ــ[179]ــ
الرابع : أن لا يكون هاشميّاً إذا كانت الزكاة من غيره(1) مع عدم الاضطرار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إجماعاً كما ادّعاه غير واحد، بل في الحدائق: أجمع عليه الخاصّة والعامّة(1) . وفي الجواهر : بلا خلاف أجده فيه بين المؤمنين ، بل بين المسلمين (2) .
وتدلّ عليه جملة وافرة من النصوص :
منها : صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «قال : إنّ اُناساً من بني هاشم أتوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي وقالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعل الله عزّ وجلّ للعاملـين عليها فنحن أولى به ، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : يا بني عبدالمطّلب (هاشم) ، إنّ الصدقة لا تحلّ لي ولا لكم» إلخ (3) .
ومنها : صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) : «قالا : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : إنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس ، وإنّ الله قد حرّم عليّ منها ومن غيرها ما قد حرّمه، وإنّ الصدقة لاتحلّ لبني عبدالمطّلب» الحديث (4) .
ومنها : صحيحة ابن سنان ـ يعني: عبدالله ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «قال: لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس ولا لنظرائهم من بني هاشم» (5) .
ومنها : معتبرة إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحدائق 12 : 215 .
(2) الجواهر 15 : 406 .
(3) الوسائل 9 : 268 / أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1 .
(4) الوسائل 9 : 268 / أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 2 .
(5) الوسائل 9 : 269 / أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 3 .
ــ[180]ــ
عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ، ما هي ؟ «فقال : هي الزكاة» قلت : فتحلّ صدقة بعضهم على بعض ؟ «قال : نعم» (1) .
فإنّ السند معتبر ، إذ القاسم بن محمّد ـ وهو الجوهري ـ ثقة على الأظهر كإسماعيل بن المفضّل . كما أنّ الدلالة واضحة ، حيث دلّت على أنّ حرمة الصدقة في الجملة كانت مغروسة في ذهن السائل وإنّما سأل عن حدودها .
وبإزائها معتبرة أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّال عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال: «اُعطوا الزكاة من أرادها من بني هاشم ، فإنّها تحلّ لهم ، وإنّما تحرم على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وعلى الإمـام الذي من بعده وعلى الأئمّة (عليهم السلام) » (2) .
وقد رواها المشايخ الثلاثة بطرق عديدة ، وطريق الصدوق وإن كان ضعيفاً بشيخه ماجيلويه وبمحمّد بن علي أبي سمينة المعروف بالكذب ، لكن طريق الكليني صحيح ، بل وكذلك الشيخ على الأظهر ، فإنّ طريقه إلى علي بن الحسن ابن فضّال وإن كان ضعيفاً لكن طريق النجاشي إليه صحيح وشيخهما واحد ، ولأجله يحكم بصحّة الرواية كما مرّ غير مرّة .
فما يظهر من الجواهر من الخدش في السند لقوله : بعد الغضّ عن سندها (3) غير واضح ، إلاّ أن يكون نظره إلى تضعيف الشيخ لأبي خديجة ، وقد أشرنا ، سابقاً إلى أ نّه سهو منه جزماً . وعلى أيّ حال فالسند تامّ بلا إشكال .
وأمّا الدلالة: فقد حملها في الحدائق على مورد الضرورة التي ربّما تتّفق للسادة ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 274 / أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 5 .
(2) الوسائل 9 : 269 / أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 5 ، الكافي 4 : 59 / 6 ، الفقيه 2 : 19 / 65 ، التهذيب 4 : 60 / 161 ، الاستبصار 2 : 36 / 110 .
(3) الجواهر 15 : 406 .
ــ[181]ــ
ولا فرق بين سهم الفقراء وغيره من سائر السهام (1) حتّى سهم العاملين وسبيل الله .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأمّا النبيّ والأئمّة (عليهم السلام) فلم يتّفق لهم ذلك ، وهو الفارق بينهما (1) .
ولكنّه بعيد عن ظاهر الرواية الفاقدة لأيّة قرينة تستوجب التقييد .
