حلّيّة زكاة الهاشمي لكل أحد هاشميّاً كان أم غيره - المحرّم من صدقات غير الهاشمي عليه 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6404


ــ[183]ــ

نعم ، لا بأس بتصرّفه في الخانات والمدارس وسائر الأوقاف المتّخذة من سهم سبيل الله(1) . أمّا زكاة الهاشمي فلا بأس بأخذها له(2) من غير فرق بين

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) يستدل له ـ كما في الجواهر(1) وغيره ـ بقيام السيرة على تصرّف الهاشمي كغيره في هذه الاُمور وإن كانت متّخذة من الزكاة .

   وفيه ما لا يخفى ، فإنّ إثبات أنّ تلك المشاريع العامّة كانت في عصور الأئمّة (عليهم السلام) متّخذة من الزكاة وأنّ بني هاشم كانوا يتصرّفون فيها بهذا العنوان مشكل جدّا .

   بل الأولى الاستدلال له بخروجها فعلاً عن عنوان الزكاة واندراجها تحت الموقوفات العامّة وإن كانت اُصولها متّخذة منها ، فأدلّة منع الهاشمي غير شاملة لها ، لانتفاء الموضوع ، فإنّها نظير تناول الهاشمي الزكاة بهبة ونحوها عن يد مستحقّها بعد وصولها إليه .

   وبالجملة : الممنوع هو الدفع إلى الهاشمي ولو من سهم سبيل الله وتصرّفه فيه بعنوان الزكاة كإرساله منه إلى الحجّ ، لما عرفت من إطلاق الدليل ، وأمّا مع تبدّل العنوان وتغيير الموضوع كما في المقام فلا محذور فيه حسبما عرفت .

   (2) فالممنوع هو أخذ الهاشمي الزكاة من غيره ، أمّا هو فتحلّ زكاته لكلّ أحد هاشميّاً كان أم غيره ، وتشهد له جملة من النصوص بعد قيام الإجماع عليه بقسميه ـ كما في الجواهر (2) ـ :

   منها : معتبرة إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ، ما هي ؟ «فقال : هي الزكاة» قلت :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 15 : 407 .

(2) الجواهر 15 : 408 .

ــ[184]ــ

السهام أيضاً (1) حتّى سهم العاملين ، فيجوز استعمال الهاشمي على جباية صدقات بني هاشم ، حتّى سهم العاملين ، فيجوز استعمال الهاشمي على جباية صدقات بني هاشم ، وكذا يجـوز أخذ زكاة غير الهاشمي له مع الاضطرار إليها (2) وعدم كفاية الخمس وسائر الوجوه .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فتحلّ صدقة بعضهم على بعض ؟ «قال : نعم» (1) .

   فإنّ القاسم بن محمّد الواقع في السند هو الجوهري الثقة ، ولم يكن مردّداً بينه وبين الاصفهاني الضعيف ـ كما قيل ـ بقرينة رواية الحسين بن سعيد عنه ، فإنّ الراوي عن الثاني إنّما هو البرقي لا الحسين ، لاختلاف الطبقة ، مضافاً إلى رواية الكليني عنه بطريق آخر خال عنه ، فالرواية صحيحة أو موثّقة باعتبار أبان بن عثمان الواقع في طريق الكليني .

   ومنها : صحيحة محمّد بن أبي نصر البزنطي عن الرضا (عليه السلام) ، قال : سألته عن الصدقة ، تحلّ لبني هاشم ؟ «فقال : لا ، ولكن صدقات بعضهم على بعض تحلّ لهم» إلخ (2) .

   ومنها : صحيحة الجعفري عن أبي عبدالله (عليه السلام)، أ نّه قيل له : الصدقة لا تحلّ لبني هاشم ؟ فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : «إنّما ذلك محرّم علينا من غيرنا ، فأمّا (من) بعضنا على بعض فلا بأس بذلك» (3) ، ونحوها غيرها .

   (1) لإطلاق أدلّة الجواز كإطلاق أدلّة المنع حسبما تقدّم .

   (2) إجماعاً كما ادّعاه غير واحد، وتدلّ عليه ـ مضافاً إلى عمومات الاضطرار

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 274 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 5 ، الكافي 4 : 59 / 5 .

(2) الوسائل 9 : 276 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 8 .

(3) الوسائل 9 : 276 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 9 .

