ــ[291]ــ
[ 2791 ] الثالثة : إذا باع الزرع أو الثمر وشكّ في كون البيع بعد زمان تعلّق الوجوب حتّى يكون الزكاة عليه أو قبله حتّى يكون على المشتري، ليس عليه شيء (1) ، إلاّ إذا كان زمان التعلّق معلوماً ((1)) وزمان البيع مجهولاً ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واُخرى يسند إليه بالعناية والتجوّز باعتبار المضيّ عن محلّه المقرّر له شرعاً، كما لو شكّ في أصل الوجود، وهو المعبّر عنه اصطلاحاً بقاعدة التجاوز ـ وقد أثبتنا في محلّه رجوع القاعدتين إلى جامع واحد(2) ـ وكيف ما كان فلا يصدق التجاوز في المقام بكلّ من المعنيين .
أمّا الأوّل : فظاهر ، لفرض الشكّ في أصل الأداء . وكذلك الثاني ، إذ لم يكن لهذا الواجب وقت ولا محلّ معيّن حسبما عرفت . إذن لا فرق بين السنة الحالية والسنين الماضية في وجوب الإخراج لو شكّ فيه ، عملاً بالاستصحاب ما لم يثبت خلافه بحجّة معتبرة من اطمئنان ونحوه ، إلاّ إذا لم يبق شيء من عين النصاب فإنّ الظاهر عدم الضمان حينئذ ، للأصل كما تقدّم .
ثمّ إنّ ما ذكرناه يجري في مال الصبي أيضاً لو شكّ في إخراج زكاته في مورد استحبابه ، سواء قلنا بنيابة الولي عنه أم كون الخطاب متوجّهاً إليه بنفسه ، ولا يختصّ بالثاني كما لا يخفى وإن كان ظاهر المتن كذلك .
(1) تارةً يفرض هذا الشكّ بالنسبة إلى البائع ، واُخرى بالإضافة إلى المشتري .
أمّا لو كان الشاكّ هو البائع فقد يكون تأريخ كلّ من البيع وزمان التعلّق مجهولاً ، واُخرى يكون أحدهما معلوماً دون الآخر .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الظاهر عدم الوجوب حتّى في هذه الصورة .
(2) مصباح الاُصول 3 : 275 وما يليها .
ــ[292]ــ
فإنّ الأحوط حينئذ إخراجه ، على إشكال في وجوب . وكذا الحال بالنسبة إلى المشتري إذا شكّ في ذلك ، فإنّه لا يجب عليه شيء ((1)) ، إلاّ إذا علم زمان البيع وشكّ في تقدّم التعلّق وتأخّره ، فإنّ الأحوط حينئذ إخراجه ، على إشكال في وجوبه ((2)) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمّا مع الجهل بالتأريخين فلا إشكال في عدم وجوب شيء على البائع ، إمّا لمعارضة الاستصحابين في مجهولي التأريخ كما هو المختار ، أو لعدم الجريان في شيء منهما كما عليه صاحب الكفاية(3) ، وعلى أيّ حال، فلا مجال للاستصحاب ، إمّا لعدم المقتضي، أو لوجود المانع، فيرجع بعدئذ إلى اصالة البراءة عن وجوب الزكاة .
وكذلك الحال فيما لو علم تأريخ البيع وكان تأريخ التعلّق مجهولاً ، فإنّ المرجع حينئذ أصالة عدم تعلّق الزكاة بهذا المال إلى زمان البيع ، الذي نتيجته نفي الوجوب عن البائع ، إذ لو لم يكن لهذا الأصل معارض ـ نظراً إلى عدم جريان الاستصحاب في معلوم التأريخ ـ فلا اشكال ، ولو كان له معارض ـ لجريان الأصل في المعلوم كالمجهول ـ فيسقطان بالمعارضة والمرجع حينئذ أصالة البراءة عن وجوب الزكاة ، فهي غير واجبة على البائع ، إمّا للاستصحاب ، أو لأصالة البراءة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مقتضى تعلّق الزكاة بالعين وجوب الإخراج على المشتري مطلقاً ، سواء أكان التعلق قبل الشراء مع عدم إخراج البائع من مال آخر كما لعلّه المفروض أم كان التعلق بعد الشراء ، ومقتضى أصالة الصحة في البيع بالإضافة إلى مقدار الزكاة عدم الرجوع على المالك .
(2) الظاهر عدم الفرق بين صور المسألة .
(3) الكفاية : 37 .
ــ[293]ــ
إنّما الإشكال في عكس ذلك ـ أعني : ما إذا كان زمان التعلّق معلوماً وزمان البيع مجهولاً ـ فقد ذكر في المتن أنّ الأحوط حينئذ الإخراج ، على إشكال في وجوبه .
