[ 2764 ] الحادية عشرة : الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر ولو مع وجود المستحقّ في البلد وإن كان الأحوط عدمه كما أفتى به جماعة (2)
ــــــــــــــــــــــــــــ (2) بل في الحدائق نسبته إلى المشهور (3) ، بل عن العلاّمة في التذكرة دعوى
ــــــــــــــ (3) الحدائق 12 : 239 .
ــ[233]ــ
الإجماع عليه (1) .
لكن الدعوى موهونة ، لذهاب جمّ غفير من الفقهاء إلى الجواز ومنهم نفس الحاكي للإجماع ـ أعني : العلاّمة في المختلف والمنتهى(2) ـ بل نسب ذلك إلى المشهور بين المتأخّرين .
نعم ، لا يبعد أن يكون المشهور بين المتقدّمين هو المنع .
وكيفما كان ، فيستدلّ لعدم الجواز تارةً بالإجماع . وقد عرفت ما فيه .
واُخرى : بأنّ النقل معرّض للخطر من ضياع او سرقة ونحوهما ، فلا يجوز .
وفيه : أنّ النقل بمجرّده لا يلازم الخطر ، بل ربّما يكون الحفظ متوقّفاً عليه فيجب ، فإنّ المالك أمين على الزكاة ويجب عليه حفظ الأمانة عن المخاطرة ، سواء أكانت في السفر أم في الحضر ، فإن كان الخطر في النقل لم يجز ولا يسوغه الضمان، فإنّ تعريض الأمانة للمخاطرة غير جائز في نفسه وإن تعهّد ضمانها، وإن كان في البقاء لم يجز البقاء أيضا .
وبالجملة : بين النقل والخطر عموم من وجه ولا ملازمة بينهما ، فلا يصحّ الاستدلال بما هو أخصّ من المدّعى .
وثالثةً : بأنّ النقل ينافي الفوريّة الواجبة في دفع الزكاة .
ويردّه : منع الفوريّة أوّلاً ، بل يظهر من بعض الأدلّة جواز التأخير شهراً أو أكثر كما تقدّم .
وثانياً : أنّ النقل لا يلازم التأخير، كيف؟! وربّما يكون الإيصال إلى المستحقّ أسرع من الأداء في البلد ، كما لو كانت الزكاة خارج البلدة الكبيرة وكان إيصالها إلى بعض القرى القريبة أسرع من إيصالها إلى من هو في أواسط البلدة أو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التذكرة 5 : 341 .
(2) المختلف 3 : 122 ، المنتهى 1 : 529 .
ــ[234]ــ
أواخرها ، فهذه الوجوه لا تصلح للاعتماد عليها في المنع عن النقل .
نعم ، لا شبهة في أنّ مقتضى القاعدة الأوّليّة عدم الجواز ، فإنّ نقل الزكاة تصرّف في الأمانة يحتاج جوازه إلى الدليل ، ولكنّه يكفي فيه إطلاقات الأمر بالأداء الواردة في الكتاب والسنّة ، فإنّها تشمل الأداء في البلد وخارجه بعد فقد الدليل على التقييد بالأوّل .
بل أنّ بعض النصوص قد نطقت صريحاً بجواز النقل ، عمدتها صحيحتان :
الاُولى : صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها ، أله أن يخرج الشيء منها من البلدة التي هو فيها (بها) إلى غيرها؟ «فقال: لابأس به»(1) .
فإنّ موردها وإن كان هو نقل الوكيل لكنّها تدلّ على نقل الموكّل ـ أعني : صاحب الزكاة ـ بطريق أولى .
الثانية : صحيحة أحمد بن حمزة، قال: سألت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر ويصرفها في إخوانه ، فهل يجوز ذلك ؟ «قال : نعم» (2) .
وربّما يتوهّم معارضتهما بروايتين :
إحداهما : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب ، ولا صدقة الأعراب في المهاجرين» (3) .
ثانيتهما : صحيحة عبدالكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 282 / أبواب المستحقين للزكاة ب 37 ح 1 .
(2) الوسائل 9 : 283 / أبواب المستحقين للزكاة ب 37 ح 4 .
(3) الوسائل 9 : 284 / أبواب المستحقين للزكاة ب 38 ح 1 .
ــ[235]ــ
البوادي ، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر» (1) .
فقيل : إنّهما تدلاّن على النهي عن نقل صدقة البدوي إلى الحضري أو العكس ، وكذا نقل صدقة الأعراب إلى المهاجرين وعكسه .
وممّن فهم منهما ذلك صاحب الوسائل بعد حمل النهي على الكراهة ، حيث عنون للباب بقوله : باب استحباب تفريق الزكاة في بلد المال وكراهة نقلها مع وجود المستحقّ .
ولكن الظاهر أ نّهما أجنبيّتان عمّا نحن فيه ولا نظر فيهما إلى النقل ، فإنّ موردهما دفع صدقة أهل البادية إلى الحضري حتّى إذا كان موجوداً في البادية ، وكذلك صدقة الحضري إلى البدوي وإن كان موجوداً في الحضر ، فلا نظر فيهما إلى النقل نفسه بحيث يتناول الحكم نقل صدقة أهل البادية إلى بادية اُخرى مثلها ، أو نقل صدقة الحضري إلى حضري مثله في بلد آخر .
فالمستفاد منهما لزوم دفع صدقة كلّ صنف من البدوي والحضري أو الأعراب والمهاجرين إلى ما يماثله في الصنف لا ما يقابله ، سواء أكان ذلك مقروناً بالنقل أم لا ، فلا ارتباط لذلك بمحلّ الكلام لتتحقّق المعارضة بين الطائفتين .
وحيث لا قائل باعتبار المماثلة المزبورة فلا جرم يكون الحكم محمولاً على التنزيه من الكراهة أو الاستحباب ، كما يفصح عنه ما في ذيل الثانية من قوله (عليه السلام) : «ليس عليه في ذلك شيء مؤقّت موظّف» إلخ (2) .
وممّا يؤكّد ذلك ما كان يفعله النبيّ والوصيّ وغيرهما (عليهم السلام) من بعث العمال لجباية الزكوات ونقلها إليهم ، فإنّه لو كان يجب صرف صدقات أهل البادية فيهم فكيف كانت تؤخذ منهم ويؤتى بها إليهم (عليهم السلام) ؟!
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 284 / أبواب المستحقين للزكاة ب 38 ح 2 .
(2) الوسائل 9 : 265 / أبواب المستحقين للزكاة ب 28 ح 1 .
|