ــ[185]ــ

وأ نّه ما من شيء حرّمه الله إلاّ قد أحلّه عند الضرورة، فالحكم مطابق للقاعدة  ـ موثّقة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ  في حديث  ـ «قال : إنّه لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطّلبي إلى صدقة ، إنّ الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم ـ ثمّ قال : ـ إنّ الرجل إذا لم يجد شيئاً حلّت له الميتة ، والصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلاّ أن لا يجد شيئاً ويكون ممّن يحلّ له الميتة» (1) .

   والمذكور في الوسائل الطبعة الجديدة : «إلاّ أن يجد» وصحيحة : «إلاّ أن لا يجد»(2) فسقطت أداة النفي من النسّاخ أو المطبعة وهي موجودة في المصدر، وقد دلّت على إناطة الحلّيّة بالضرورة على حدّ حليّيّة أكل الميتة ، فلا يجوز أخذها إلاّ إذا تعذّرت الإعاشة بدونها .

   لكن المذكور في كلمات جماعة من الفقهاء ـ وفيهم جملة من المتقدّمين ـ أنّ العبرة في الحلّيّة بعدم إعطاء الخمس لهم أو عدم كفايته ، سواء أمكن التعيّش بالوجوه الاُخر من الصدقات المندوبة ونحوها أم لا .

   بل ظاهر السيّد المرتضى في الانتصار قيام الإجماع على جواز أخذها عند عدم الخمس والحرمان منه ، سواء تحقّقت الضرورة في أخذها أم لا ، وأنّ ذلك ممّا انفردت به الإماميّة . وعلّله بأنّ الخمس هو عوض عن الزكاة ، فإذا مُنعوا وحُرموا عن العوض أخذوا المعوّض .

   أقول : إن تمّ الإجماع التعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) فهو، ولكنّه لا يتمّ كما لا يخفى . وعليه ، فلا سبيل للحكم بالجواز إلاّ عند الاضطرار وعدم إمكان الإعاشة بشيء من الوجوه المنطبقة .

   والوجه فيه : أنّ معظم الهاشميين كانوا محرومين من الخمس في عصر صدور

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 276 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 33 ح 1 .

(2) كذا في الوسائل المحقّق جديدا .

ــ[186]ــ

ولكن الأحوط حينئذ الاقتصار على قدر الضرورة يوماً فيوماً مع الإمكان(1).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه الأخبار عن الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، لابتلائهم بخلفاء الجور وغيرهم من أبناء العامّة المعـاندين لهم والمانعـين حقّهم من الخمس ، بل أنّ كثيراً من خواصّهم لقلّة ابتلائهم به لم يكونوا يعرفون كثيراً من أحكامه ، ومع ذلك فقد صدرت هذه الأخبار ومنعتهم عن أخذ الزكاة . وهذا ـ كما ترى ـ خير شاهد على أنّ مجرّد منعهم عن الخمس وحرمانهم عنه لا يكون مجوّزاً لأخذ الزكاة ما لم يصل حدّ الضرورة الملحّة البالغة حدّ أكل الميتة كما تضمّنه النصّ .

   وأمّا التعليل بالعوضيّة فلا يخلو عن الغرابة ، ضرورة أنّ العوضيّة إنّما هي في الجعل والتشريع لا في متعلّق الجعل ـ  أعني : المال الخارجي  ـ فالزكاة جعلها الله سبحانه للفقراء ، وبدلاً عن ذلك جعل الخمس للسادة ، وهذه البدليّة والعوضيّة باقية أبديّة ، سواء اُعطي الخمس لهم خارجاً أم لا ، فلا سقوط له لينتقل إلى المعوّض ، لما عرفت من أنّ التعويض إنّما هو في الجعل لا في المجعول .

   والمتحصّل : أنّ العبرة بالضرورة ، فمتى تحقّقت حلّت الزكاة وإلاّ فلا .

   (1) قد عرفت أنّ العبرة بصدق الضرورة، ويختلف أمدها باختلاف المقامات، فربّما تندفع الضرورة بوجبة واحدة من الغذاء أو العشاء ، واُخرى بأقلّ من يوم وثالثة بيوم كامل ، وربّما يعلم باحتياجه في أكثر من ذلك كما لو كان في بادية يعلم باضطراره إليها لمؤونة شهر أو شهور بل سنة ، بحيث ربّما يموت من الجوع لو لم يستلم فعلاً ما يكفيه لهذه المدّة ، وربّما يكون مديناً بمبلغ كثير جدّاً ويضطرّ إلى أدائه وإلاّ لعوقب أو اُهين بما لا يتحمّل ، فإنّه يجوز له الأخذ في هذه الموارد بمقدار الحاجة .