ومبنى الإشكال ما هو محرّر في الاُصول من أنّ الحادثتين المتعاقبتين ـ كإسلام الوارث وموت المورث ـ إذا كان أحدهما معلوم التأريخ دون الآخر، فهل يختصّ جريان الاستصحاب بالمجهول، نظراً إلى عدم الشكّ في الحادث الآخر بالإضافة إلى عمود الزمان ليكون مورداً للاستصحاب ، إذ بعد فرض العلم بتأريخه فهو قبل ذلك الزمان لم يكن قطعاً وبعده كائن قطعاً فليس لنا زمان شكّ ليستصحب فيه ؟
أم أ نّه يجري في المعلوم أيضاً باعتبار أ نّه وإن لم يكن مشكوكاً بالنظر إلى الزمان بالذات كما ذكر ، إلاّ أ نّه بلحاظ الحادث الآخر ـ سبقاً ولحوقاً ـ الذي هو الموضوع للأثر حسب الفرض مشكوك بالوجدان فيستصحب عدمه إلى الزمان الواقعي للحادث الآخر؟ وهذا هو الصحيح على ما حقّقناه في الاُصول(1) .
فعلى المبنى الأوّل : لا يجري في المقام إلاّ استصحاب عدم البيع إلى زمان التعلّق ، لسلامته عن المعارض .
ونتيجته : وجوب أداء الزكاة على البائع وخروجه عن عهدته إمّا من نفس العين أو من بدله ، وبما أنّ دفع العين لا يمكن لأ نّها عند المشتري فلا جرم ينتقل إلى القيمة ، ولا حاجة في ذلك إلى إثبات إتلاف العين الزكويّة ليناقش بأنّ الأصل مثبت من هذه الجهة ، بل يكفي مجرّد إثبات التكليف بالزكاة بمقتضى الاستصحاب بعد القطع بعدم الخروج عن عهدة هذا التكليف الاستصحابي لا من نفس العين ولا من بدلها ، فإنّه يتعيّن الثاني بطبيعة الحال بعد فرض العجز عن الأوّل .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الاُصول 3 : 203 ـ 205 .
ــ[294]ــ
وأمّا على المبنى الثاني : فالأصل المزبور معارض بأصالة عدم التعلّق إلى الزمان الواقعي للبيع ، فإنّ الزكاة لم تتعلّق بهذا المال سابقاً جزماً ، ونشكّ في أنّ هذا العدم هل بقي إلى أن خرج المال عن ملكه أم لا؟ فنبني على ما كان، ونتيجته نفي الوجوب عن البائع ، لأ نّه باع في زمان لم تتعلّق به الزكاة بمقتضى الأصل . وبعد تعارض الاستصحابين وتساقطهما يرجع إلى أصالة البراءة عن الوجوب ، وقد عرفت أنّ هذا المبنى هو الصحيح ، فإنّ العلم بتاريخ التعلّق بحسب عمود الزمان لا أثر له ، وإنّما الأثر مترتّب بلحـاظ الزمان الواقعي للحادث الآخر ـ أعنى : البيع ـ وهو مجهول حسب الفرض ، فلا فرق بين مجهول التأريخ ومعلومه في أنّ كلاًّ منهما مورد لجريان الاستصحاب ، فيتعارضان حسبما عرفت .
وأمّا لو كان الشاكّ هو المشتري فلا يمكن إثبات الوجوب بتاتاً ، حتّى إذا كان زمان البيع معلوماً وزمان التعلّق مشكوكاً وقلنا بعدم جريان الاستصحاب في المعلوم ، لأنّ أصالة عدم التعلّق إلى زمان البيع لا أثر له ، إذ لا يثبت به أنّ التعلّق كان بعد الشراء ليتحقّق معه موضوع الوجوب ، لأنّ الموضوع أن يكون مالكاً حال التعلّق لا أن لا يكون تعلّق قبل أن يملك . ومعلومٌ أ نّه لا يمكن إثبات أحد الضدّين بنفي الضدّ الآخر ، فاستصحاب عدم التعلّق قبل الشراء لا يثبت به التعلّق بعد الشراء .
وعلى الجملة : إنّما تجب الزكاة على المشتري إذا كان التعلّق بعد الشراء بحيث يكون حادثاً في ملكه ، ومع فرض الشكّ في التقدّم والتأخّر فليس لدينا أيّ أصل يتكفّل بإثبات ذلك ، إلاّ بناءً على ما نسب إلى بعض المتقدّمين من البناء على أصالة تأخّر الحادث فيلتزم حينئذ بتأخّر التعلّق عن الشراء ، ولكن المقرّر في محلّه أ نّه لا أصل لهذا الأصل ، بل يستصحب كلّ معدوم إلى زمان العلم بحدوثه .
إذن فلا سبيل لإثبات الوجوب على المشتري من ناحية الاستصحاب .
|