جواز عزل الزكاة وتعيينها في مال مخصوص وإن كان من غير الجنس 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3808


ــ[217]ــ

   [ 2759 ] السادسة : يجوز عزل الزكاة وتعيينها في مال مخصوص (1) وإن كان من غير الجنس ((1))

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   مضافاً إلى دلالة النصّ عليه ، ففي صحيحة بريد بن معاوية « ... ثمّ قل لهم : يا عباد الله ، أرسلني إليكم ولي الله لآخذ منكم حقّ الله في أموالكم ، فهل لله في أموالكم من حقّ فتؤدّوه إلى وليّه ؟ فإن قال لك قائل : لا ، فلا تراجعه» إلخ (2) .

   فإنّ الجواب بالنفي عن السؤال : هل لله في مالك من حقّ ، مرجعه إلى قوله : لاحق لله في مالي ، وهو مطلق يشمل عدم التعلّق من الأوّل ، أو الإخراج بعد التعلّق ، فالمنفي هو الحقّ الفعلي الشامل لهما ، ومقتضى الإطلاق تصديق المالك في كلتا الصورتين .

   ونحوها موثّقة غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه (عليها السلام) «قال : كان علي صلوات الله عليه إذا بعث مصدّقه قال له : إذا أتيت على ربّ المال فقل : تصدّق رحمك الله ممّا أعطاك الله ، فان ولّى عنك فلا تراجعه» (3) .

   والتقريب : ما عرفت بعد ظهور قوله : «فإن ولّى» في الجواب بالنفي .

   وبالجملة : فهاتان الروايتان تدلاّن على لزوم تصديق المالك على الإطلاق ، سواء ادّعى عدم التعلّق أو الإخراج أو التلف بآفة سماويّة أو بظلم ظالم ونحو ذلك حسبما عرفت .

   (1) قد تقدّم الكلام حول هذه المسألة في المسألة الرابعة والثلاثين من فصل زكاة الغلاّت بنطاق واسع وبيان مشبع ، فراجع ولا نعيد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في غير النقدين إشكال .

(2) الوسائل 9 : 129 /  أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 1 .

(3) الوسائل 9 : 132 /  أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 5 .

ــ[218]ــ

الذي تعلّقت به(1) ، من غير فرق بين وجود المستحقّ وعدمه على الأصحّ وإن كان الأحوط الاقتصار على الصورة الثانية. وحينئذ فتكون في يده أمانة لايضمنها إلاّبالتعدّي أوالتفريط(2).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) شريطة أن يكون من النقود ، وأمّا من جنس آخر ففيه إشكال ، لقصور الدليل على الولاية على التبديل بغير النقدين ، وفقد إطلاق يشمله كما تقدّم في محلّه .

   (2) تعرّض (قدس سره) لحكم ضمان المعزول في مواضع ثلاثة : أحدها في المسألة الرابعة والثلاثين ، من فصل زكاة الغلاّت ، ثانيها في أوائل الفصل الآتي وثالثها في المقام . وذكر في الموضعين الأوّلين أنّ من موجباته التأخير مع وجود المستحقّ وأهمله في المقام ، وهذا إمّا سهو من قلمه الشريف أو إيكالٌ لما تقدّم ويأتي ، أو أن يراد من التفريط ما يشمله .

   وكيفما كان ، فيقع الكلام في ضمان المعزول تارةً فيما إذا نقله إلى بلد آخر فعرضه التلف ، واُخرى من دون النقل .

   أمّا الأوّل : فسيأتي البحث حوله عند تعرّض الماتن له في المسألة العاشرة ، وستعرف أنّ النقل وإن كان جائزاً إلاّ أ نّه يضمن مع وجود المستحقّ في البلد دون ما إذا لم يوجد .

   وأمّا الثاني : بأن عزل وأخّر في الدفع مع وجود المستحقّ إلى أن تلف ، فإن عدّ التأخير تسامحاً وتفريطاً فلا شبهة في الضمان كما هو واضح . وأمّا إذا لم يكن كذلك بأن كان له غرض عقلائي في التأخير ـ كانتظار قدوم أحد أقاربه المستحقّين من السفر ، أو شراء محلّ معروض للبيع لبناء مسجد أو حسينيّة ، ونحو ذلك من الدواعي العقلائيّة الراجحة  ـ فمقتضى القاعدة حينئذ عدم الضمان ، إذ بعد أن كان العزل جائزاً والتأخير سائغاً لوجود مرجّح شرعي فلاجرم يكون

ــ[219]ــ

المعزول أمانة شرعيّة عنده فلا يضمن التلف .

