ــ[202]ــ
فصل
في بقيّة أحكام الزّكاة
وفيه مسائل :
[ 2754 ] الاُولى : الأفضل بل الأحوط نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط (1) في زمن الغيبة لا سيّما إذا طلبها ، لأ نّه أعرف بمواقعها ، لكن الأقوى عدم وجوبه ، فيجوز للمالك مباشرةً أو بالاستنابة والتوكيل تفريقها على الفقراء وصرفها في مصارفها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نسب إلى المفيد والحلبي وجوب نقل الزكاة إلى الإمام (عليه السلام) مع حضوره وإلى الفقيه الجامع للشرائط لدى غيبته (1) . ولكنّه لم ينهض عليه أيّ دليل يمكن التعويل عليه ، بل يظهر من بعض الأخبار جواز الاستقلال ومباشرة المالك بنفسه كما ستعرف .
والاستدلال لذلك بقوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرَهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) (2) بتقريب أنّ وجوب الأخذ عليه (صلّى الله عليه وآله) يستلزم وجوب الدفع إليه ، لما بينهما من الملازمـة ، ثمّ من بعده ممّن يقوم مقامه من الأئمّة المعصومين ، ثمّ العلماء العاملين الجامعين لشرائط الفتوى .
مدفوعٌ أوّلاً : بأنّ الأمر بالأخذ بقرينة ما بعده مقدّمة للتطهير ولا موضوعيّة له بحيث لا تبرأ الذمّة بدونه ، فإذا كانت الطهارة حاصلة لتصدِّي المالك للدفع
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نسبه صاحب المدارك 5 : 259 ، وهو في المقنعة : 252 ، الكافي في الفقه : 172 .
(2) التوبة 9 : 103 .
ــ[203]ــ
بالمباشرة فلا موضوع للأخذ منهم ثانياً .
نعم ، مجرّد دعوى الدفع غير كافية ما لم تثبت بحجّة قاطعة ، أمّا مع ثبوتها فلا مجال للتكرار، لما عرفت من أنّ الأمر لم يكن ملحوظاً على سبيل الاستقلال، ولو كان لوجب بطبيعة الحال .
وثانياً : أ نّه لو تمّ لاختصّ بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) والوصي (عليه السلام)، لبسط يدهما وتمكّنهما من أخذ الزكوات وجمعها وتفريقها بين المؤمنين وصرفها في مصالح المسلمين ، ولا يعمّ غيرهما من سائر المعصومين (عليهم السلام) فضلاً عن علماء الدين ، لظروفهم الخاصّة المانعة عن القيام بهذا المهمّ ، فلا يجب عليهم الأخذ ليجب الدفع ، ومن ثمّ لم يعهد عنهم تصدّيهم لجباية الزكوات .
بل في رواية جابر إيكالها إلى المالك وأ نّهم (عليهم السلام) إنّما يتصدّون لذلك إذا قام قائمهم ، قال أقبل رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) وأنا حاضر فقال : رحمك الله ، اقبض منِّي هذه الخمسمائة درهم فضعها في موضعها فإنّها زكاة مالي ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : «بل خذها أنت فضعها في جيرانك والأيتام والمساكين وفي إخوانك من المسلمين ، إنّما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنّه يقسّم بالسويّة ويعدل في خلق الرحمن ، البرّ منهم والفاجر» (1) .
نعم ، إنّ الرواية ضعيفة السند أوّلاً بـ : عمرو بن شمر ، فقد ضعّفه النجاشي قائلاً : ضعيف جدّاً زيد أحاديث في كتب جابر الجعفي ينسب بعضها إليه (2) .
وما في الوسائل(3) والحدائق(4) من ضبط الكلمة هكذا: عمر بن شمر، غلط ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 282 / أبواب المستحقين للزكاة ب 36 ح 1 .
(2) رجال النجاشي : 287 .
(3) في الوسائل المحقق جديداً : عمرو بن شمر .
(4) الحدائق 12 : 223 .