   وعلى الجملة : فلا خصوصيّة للتحديد باليوم كما في المتن، بل المدار والاعتبار باندفاع الاضطرار وهو يختلف باختلاف الموارد حسبما عرفت .

ــ[187]ــ

   [ 2751 ] مسألة 21 : المحرّم من صدقات غير الهاشمي عليه إنّما هو زكاة المال الواجبة (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لا إشكال كما لا خلاف في جواز دفع الصدقات المندوبة للهاشميّين ، للنصوص الكثيرة كما ستعرف ، فالمحرّم هو خصوص الصدقات الواجبة .

   وإنّما الكلام في أنّ الحرام هل هو مطلق الصدقات أو خصوص الزكاة المفروضة؟ وعلى الأوّل: فهل يختصّ بما وجب بعنوان الصدقة نفسها كالكفّارات ، أو يشمل حتّى الواجب بعنوان آخر من نذر أو وصيّة ونحوهما ؟ فنقول : النصوص الواردة في المقام على طوائف ثلاث :

   الاُولى : ما دلّ على أنّ المحرّم هو مطلق الصدقة ، كصحيحة ابن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «قال : لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس ولا لنظرائهم من بني هاشم» (1) .

   وصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) : «قالا : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : إنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس ، وإنّ الله قد حرّم عليّ منها ومن غيرها ما قد حرّمه ، وإنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبدالمطّلب» الحديث (2) .

   الثانية : ما دلّ على اختصاصها بالصدقة الواجبة ، كصحيحة جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : قلت له : أتحلّ الصدقة لبني هاشم ؟ «فقال : إنّما (تلك) الصدقة الواجبـة على الناس لا تحلّ لنا ، فأمّا غير ذلك فليس به بأس ، ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكّة ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 269 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 3 .

(2) الوسائل 9 : 268 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 2 .

ــ[188]ــ

هذه المياه عامّتها صدقة» (1) .

   والهاشمي المزبور موثّق وهو من أولاد جعفر الطيّار ، ينسب إليه تارةً فيقال له : الجعفري ، وقد يطلق عليه الهاشمي .

   الثالثة : ما تضمّن تفسير الصدقة المحرّمة بالزكاة المفروضة ، كمعتبرة إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ، ما هي ؟ «فقال : هي الزكاة» إلخ (2) .

   المؤيّدة برواية زيد الشحّام عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الصدقة التي حرّمت عليهم؟ «فقال : هي الزكاة المفروضة، ولم يحرّم علينا صدقة بعضنا على بعض» (3) .

   هذا ، ولا بدّ من حمل الطائفة الاُولى على زكاة المال، لما في بعضها من التعليل بأ نّها أوساخ الناس ، ضرورة أ نّها هي التي تزيل الأوساخ وتطهّر الأموال كما اُشير إليه في قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم) (4) .

   ومع الغضّ وتسليم الإطلاق فهو مقيّد بالطائفة الثانية الدالّة على الاختصاص بالصدقة الواجبة . إذن فالصدقات المندوبة غير محرّمة إمّا لعدم كونها مشمولة للطائفة الاُولى ، أو على تقدير الشمول فهي خارجة بالطائفة الثانية ولا سيّما بملاحظة ما في ذيلها من قوله : «ولو كان كذلك» إلخ .

   وبالجملة : فموضوع الحرمة إنّما هي الصدقات الواجبة لا غير .

   وهل تختصّ هذه الطائفة بالزكاة المفروضة، أو تعمّ غيرها من سائر الصدقات

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 272 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 3 .

(2) الوسائل 9 : 274 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 5 .

(3) الوسائل 9 : 274 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 4 .

(4) التوبة 9 : 103 .

ــ[189]ــ

الواجبة كالكفّارات والنذورات وما شاكلها ؟

   الظاهر هو الأوّل ، وذلك بقرينة تقييد الوجوب بقوله (عليه السلام) : «على الناس» الظاهر في إرادة الواجب الثابت على كافّة الناس من غير اختصاص بصنف أو الصادر عن سبب خاصّ، ومن الواضح أنّ ما هذا شأنه هو خصوص الزكاة المفروضة بنوعيها ولا سيّما زكاة الفطرة ، فإنّها المتعلّقة بعامّة الناس عند تحقّق شرائطها ، دون الكفّارات ، لاختصاصها بمن صدر عنه موجبها ، وهكذا المنذورة والموصى بها ، ولا أقلّ من الإجمال الموجب للرجوع إلى الإطلاقات الأوّلية .