   وتعضدها صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) : «قال : إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمّ سـمّاها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شيء عليه» (1) .

   ونحوها صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه قال : «إذا أخرجها من ماله فذهبت ولم يسمّها لأحد فقد برئ منها» (2) .

   وهما صريحتان في المطلوب ، بيد أ نّهما ربّما تعارضان بصحيحتين اُخريتين :

   إحداهما : صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت ، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم ؟ «فقال : إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها ، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهـلها فليس عليه ضمان ، لأ نّها قد خرجت من يده ، وكذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامناً لما دُفع إليه إذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه إليه ، فإن لم يجد فليس عليه ضمان» (3) .

   ولذلك جعلت في الجواهر وغيره مقيّدة للصحيحتين ، فحملتا على صورة عدم وجود المستحقّ ، أمّا مع وجوده فيضمن ، لصراحة هذه فيه (4) .

   وفيه : أنّ مورد هذه الصحيحة هو بعث الزكاة ، وظاهره النقل إلى بلد آخر ، وهو بحث آخر أجنبي عن محلّ الكلام كما عرفت ، ولا مانع من الالتزام ثمّة بالتفصيل المزبور . إذن فإطلاق الصحيحتين النافيتين للضمان من غير فرق بين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 286 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 3 .

(2) الوسائل 9 : 286 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 4 .

(3) الوسائل 9 : 285 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 1 .

(4) الجواهر 15 : 432 .

ــ[220]ــ

وجود المستحقّ وعدمه باق على حاله ، لعدم صلوح هذه الصحيحة لتقييده كما توهّم .

   ثانيتهما : صحيحة زرارة ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت «فقال : ليس على الرسول ولا على المؤدّي ضمان» قلت : فإنّه لم يجد لها أهلاً ففسدت وتغيّرت ، أيضمنها ؟ «قال : لا ، ولكن إن (إذا) عرف لها أهلاً فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها» (1) ، فجعلوها أيضاً مقيّدة للصحيحتين كما ذكره .

   وفيه ـ مضافاً إلى ما عرفت ـ  : أ نّها غير مرتبطة بما نحن فيه ، إذ المفروض فيها أنّ التلف كان عند الأخ المبعوث إليه الزكاة لا عند المالك نفسه الذي هو محلّ الكلام .

   نعم ، صدرها ناظر إلى التلف أثناء الطريق، وقد دلّت على أ نّه لا ضمان حينئذ لا على الرسول ولا على المؤدّي . وهذا ينبغي تقييده كسائر المطلقات بما إذا لم يكن في البلد مستحقّ ، لصحيحة ابن مسلم المتقدّمة وغيرها ممّا تضمّن هذا التفصيل .

   وأمّا ذيلها فهو وإن تضمّن التفصيل المزبور لكن المفروض أنّ التلف حينئذ كان عند الأخ المبعوث إليه كما عرفت ، والتفصيل عندئذ في محلّه ، إذ هو وكيل في الإيصال إلى المستحقّ ، فالتأخير مع وجوده وإمكان الإيصال إليه ، إلى أن عرضه التلف تفريط موجب للضمان ، كما هو الحال في الوصي على ما نطقت به صحيحة ابن مسلم المتقدّمة .

   والمتحصّل : أنّ الصحيحتين لا مقيّد لإطلاقهما ، بل في صحيحة ابن سنان جواز التأخير ثلاثة أشهر من غير ضمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 286 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 2 .

 
 

ــ[221]ــ

ولا يجوز تبديلها بعد العزل (1) .
ـــــــــــــــــــــــ

قال في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها ويبقى بعض يلتمس لها المواضع فيكون بين أوّله وآخره ثلاثة أشهر «قال : لا بأس» (2) .

   نعم ، صورة التعدّي والتفريط خارجة يقيناً ، لثبوت الضمان حينئذ في كلّ أمانة ، أمّا ما عدا ذلك مع فرض ترخيص الشارع في البقاء فلا موجب للضمان سواء وجد المستحقّ أم لا ، فلاحظ .

   (1) فإنّ الثابت بالأدلّة إنّما هو الولاية على العزل وتعيين الزكاة في المعزول الموجب ـ طبعاً ـ لخروجه عن الملك ، وأمّا الولاية على التبديل بعد العزل الذي هو تصرّف في غير الملك فيحتاج إلى دليل مفقود، فالحكم إذن مطابق للقاعدة .
ــــــــــــ


(2) الوسائل 9 : 308 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 53 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net