك والزوجة المشار إليهما في الصحيحة لأجل عدم كونهما من ذوي القرابة وإن كانا من واجبي النفقة .
كما أ نّها معتبرة السند وإن تردّدت النسخة في الراوي عن إسحاق وأ نّه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 240 / أبواب المستحقين للزكاة ب 13 ح 1 .
(2) الوسائل 9 : 241 / أبواب المستحقين للزكاة ب 13 ح 2 .
ــ[158]ــ
عبدالملك بن عتبة كما في أحد موردي التهذيب (1) وكذلك الكافي (2) ، أو أ نّه عبدالله بن عتبة كما في المورد الآخر منه (3) وكذلك الاستبصار (4) .
فإنّ الثاني لا وجود له في هذه الطبقة ، وإنّما هو من أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ولا يمكن روايته عن إسحاق، فالنسخة مغلوطة، والصواب هو الأوّل، وهو ثقة له كتاب ، والمعروف أ نّه يلقّب بالهاشمي وإن أنكر النجاشي ذلك وقال : إنّه غير صاحب الكتاب (5) . وعلى أيّ حال ، فهو ثقة بلا إشكال ، فالرواية معتبرة ، ويعضده مطابقته للكافي ـ كما سمعت ـ الذي هو أضبط .
وهناك نصوص اُخر ولكنّها غير نقيّة السند لا تصلح إلاّ للتأييد .
وبإزائها مكاتبة عمران بن إسماعيل بن عمران القمّي ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) : إنّ لي ولداً رجالاً ونساءً ، أفيجوز أن اُعطيهم من الزكاة شيئاً ؟ فكتب (عليه السلام) : «إنّ ذلك جائز لك» (6) .
ولكنّها ضعيفة السند ، فإنّ عمران المزبور لا توثيق له عدا ما قد يتوهّم من وروده في إسناد كامل الزيارات ، حيث تضمّن رواية الحسين بن عمران عن أبيه عن أبي الحسن (عليه السلام) ، وهو كما ترى ، فإنّ المنصرف من أبي الحسن (عليه السلام) عند الإطلاق هو الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، وقد قُيِّد في هذه الرواية بالثالث وهو الهادي (عليه السلام) ، ومقتضى اختلاف الطبقة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التهذيب 4 : 100 / 283 .
(2) الكافي 3 : 551 / 1 .
(3) الكافي 4 : 56 / 6 .
(4) الاستبصار 2 : 33 / 100 .
(5) رجال النجاشي : 239 / 635 .
(6) الوسائل 9 : 243 / أبواب المستحقيّن للزكاة ب 14 ح 3 .
ــ[159]ــ
بل ولا للتوسعة (1) على الأحوط ، وإن كان لا يبعد جوازه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعدّد الراويين إمّا قطعاً أو لا أقلّ احتمالاً ، فلم يحرز الاتّحاد ليشمله توثيق الكامل (1) . هذا أوّلاً .
وثانياً : مع تسليم السند فيمكن حملها على الإنفاق للتوسـعة ـ كما صنعه الشيخ (2) ـ دون النفقة الواجبة ، جمعاً بينها وبين ما سبق ، حيث إنّ النسبة بينهما نسبة الإطلاق والتقييد .
(1) كما اختاره جماعة ، بل هو الظاهر من كلّ من أطلق المنع .
خلافاً لجماعة آخرين، كالمحقّق والشهيد الثاني، حيث اختاروا الجواز للتوسعة وأنّ الممنوع هو خصوص النفقة الواجبة (3) ، واختاره في المتن شريطة أن لا يكون عنده ما يوسّع به عليهم كما ستعرف .
ويستدلّ للجواز تارةً : بقصور المقتضي للمنع ، لاختصاص دليله بالإنفاق اللازم ، فيبقى غيره تحت إطلاقات الكتاب والسنّة القاضية بجواز الإعطاء لكلّ فقير .
ويندفع بظهور التعليل الوارد في صحيحة ابن الحجّاج في عموم المنع بحسب الفهم العرفي، حيث يستفاد منه أنّ المناط في المنع كونهم عياله ، وأ نّه الملزم بالقيام بشؤونهم والتصدّي لاُمورهم ، وأنّ صرف الزكاة عليهم كصرفها على نفسه ، وكأ نّه لم يزكّ ولم يعط شيئاً . وهذا ـ كما ترى ـ يشمل عامّة الإنفاقات حتّى المبنيّة على التوسعة ، بل أنّ هذا العموم هو المستفاد من وقوع النكرة في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) على أنّ التوثيق مخصّص بالمشايخ بلا واسطة فلا يشمل المقام .