   ومع التنازل وتسليم الإطلاق فيرفع اليد ويقيّد بالطائفـة الثالثة المفسّرة للصدقة بالزكاة المفروضة ، فلا حرمة إذن في غيرها .

   هذا كلّه في الصدقات الواجبة بعنوان أ نّها صدقة .

   وأمّا الواجبة بعنوان آخر من وصيّة أو نذر أو شرط في ضمن عقد وما شاكلها فالظاهر أيضاً عدم الحرمة حتّى لو سلّمناها في مطلق الصدقات الواجبة بعناوينها ، وذلك لأنّ مورد التسليم إنّما هو الصدقة الواجبة ، وأمّا في الموارد المزبورة فلم يتعلّق الوجوب بنفس الصدقة ، بل هي باقية على ما هي عليه من الاستحباب ، وإنّما تعلّق بالعمل بالوصيّة أو الوفاء بالنذر أو الشرط في ضمن العقد، فالواجب هو تنفيذ هذه الاُمور المتعلّقة بالصدقة المندوبة لا نفس الصدقة لتحرم على الهاشمي .

   ويكشف عمّا ذكرناه أ نّك قد عرفت جواز دفع الصدقة المندوبة إلى الهاشمي ، بل كونه أفضل وأرجح لو أعطاه كرامةً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) رجاءً لشفاعته . وعليه ، فلو نذر دفعها إليه بخصوصه ، أفهل يحتمل تحريمه بالنذر بل عدم انعقاده لبطلان النذر المتعلّق بالمحرّم ؟ لا نظنّ أن يلتزم به الفقيه .

   وأيضاً لو استأجر أحداً لإيصال صدقته المندوبة إلى الهاشمي ، فإنّ الدفع

ــ[190]ــ

وزكاة الفطرة (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

واجب حينئذ على الأجير بمقتضى عقد الإيجار ، وبناءً على التعميم لا يجوز بل تبطل الإجارة ، لوقوعها على العمل المحرّم ، وهو أيضاً كما ترى .

   وكلّ ذلك يكشف عن أنّ موضوع الحرمة هو خصوص الصدقة الواجبة بعنوان أ نّها صدقة لا بعنوان آخر من نذر أو إجارة أو وصيّة وما شاكلها .

   وممّا ذكرنا تعرف حكم المظالم والتصدّق بمجهول المالك وجواز دفعه إلى الهاشمي أيضاً ، وذلك لظهور الأدلّة في اختصاص الحرمة بالصدقة الواجبة على نفس المالك، وفي المقام ليس كذلك ، بل الوجوب قد تعلّق بشخص آخر تصدّق عن المالك المجهول أو المعلوم الذي لا يمكن الوصول إليه ، فيكون المباشر للتصدّق غير من يتصدّق عنه ، ومصداق من يجب عليه غير المالك ، ومثله خارج عن مدلول الأدلّة المانعة وغير مشمول لها رأساً كما لا يخفى .

   والمتحصّل من جميع ما ذكرناه : أ نّه على تقدير القول بحرمة مطلق الصدقات الواجبة يختصّ ذلك أوّلاً بما إذا كان الوجوب ثابتاً لعنوان الصدقة ، وثانياً بما إذا كان الوجوب متعلّقاً بنفس المالك المباشر للصدقة ، فمجهول المالك خارج عن ذلك كالمنذور والموصى به ، ويبقى تحته الكفّارات على الإطلاق لو لم نقل بخروجها أيضاً بمقتضى صحيحة إسماعيل بن الفضل والاختصاص بالزكاة المفروضة حسبما عرفت .

   (1) الظاهر عدم الخلاف في شمول الحكم للزكاة بنوعيها من المال والفطرة، بل ادّعي الإجماع عليه ، لكن إثباته بالروايات قد لا يخلو عن صعوبة .