ــ[204]ــ
وصوابه ما عرفت ، إذ هو الذي يروي عن جابر دون غيره .
وثانياً بـ : سفيان بن عبدالمؤمن الأنصاري ، فإنّه أيضاً ضعيف . فلا تصلح إلاّ للتأييد .
والمتحصّل : أ نّه لا دليل على اعتبار النقل إلى الإمام أو نائبه الخاصّ أو العامّ في تفريغ الذمّة ، ومعه كان مقتضى إطلاقات الأدلّة من الكتاب والسنّة كفاية مجرّد الإيصال ، سواء أكان بالمباشرة أم مع الواسطة .
بل قد عرفت ورود روايات كثيرة دلّت على إيكال أمرها إلى المالك ليضعها حيث يشاء وأنّ له الولاية عليها ، وهي على طوائف :
الاُولى : ما دلّ على جواز النقل إلى بلد آخر .
فمنها : صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها ، أله أن يخرج الشيء منها من البلدة التي هو فيها (بها) إلى غيرها ؟ «فقال : لا بأس» (1) .
ومنها : صحيحة يعقوب بن شعيب الحدّاد عن العبد الصالح (عليه السلام) ، قال : قلت له : الرجل منّا يكون في أرض منقطعة ، كيف يصنع بزكاة ماله ؟ «قال : يضعها في إخوانه وأهل ولايته» فقلت : فإن لم يحضره منهم فيها أحد ؟ «قال : يبعث بها إليهم» الحديث (2) ونحوهما غيرهما .
فقد دلّت هذه الطائفة على أنّ جواز تصدّي المالك بنفسه للقسمة أمر مسلّم مفروغ عنه مرتكز في ذهن السائل ، وإنّما السؤال عن جواز النقل وعدمه .
الثانية : ما دلّ على جواز أخذ المقسّم شيئاً من الزكاة لنفسه إذا كان مورداً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 282 / أبواب المستحقين للزكاة ب 37 ح 1 .
(2) الوسائل 9 : 283 / أبواب المستحقين للزكاة ب 37 ح 3 .
ــ[205]ــ
لها ، وفي بعضها تقييد الآخذ بمقدار ما يعطى لغيره .
منها : معتبرة سعيد بن يسار ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يعطى الزكاة فيقسّمها في أصحابه ، أيأخذ منها شيئاً ؟ «قال : نعم» (1) .
ومنها : معتبرة الحسين بن عثمان عن أبي إبراهيم (عليه السلام) : في رجل اُعطي مالاً يفرّقه فيمن يحلّ له ، أله أن يأخذ منه شيئاً لنفسه وإن لم يسمّ له ؟ «قال : يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره» (2) .
ومنها : صحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها ويضعها في مواضعها وهو ممّن تحلّ له الصدقة «قال : لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره» إلخ (3) .
دلّت كالسابقة على المفروغيّة عن الولاية وإنّما السؤال عن خصوصيّات اُخرى.
الثالثة : الروايات الواردة في جواز شراء العبيد من الزكاة وعتقهم ، المذكورة في الباب 43 من الوسائل ، فإنّها أيضاً ظاهرة في المفروغيّة المزبورة .
الرابعة : ما ورد في جواز قضاء دين الأب من الزكاة فيما إذا لم يكن له مال(4) ، فإنّها أيضاً ظاهرة في ذلك .
وتدلّ عليه أيضاً صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاث أوقات ، أيؤخّرها حتّى يدفعها في وقت واحد ؟ «فقال : متى حلّت أخرجها» إلخ (5) ، فإنّها صريحة في التصدّي للإخراج بنفسه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 287 / أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 1 .
(2) الوسائل 9 : 288 / أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 2 .
(3) الوسائل 9 : 288 / أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 3 .
(4) الوسائل 9 : 250 / أبواب المستحقين للزكاة ب 18 .
(5) الوسائل 9 : 306 / أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 1 .
|