ونحوه في البعد ما في الجواهر من زيادة احتمال الحمل على الصدقات المندوبة بدعوى أنّ المقام الرفيع للنبيّ والأئمّة يمنع عن قبول مطلق الصدقة ، بخلاف السادة (2) .
وهو أيضاً ـ كما ترى ـ مناف لإطلاقها ، وبعيدٌ عن مساقها كما لا يخفى .
وزاد في الوسائل احتمالاً ثالثاً ، وهو الحمل على زكاة بعضهم لبعض (3) .
ولعلّ هذا أبعد الوجوه ، إذ الخطاب لأبي خديجة ولم يكن هاشميّاً ، فكيف يؤمر بإعطاء الزكاة لبني هاشم ؟!
والصحيح أن يقال : إنّ الرواية شاذّة نادرة ومثلها لا ينهض للمقاومة مع الروايات الكثيرة المشهورة التي لا يبعد دعوى التواتر الإجمالي فيها ، فلا بدّ من طرحها وردّ علمها إلى أهله .
(1) لم يتعرّض معظم الفقهاء (قدس الله أسرارهم) لحدود هذا المنع وأ نّه هل هو مطلق يشمل عامّة السهام أو يختصّ بالبعض بعد وضوح أنّ الفقير والمسكين هما القدر المتيقّن منه ، وكذلك سهم العاملين للتصريح به في صحيحة العيص المتقدّمة ، وقد تأمّل كاشف الغطاء في شمول المنع لسهام سبيل الله والرقاب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحدائق 12 : 216 .
(2) الجواهر 15 : 406 .
(3) الوسائل 9 : 270 .
ــ[182]ــ
والمؤلّفة (1) ، واحتمل بعضهم الجواز في الغارمين ، نظراً إلى أنّ الممنوع هو إعطاء الزكاة للهاشمي لا تفريغ ذمّته منها .
هذا ، والأظهر شمول المنع للجميع ، ويستفاد ذلك من النصوص الواردة في الخمس الناطقة بأ نّه جعل للهاشميّين عوضاً عن الزكاة ، معلّلاً في بعضها بأ نّها أوساخ ما في أيدي الناس ، وما ورد من أنّ لكلّ محتاج من الصنفين ـ الهاشمي وغيره ـ قد شرّع له ما يكفيه ولولا الكفاية لشرّع أكثر ، فإنّ مقتضى عموم العلّة والعوضيّة والمقابلة بين الهاشمي وغيره سريان المنع لجميع السهام ، لاتّحاد المناط وهو تشريفهم ـ زادهم الله عزّاً وشرفا ـ وتكريمهم عن دنس الأوساخ ، إلاّ ما خرج بالدليل كسهم المؤلّفة على ما ستعرف .
ويؤكّده صحيحة العيص المتقدّمة المانعة عن سهم العاملين ، فإنّ المنع عن هذا السهم الذي لا ذلّة فيه ـ لوقوعه بإزاء العمل ـ يستدعي المنع عن غيره من السهام بالطريق الأولى ، فلا يجوز الرفع لهم من شيء من السهام حتّى الرقاب إن كان له مصداق ، كما لو تزوّج الهاشمي أمة واشترط عليه رقّيّة الولد إن قلنا بصحّة الشرط وحصول الرقّيّة ، فإنّ المسألة خلافيّة ، فلا يجوز فكّ رقبته من هذا السهم ، وهكذا سهم الغارمين وسبيل الله وغيرها ، لإطلاق دليل المنع حسبما عرفت .
نعم ، لا بأس بالصرف من سهم المؤلّفة قلوبهم ، كما لـو ارتدّ الهاشمي أو كان من ذرّيّة أبي لهب ـ مثلاً ـ ولم يكن في سلسلتهم مسلم .
والوجه فيه : أنّ مناط المنع هو التعظيم والتكريم ، والكافر لا حرمة له ومن ثمّ لا يستحقّ الخمس . وإن شئت قلت : إنّ الممنوع من الزكاة هو الهاشمي الذي كان الخمس له عوضاً عنها ، وحيث إنّ الكافر لا خمس له أو لا حرمة له ولا كرامة فلا مانع من دفع الزكاة إليه من هذا السهم .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كشف الغطاء : 356 .
|