   قال في الجواهر ما لفظه : بل لولا ما يظهر من الإجماع على اعتبار اتّحاد مصرف زكاة المال وزكاة الفطرة بالنسبة إلى ذلك لأمكن القول بالجواز في زكاة الفطرة اقتصاراً على المنساق من هذه النصوص من زكاة المال ، خصوصاً ما

ــ[191]ــ

ذكر فيه صفة التطهير للمال ، الشاهد على كون المراد من غيره ذلك أيضاً (1) .

   أقول : لا حاجة إلى التمسّك بالإجماع ، فإنّ بعض الأخبار وإن كان موردها زكاة المال ـ خصوصاً المتضمّن للتعليل بالأوساخ ـ إلاّ أنّ أكثرها مطلقة وشاملة لكلّ صدقة بعد تخصيصها بالواجبة بالنصوص المعتبرة حسبما تقدّم ، وإطلاق هذه غير قاصر الشمول لزكاة الفطرة كما لا يخفى ، فإنّ تقييد إطلاق هذه بتلك كما ترى .

   بل أنّ زكاة الفطرة أولى بالحرمة :

   أوّلاً : لمساعدة الاعتبار ، فإنّها زكاة البدن ومزيلة لأوساخه ، ومن الظاهر أنّ أوساخ البدن أخسّ من أوساخ المال ، فهي أولى بالتجنّب وترفّع الهاشمي عنها .

   وثانياً : أ نّها القدر المتيقّن من الزكاة المشار إليها في قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) إلخ ، نظراً إلى أنّ تشريعها كان قبل تشريع زكاة المال كما نطقت به صحيحة هشام بن الحكم عن الصادق (عليه السلام) ـ في حديث ـ «قال : نزلت الزكاة وليس للناس أموال وإنّما كانت الفطرة»(2) .

   بل قد ورد في جملة من الروايات ـ التي منها رواية إسحاق بن عمّار(3) ـ تفسير الزكاة في قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)(4) بزكاة الفطرة وإن كانت أسانيدها غير نقيّة .

   بل من أجل الصحيحة المزبورة يحكم بجواز صرف زكاة الفطرة في المصارف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 15 : 413 .

(2) الوسائل 9 : 317 /  أبواب زكاة الفطرة ب 1 ح 1 .

(3) الوسائل 9 : 320 /  أبواب زكاة الفطرة ب 1 ح 10 .

(4) البقرة 2 : 43 .

ــ[192]ــ

وأمّا الزكاة المندوبة ولو زكاة مال التجارة وسائر الصدقات المندوبة فليست محرّمة عليه (1) ، بل لا تحرم الصدقات الواجبة ما عدا الزكاتين عليه أيضاً كالصدقات المنذورة والموصى بها للفقراء والكفّارات ونحوها  كالمظالم إذا كان من يدفع عنه من غير الهاشميين ، وأمّا إذا كان المالك المجهول الذي يدفع عنه الصدقة هاشميّاً فلا إشكال أصلا .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الثمانية كزكاة المال ، وإلاّ فلم يرد في شيء من الروايات جواز صرف زكاة الفطرة فيها . إذن فلا ينبغي التأمّل في شمول أدلّة المنع لكلا نوعي الزكاة .

   (1) لما عرفت من الإجماع المدّعى عليه في كلمات غير واحد ، بل بقسميه كما في الجواهر ، مضافاً إلى النصوص الصريحة في ذلك حسبما تقدّم ، ومع ذلك فربّما يحتمل أو يقال بشمول المنع لها .

   ويستدلّ له بوجهين :

   أحدهما : ما في نهج البلاغة من قوله (عليه السلام) : «أصلة أم زكاة أم صدقة فذلك محرّم علينا أهل البيت» (1) .

   وفيه أوّلاً : ما ذكرناه في محلّه من أنّ الاعتماد على نهج البلاغة والاستدلال به لإثبات حكم من الأحكام الشرعيّة مشكل جدّا .

   وثانياً : مع الغضّ عن ذلك فهو معارض بالنصوص الكثيرة المتقدّمة الصريحة في جواز أخذ الصدقات المندوبة بحيث لا يقاومها ولا سبيل لرفع اليد عنها ، بل لا بدّ من حمل ما في النهج على ما لا ينافيها ، ولا يبعد أن يحمل على الصدقات المعطاة لرفع البلاء ورفع الآلام والأسقام ، فإنّ فيها من الذلّة والخسّة ما لا يخفى بحيث تأبى النفوس العالية عن أخذها فضلاً عن آل المصطفى (صلّى الله عليه وآله)،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نهج البلاغة 2 (شرح محمد عبده) : 244 .

