ــ[269]ــ
فصل
[ في أنّ الزكاة من العبادات ]
الزكاة من العبادات فيعتبر فيها نيّة القربة (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ويدلّ عليه بعد الإجماع القطعي ـ بل تسالم الفريقين إلاّ من شذّ ، بل الارتكاز الثابت في أذهان عامّة المتشرّعة ـ اُمور :
منها : التعبير عنها بالصدقة في الكتاب والسنّة ، بل عبّر عن العامل في لسان الأخبار بالمصدّق ، ومن المعلوم أنّ الصدقة واجبة كانت أم مندوبة يعتبر في مفهومها قصد القربة ، بل كان ذلك هو الفارق بينها وبين الهديّة .
ومنها : عدّها من مباني الإسلام الخمس في جملة من الأخبار ، بل في بعضها أنّ إحداها لا تقبل إلاّ بصاحبتها ، فإنّ مناسبة الحكم والموضوع ومقارنتها مع إخواتها من سائر العبادات ولا سيّما الصلاة تقضي بأنّ الكلّ من سنخ واحد في اعتبار العباديّة كما لا يخفى .
ومنها : ما ورد في الكتاب والسنّة من أنّ الله سبحانه هو الذي يباشر بنفسه لأخذ الصدقة، قال تعالى: (هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ)إلخ(1) .
وفي صحيح سالم بن أبي حفصة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إنّ الله يقول : ما من شيء إلاّ وقد وكّلت به من يقبضه غيري، إلاّ الصدقة ، فإنّي اتلقّفها بيدي تلقّفاً» إلخ (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التوبة 9 : 104 .
(2) الوسائل 9 : 382 / أبواب الصدقة ب 7 ح 7 .
ــ[270]ــ
والتعيين (1) مع تعدّد ما عليه بأن يكون عليه خمس وزكاة وهو هاشمي فأعطى هاشميّاً فإنّه يجب عليه أن يعيّن أ نّه من أ يّهما ، وكذا لو كان عليه زكاة وكفّارة فإنّه يجب التعيين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن ثمّ ورد استحباب تقبيل اليد لدى التصدّق ، فإنّ مناسبة الحكم والموضوع تقضي بأنّ الشيء الذي يباشر سبحانه بنفسه لأخذه لا بدّ وأن يكون منسوباً ومضافاً إليه جلّ شأنه .
(1) هذا لايتوقّف على العباديّة، بل لأجل أ نّه لابدّ في تحقّق العناوين القصديّة ـ ومنها الزكاة ـ من تعلّق القصد بها بخصوصها وتعيينها لتمتاز عمّا عداها ، وبدونه لا يتحقّق المأمور به في الخارج ، فلا يكاد يكون المأمور بإكرام زيد ممتثلاً إلاّ إذا قصد هذا العنوان وإن تحقّق ذات الإكرام خارجاً ، كما لا يكفي الإتيان بذات الركعتين ما لم يقصد عنوان الفجر أو نافلته ـ مثلاً ـ وبدونه لا يتحقّق شيء منهما .
وعليه ، فلا يتّصف المدفوع بعنوان الزكاة التي لها عنوان خاصّ في مقابل الخمس والكفّارة وما شاكلهما إلاّ مع قصد ذلك العنوان ، لجواز انطباق سائر العناوين عليه ، ولا يكاد يمتاز عن غيرها إلاّ بالقصد ، فلا بدّ من مراعاته في تحقّق الامتثال .
بل لا يبعد أن يكون الحال كذلك في الأفعال التكوينيّة الخارجيّة من المشي والقيام والقعود ونحوها ، نظراً إلى أنّ ذات الفعل وإن صدق كيفما تحقّق لكن المأمور به لمّا كانت هي الحصّة الاختياريّة المتقوّمة بالقصد فلا بدّ من رعايته في تحقّق امتثاله ، إلاّ إذا نهض دليل خارجي على أنّ العبرة بتحقّق ذات الفعل كيفما كان ، كما في تطهير الثوب ونحوه .
وكيفما كان ، فلا بدّ من قصد التعيين في المقام حسبما عرفت ، فلو كان على
ــ[271]ــ
بل وكذا إذا كان عليه زكاة المال والفطرة فإنّه يجب التعيين على الأحوط (1) بخلاف ما إذا اتّحد الحقّ الذي عليه فإنّه يكفيه الدفع بقصد ما في الذمّة وإن جهل نوعه ، بل مع التعدّد أيضاً يكفيه التعيين الإجمالي بأن ينوي ما وجب عليه أوّلاً أو ما وجب ثانياً ـ مثلاً ـ ولا يعتبر نيّة الوجوب والندب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هاشمي خمس وزكاة فأعطى لهاشمي ولم يعيّن لا يقع امتثال لأيّ منهما ، ونحوه ما لو كانت عليه زكاة وكفّارة يمكن إعطاؤها من النقود ، كما في كفّارة الوطء في الحيض .
نعم ، لا يجب عليه القصد التفصيلي ، بل تكفي النيّة الإجماليّة ، فيجزئ قصد ما في الذمّة مع اتّحاد الحقّ والجهل بنوعه وقصد ما وجب أوّلاً أو ثانياً مع التعدّد حسبما اُشير إليه في المتن .
(1) هذا الاحتياط وإن كان في محلّه لاحتمال تغاير الحقّين واختلاف حقيقة الزكاتين ، ولكنّه لا يبعد الاتّحاد وأ نّهما فردان من حقيقة واحدة وهي الصدقة الواجبة وإن تسبّبت إحداهما عن ملك النصاب والاُخرى عن دخول شهر شوال ، فالتعدّد إنّما هو في ناحية السبب دون المسبّب ، ومعه لا حاجة إلى قصد التعيين .
وكون إحداهما زكاة عن المال والاُخرى عن البدن كالاختلاف من ناحية الوقت لا يستوجب اختلافاً في الحقيقة والماهية بعد الاتّحاد في متعلّق الوجوب أعني الزكاة ، ولا سيّما بعد ملاحظة ما ورد من أنّ الآية المباركة إنّما نزلت في زكاة الفطرة ، حيث لم يكن يومئذ للمسلمين مال وبعد ذلك أمر (صلّى الله عليه وآله) بإلحاق زكاة المال بها .
وبالجملة : حال اختلاف السبب في المقام حال اختلاف الأسباب في الأجناس الزكويّة ، فكما أنّ سبب الوجـوب قد يكون ملكيّة عشرين ديناراً واُخرى
|