(2) التهذيب 4 : 57 ، الاستبصار 2 : 34 .
(3) جامع المقاصد 3 : 30 ـ 31 ، مسالك الافهام 1 : 423 .
ــ[160]ــ
سياق النفي في قوله (عليه السلام) في صدر الصحيحة : «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً» إلخ .
نعم ، تتّجه هذه الدعوى في مرفوعة ابن الصلب عن الصادق (عليه السلام)، أ نّه قال : «خمسة ـ إلى قوله في الذيل : ـ لأ نّه يجبر على النفقة عليهم» (1) ، لظهورها في النفقة الواجبة الملزم بالإجبار لدى الامتناع، لكن ضعفها ـ لمكان الرفع ، مضافاً إلى خلوّ ابن ماجيلويه شيخ الصدوق عن التوثيق ـ مانعٌ عن الاعتماد عليها .
واُخرى : بُعده من النصوص الدالّة على الجواز التي بها يخرج عن إطلاقات المنع ، وهذا هو الصحيح :
منها : معتبرة أبي خديجة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لا تعط من الزكاة أحداً ممّن تعول» وقال : إذا كان لرجل خمسمائة درهم وكان عياله كثيراً «قال : ليس عليه زكاة ، ينفقها على عياله ، يزيدها في نفقتهم وفي كسوتهم وفي طعام لم يكونوا يطعمونه ـ إلى أن قال : ـ ومن كان له خمسمائة درهم بعد أن يكون له عيال ، ويجعل زكاة الخمسمائة زيادة في نفقة عياله يوسّع عليهم» (2) .
فإنّ هذه الرواية لم يفرض فيها أنّ الخمسمائة كانت معدّة للاتّجار ، فلا موجب لحملها على زكاة مال التجارة المندوبة والدوران بينها وبين التوسعة على العائلة المستحبّة لتكون خارجة عن محلّ الكلام وإن قيل بذلك ، إذ لا شاهد عليه بوجه ، بل ظاهرها أنّ الخمسمائة بقيت عنده حتّى حال عليها الحول وتعلّقت بها الزكاة الواجبة ، وقد رخّص (عليه السلام) في صرفها في توسعة العيال ومزيد الإنفاق عليهم .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 241 / أبواب المستحقين للزكاة ب 13 ح 4 .
(2) الوسائل 9 : 244 / أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 6 .
ــ[161]ــ
إذا لم يكن عنده ما يوسّع به عليهم (1) .
نعم ، يجوز دفعها إليهم إذا كان عندهم من تجب نفقته عليهم لا عليه كالزوجة للوالد أو الولد والمملوك لهما مثلاً (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنها : معتبرة إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): رجل له ثمانمائة درهم ولابن له مأتا درهم ، وله عشر من العيال ، وهو يقوتهم فيها قوتاً شديداً وليس له حرفة بيده إنّما يستبضعها فتغيب عنه الأشهر ثمّ يأكل من فضلها ، أترى له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يتّسع عليهم بها النفقة ؟ «قال : نعم ، ولكن يخرج منها الشيء الدرهم»(1) .
ومورد هذه الرواية وإن كان هو المال المعدّ للاستبضاع والاتّجار ولكنّها غير صريحة بل ولا ظاهرة في إرادة زكاة مال التجارة بالخصوص ، بل مقتضى الإطلاق وترك الاستفصال في قوله : إذا حضرت الزكاة ، شموله لحضور الزكاة الواجبة كحلول وقت زكاة الفطرة وقد رخّص (عليه السلام) في صرفها على العيال للاتّساع ومزيد الإنفاق عليهم .
وهناك نصوص اُخرى غير صالحة للاستدلال لظهورها في إرادة زكاة مال التجارة خاصّةً . وفيما ذكرناه من المعتبرتين غنىً وكفاية .
(1) لأنّ مورد المعتبرتين هو ذلك فيبقى غيره تحت إطلاقات المنع .
(2) بلا خلاف فيه ، لوضوح اختصاص أدلّة المنع بغير ذلك ، إذ التعليل الوارد فيها ظاهر فيمن هو لازم للمزكّي نفسه لا لمن يعوله المزكّي ، فتشمله حينئذ إطلاقات جواز الدفع لكلّ فقير ، السليمة عن المقيّد .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 242 / أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 1 .
|