لو طلب الفقيه الزكاة على وجه الإيجاب - عدم وجوب البسط على الأصناف الثمانية 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5064


ــ[206]ــ

نعم ، لو طلبها الفقيه(1) على وجه الإيجاب بأن يكون هناك ما يقتضي وجوب صرفها في مصرف بحسب الخصوصيّات الموجبة لذلك شرعاً وكان مقلّداً له ، يجب عليه الدفع إليه من حيث إنّه تكليفه الشرعي لا لمجرّد طلبه وإن كان أحوط كما ذكرنا، بخلاف ما إذا طلبها الإمام (عليه السلام) في زمان الحضور فإنّه يجب الدفع إليه بمجرد طلبه من حيث وجوب طاعته في كل ما يأمر .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وملخّص الكلام : أنّ الناظر في نصوص المقام الواردة في الأبواب المتفرّقة يكاد يقطع بأنّ ثبوت الولاية للمالك وعدم الحاجة إلى المراجعة من الاُمور المسلّمة عند الصحابة بحيث لا يعتريها أيّة مريّة ، فإذا كان الأمر كذلك في عصر الحضور مع وجود الإمام الأصل فما ظنّك بعصر الغيبة ، فلا يجب النقل لا إلى الإمام ولا إلى نائبه العامّ ما لم يطلب ، أمّا مع الطلب فهو أمر آخر ستعرفه .

   نعم، لا ريب أ نّه أحوط، خروجاً عن شبهة الخلاف، بل ولعلّه أفضل، لفتوى جمع من الأصحاب بالاستحباب، بناءً على قاعدة التسامح وشمولها لفتوى الفقيه وإن كان فيه ما فيه . وأبصريّة الفقيه لو صلحت سنداً للأفضليّة غير مطّردة ، إذ قد يكون المالك هو الأبصر بالواقع كما هو ظاهر .

   (1) لا يخفى أنّ طلب الفقيه للزكاة على أنحاء :

   فتارةً : يطلبها من أجل أنّ ذلك هو مقتضى رأيه وفتواه ، حيث يرى أنّ الولاية عليها له لا للمالك ، ولا شكّ في وجوب النقل إليه حينئذ على مقلّديه ، إذ التوزيع بلا استئذان منه لا يكون مبرئاً للذمّة ، بل هو إتلافٌ للمال وموجبٌ للضمان ، وعليه الأداء ثانياً ، لعدم حصول الامتثال .

   واُخرى : أن لا يكون ذلك فتواه ابتداءً فيعتقد ثبوت الولاية للمالك ولا يرى وجوب النقل من حيث هو ، ولكنّه من أجل بعض الخصوصيّات والمناسبات

ــ[207]ــ

الطارئة والعناوين الثانويّة يرى الوجوب ، كما لو هاجم الكفّار فطلبها لصرفها بتمامها في المؤلّفة حفظاً لبلاد الإسلام عن استيلائهم ، أو كان العام عام مجاعة فطلبها لحفظ المسلمين عن الهلكة ، إلى غير ذلك من الأسباب الباعثة لطلب الزكاة وصرفها في جهة خاصّة ، فحينئذ لا مناص من صرفها في تلك الجهة دون غيرها من المصارف الثمانية ، لكنّه لا يجب النقل إليه ، بل لو تصدّى المالك بنفسه للصرف في تلك الجهة نفسها كفى ، ولو سلّم فغايته الإثم لو خالف لا أن يكون العمل باطلاً وغير مبرئ للذمّة ، إذ المفروض أنّ الوجوب عرضي نشأ من داع آخر مع بقاء ولاية المالك على حالها، فلو باشر بنفسه فقد أدّى الواجب وإن عصى أمر الفقيه .

   وثالثة : أ نّه لا يرى وجوب النقل إليه لا بالعنوان الأوّلي ولا الثانوي ، إلاّ أ نّه يطلبها لأن يكون هو المباشر للتوزيع لأسباب دعته إليه بمقتضى ظروفه الخاصّة، والظاهر عدم وجوب الدفع إليه حينئذ، لعدم الدليل على وجوب إطاعة الفقيه فيما عدا ما يرجع إلى حكمه أو فتواه ، فإنّ الثابت إنّما هو نفوذ حكمه وحجّيّة فتواه ، ولا يجب اتّباعه في غير ذينك الموردين(1) .

   نعم ، يتعيّن ذلك لو كان الطالب هو الإمام المعصوم (عليه السلام) في زمان الحضور ، لوجوب إطاعته في كافّة أوامره ونواهيه ، لأجل اقتران طاعته بطاعة الله ورسوله ، قال تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي ا لاَْمْرِ مِنكُمْ)(2) ، وهو أمر آخر خارج عن محلّ البحث ، إذ الكلام في طلب الفقيه دون الإمام (عليه السلام) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ذكر (دام ظلّه) في مسألة 1164 من زكاة المنهاج وجوب الدفع إليه على مقلّديه وغيرهم إذا كان الطلب على نحو الحكم دون الفتوى، ويمكن النقاش فيه بعدم انسجامه مع ما يرتئيه (دام ظلّه) من عدم نفوذ الحكم ، فليتأمّل .

(2) النِّساء 4 : 59 .

ــ[208]ــ

   [ 2755 ] الثانية : لايجب البسط على الأصناف الثمانية ، بل يجوز  التخصيص ببعضها(1)، كما لايجب في كلّ صنف البسط على أفراده إن تعدّدت ، ولا مراعاة أقلّ الجمع الذي هو الثلاثة ، بل يجوز تخصيصها بشخص واحد من صنف واحد .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لا خلاف بيننا في عدم وجوب البسط على الأصناف الثمانية ولا على أفراد الصنف الواحد ، بل يجوز دفعها بتمامها للفقير الواحد دون سائر الفقراء ودون سائر الأصناف . وعن التذكرة : أ نّه مذهب علمائنا أجمع (1) ، وفي الجواهر دعوى الإجماع عليه بقسميه (2) .