ــ[193]ــ

ولكن الأحوط في الواجبة عدم الدفع إليه (1) ، وأحوط منه عدم دفع مطلق

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وعليها يحمل ما ورد عن الصدِّيقة الصغرى زينب الكبرى (سلام الله عليها) من منع الأطفال عنها قائلةً : إنّها محرّمة علينا أهل البيت (1) .

   ثانيهما : رواية إبراهيم بن محمّد بن عبدالله الجعـفري قال : كنّا نمرّ ونحن صبيان فنشرب من ماء في المسجد من ماء الصدقة ، فدعانا جعفر بن محمّد (عليه السلام) فقال : «يا بنيّ ، لا تشربوا من هذا الماء واشربوا من مائي» (2) .

   وفيه أوّلاً : أ نّها ضعيفة السند جدّاً، لجهالة الراوي ، ولا يصغى إلى ما احتمله الميرزا في رجاله الوسيط من أنّ المراد به هو إبراهيم بن أبي الكرام الجعفري الثقة(3) ، لاختلاف الطبقة ، لأ نّه من أصحاب الرضا (عليه السلام) ولم يذكر من أصحاب الكاظم (عليه السلام) فضلاً عن الصادق الذي وردت هذه الرواية عنه (عليه السلام) فهو طبعاً شخص آخر . على أنّ مجرّد الاحتمال لا ينفع ولا يغني عن الحقّ، مضافاً إلى جهالة الراوي الذي قبله ـ  أعني : محمّد بن علي ابن خلف العطّار  ـ فإنّه لم يذكر في كتبهم ، وليس له ظاهراً غير هذه الرواية .

   وثانياً : أ نّها قاصرة الدلالة ، إذ النهي متوجّه إلى الأطفال ولا تكليف عليهم، فتحمل على نوع من التنزيه ، على أ نّها قضيّة في واقعة ، ومن الجائز أن يكون الماء متّخذاً من الزكاة الواجبة من سهم سبيل الله بحيث يكون الماء بدلاً عنها ، فلا تدلّ على حرمة الصدقة المندوبة التي هي محلّ الكلام .

   (1) رعايةً لما عن جماعة من القول بالمنع في مطلق الصدقة الواجبة ، استناداً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ مقتل أبي مخنف : 161 والبحار 45 : 114 .

(2) الوسائل 9 : 272 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 2 .

(3) تلخيص المقال : 14 .

ــ[194]ــ

الصدقة ولو مندوبة(1) خصوصاً مثل زكاة مال التجارة (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلى إطلاق جملة من الأخبار ، وقد عرفت ضعفه .

   (1) رعايةً لاحتمال شمول المنع لها ، وقد عرفت آنفاً وجهه مع ضعفه .

   (2) لم تظهر خصوصيّة لزكاة مال التجارة من بين الصدقات المندوبة ما عدا تسميتها باسم الزكاة ، ولكن طبيعي ما يسمّى بهذا الاسم لم يكن موضوعاً للمنع ، بل الموضوع في لسان الأخبار خصوص الزكاة المفروضة ، فما عداها ملحق بالصدقات المندوبة .

   أجل ، حيث إنّ جمعاً من الأصحاب ذهبوا إلى شمول المنع لهذه الزكاة أيضاً كان الاحتياط حسناً وفي محلّه حذراً عن مخالفتهم .

   بقي الكلام في أمرين لم يتعرّض لهما الماتن (قدس سره) :

   الأوّل :  المشهور والمعروف أنّ الممنوع عن أخذ الزكاة هو من كان من ولد هاشم دون غيره من سائر قريش ، بل لعلّه المتسالم عليه بينهم ، غير أنّ المنسوب إلى الشيخ المفيد (قدس سره) تعميم الحكم لولد المطّلب الذي هو أخو هاشم وعمّ عبدالمطّلب(1) ، وقد تفرّد بهذا القول ، حيث لم ينسب إلى غيره ولم يعرف له مستند ما عدا رواية واحدة ، وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ «قال : إنّه لو كان العدل لما احتاج هاشمي ولا مطّلبي إلى صدقة ، إنّ الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم» إلخ (2) .

   وقد نوقش في سندها تارةً من أجل علي بن الحسن بن فضّال ، واُخرى من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المدارك 5 : 256 .

(2) الوسائل 9 : 276 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 33 ح 1 .