   ولكن العامّة أوجبوا البسط على الأصناف ، بل على أفراد الصنف الواحد ، أي على أقلّ الجمع وهو الثلاثة . ولا دليل لهم إلاّ ما ذكروه من أنّ اللام في الآية المباركة : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) إلخ ، للملك ، وعطف بعض الأصناف على بعض بالواو يستوجب الاشتراك في الحكم ، ومعه لا بدّ من إيصالها إلى جميعهم ، فإنّ ذلك هو مقتضى ملكيّتها لتمام الأصناف الثمانية .

   وهذا كما ترى واضح الدفع .

   أمّا أوّلاً : فلأنّ اللام لم يدخل على الجميع ، بل من الرقاب وما بعده تبدّل بـ  «في» ، فهذا التغـيير في الاُسـلوب مع مراعاة العطف يكشف عن أنّ القدر المشترك بين الكلّ إنّما هو الصرف دون التمليك ، لامتناع فرضه في الرقاب وفي سهم سبيل الله كما لا يخفى .

   ولعلّ ذكر اللام فيما سبقها للإيعاز إلى جواز التمليك فيها كما يجوز الصرف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التذكرة 5 : 336 .

(2) الجواهر 15 : 428 .

ــ[209]ــ

أيضاً على ما تقدّم .

   وثانياً : إنّ اللام حتّى لو كانت داخلة على جميع الأصناف لم يكن بدّ من صرفها عن ظاهرها ، بداهة أنّ الجمع المحلّى باللام يقيد العموم والاستغراق ، ولازمه التوزيع على جميع الأفراد من كلّ صنف ، ولا أقلّ من أصناف البلد ، ولم يقل به أحد . إذن فيدور الأمر بين أن يراد الطبيعي من كلّ صنف ليكون المالك هو طبيعي الفقير والمسكين وهكذا، أو يقال: بأ نّها لبيان المصرف دون الملك ، وليس التصرّف الأوّل أولى من الثاني .

   وثالثاً : مع الغضّ عن كلّ ذلك لم يكن بدّ من رفع اليد عن الظهور في الملك ، لما تقدّم من أنّ أوّل زكاة وجبت إنّما هي زكاة الفطرة ، ومن الواضح امتناع توزيعها على جميع الأصناف ، فإنّها قليلة جدّاً ولا سيّما ممّن لم تكن له عائلة، فكيف يمكن صرفها على تمام الأصناف الثمانية فضلاً عن أفرادها الواسعة ؟!

   ودعوى أنّ ذلك لا ينافي البسط على نحو مقابلة الجمع بالجمع فيعطي زيد زكاته للفقير وعمرو للغارم وبكر للمؤلّفة وهكذا .

   كما ترى ، فإنّها عارية عن كلّ شاهد كما لا يخفى .

   بل أنّ الحال كذلك في زكاة المال ايضاً ، فإنّ الأثرياء القادرين على البسط على تمام الأصـناف وإن كانوا موجودين إلاّ أنّ أكثر الناس وعامّتهم ليسوا كذلك . إذن فكيف يمكن مراعاة البسط التامّ ممّن لا يملك إلاّ أربعين شاة أو مائتي درهماً أو عشرين دينارا .

   والمتحصّل : أنّ القول بلزوم البسط على تمام الأصناف لعلّه مقطوع البطلان، بل مقتضى إطلاقات الأدلّة ـ  ولا سيّما إطلاق عدّة من الروايات الناطقة بأ نّه يضعها حيث يشاء  ـ  جواز دفع الجميع لصنف واحد ، بل لفقير واحد .

   هذا ، ويمكن الاستدلال لعدم وجوب البسط بطوائف من الأخبار :

ــ[210]ــ

   الاُولى : ما ورد في جواز شراء العبيد من الزكاة ، كصحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة والستمائة ، يشترى بها نسمة ويعتقها ؟ «فقال : إذن يظلم قوماً آخرين حقوقهم ـ ثمّ مكث مليّاً ثمّ قال : ـ إلاّ أن يكون عبداً مسلماً في ضرورة فيشتريه ويعتقه» (1) ، ونحوها غيرها .

   فإنّها ظاهرة في جواز شراء العبد بتمام ما عنده من الزكاة ، فلو كان البسط لازماً كيف ساغ صرف تمام الزكاة في صنف واحد وهم الرقاب ؟!

   الثانية : ما ورد في جواز أداء الدين منها ، ففي صحيحة زرارة : ... أيؤِّدي زكاته في دين أبيه ؟ ـ إلى أن قال : ـ «لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه» إلخ (2) .

   فإنّ ظاهرها ولو بمقتضى الإطلاق جواز صرف جميع ما عنده في أداء الدين المنافي لوجوب البسط .

   الثالثة : ما ورد في صرف زكاة أهل البوادي فيهم ، وكذا زكاة أهل الحضر، ففي صحيحة الهاشمي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر» (3) .

   فإنّ من الواضح عدم وجود تمام الأصناف الثمانية في أهل البادية ، فكيف يستقيم ذلك مع البسط ؟! ونحوها ما ورد من أ نّه (صلّى الله عليه وآله) كان يقسّم الزكاة بين الحاضرين لديه عند القسمة من غير أن يبقي للغائبين سهما (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 291 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 1 .

(2) الوسائل 9 : 250 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 18 ح 1 .

(3) الوسائل 9 : 284 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 38 ح 2 .

(4) الوسائل 9 : 265 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 28 ح 1 و 3 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net