ــ[195]ــ

أجل ضعف طريق الشيخ إليه . وكلاهما مردود :

   أمّا الأوّل : فلكفاية وثاقة الراوي وإن كان واقفيّاً ، ولا تعتبر فيه العدالة، ولا شكّ في وثاقة الرجل كما صرّح بها النجاشي (1) وغيره ، مضافاً إلى ما ورد في بني فضّال ـ على ما حكاه الشيخ (قدس سره) ـ من قوله (عليه السلام) : «خذوا ما رووا وذروا ما رأوا» (2) .

   وأمّا الثاني : فلمّا مرّ غير مرّة من أنّ طريق الشيخ إليه وإن كان ضعيفاً لكن طريق النجاشي صحيح، وحيث إنّ شيخهما واحد ـ وهو عبدالواحد  بن عبدوس ـ والكتاب المنقول عنه واحد فلا جرم يحكم بصحّة الطريق . إذن فلا ينبغي التأمّل في صحّة السند .

   وأمّا من ناحية الدلالة فاحتمل بعضهم وقوّاه في الحدائق (3) أن يكون المقصود من المطّلبي هو أولاد عبدالمطّلب ، إذ قد يحذف المضاف عند النسبة فيقال : منافي ، لبني عبد مناف ، ولا يقال : عبد منافي ، وحيث إنّ ولد هاشم منحصر في عبدالمطّلب وجميع الهاشميين منسوبون إليه بواسطته إذن فعطف المطّلبي على الهاشمي يكون من سنخ العطف التفسيري ، فلا تكون الرواية مخالفة لما عليه المشهور من اختصاصه التحريم ببني هاشم ولا تصلح مدركاً لمقالة المفيد .

   ولكنّك خبير بأنّ هذا الاحتمال من البعد بمكان ، فإنّ تكرار أداة النفي في قوله : «ولا مطّلبي» يأبى عن إرادة التفسير ، لقوّة ظهوره في أنّ كلاًّ منهما موضوع مستقلّ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال النجاشي : 257 / 676 .

(2) كتاب الغيبة : 240 .

(3) الحدائق 12 : 216 ـ 217 .

ــ[196]ــ

   نعم ، لو كان لهاشم ولد غير عبدالمطّلب لأمكن أن يكون من قبيل عطف الخاصّ على العامّ ويكون ذكره من باب الاهتمام ، لكنّك عرفت انحصار ولده فيه ، وظاهره أ نّه من عطف المباين على مثله .

   فالصحيح أن يقال : إنّ الرواية شاذّة نادرة ومخالفة للروايات المشهورة الدالّة على اختصاص التحريم بما عُبّر عنه تارةً ببني هاشم واُخرى ببني عبدالمطّلب ـ والنتيجة واحدة كما عرفت ـ وحيث لاتنهض للمقاومة معها فلابدّ من طرحها وردّ علمها إلى أهله .

   على أنّ هذا البحث قليل الجدوى ، لانقراض من ينسب إلى المطّلب أخي هاشم في العصر الحاضر،  بل الكلّ هاشميّون وأكثرهم علويّون ، ولعلّ فيهم من العبّاسيّين ولا وجود لغيرهما .

   الأمر الثاني :  المعروف بل المتسالم عليه بينهم أنّ المناط في صدق عنوان الهاشمي هو الانتساب إلى هاشم من ناحية الأب دون الاُم ، فإنّ سبط الرجل وإن كان ولده لغةً وربّما يرثه شرعاً إلاّ أنّ العبرة في النسبة إلى الطوائف والقبائل بحسب الصدق العرفي هو ملاحظة الآباء فيقال: بني تميم ، بني كعب ، بني مضر، أو تميمي أو كعبي أو خزرجي ، لأولاد هؤلاء المنسوبين إليهم من ناحية الآباء فقط .

   وربّما يشير إليه قوله تعالى : (ادْعُوهُمْ لاِبائِهِمْ) إلخ (1) .

   ويؤيّده ما رواه الكليني عن العبد الصالح (عليه السلام) ـ في حديث طويل ـ : «قال : ومن كانت اُمّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ له ، وليس له من الخمس شيء ، فإنّ الله يقول : (ادْعُوهُمْ لاِبَائِهِمْ) »(2) ، فإنّها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأحزاب 33 : 5 .

(2) الوسائل 9 : 271 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 30 ح 1 ، الكافي 1 : 453 / 4 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net