الأوّل : التكليف 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5303


ــ[362]ــ


فصل

في شرائط وجوبها

   وهي اُمور :

   الأوّل : التكليف ، فلا تجب على الصبي والمجنون (1) ، ولا على وليّهما أن يؤدّي عنهما من مالهما .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) بلا خلاف فيه ، بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد .

   وهل يمكن إثبات الحكم من غير ناحية الإجماع ؟

   ربّما يستدلّ له بحديث: «رفع القلم عن الصبي حتّى يحتلم وعن المجنون حتّى يفيق» ، الوارد بطرق عديدة وأسانيد مختلفة وإن لم يكن المعتبر منها إلاّ رواية واحدة ، فإنّ عموم رفع القلم يشمل الفطرة ، ولم يرد في المقام رواية خاصّة عدا ما ستعرف ، فإنّ الروايات النافية للزكاة عنهما كلّها ناظرة إلى زكاة المال، وفي بعضها التفصيل بين ما يتّجر وما لا يتّجر، كما تقدّم كلّ ذلك سابقاً(1).

   وقد يستشكل في ذلك بأنّ حديث الرفع ناظر إلى رفع قلم التكليف فقط دون الوضع ، إذن فمقتضى عموم ما دلّ على اشتغال الذمّة بالفطرة ـ كما في زكاة المال ـ وجوب الإخراج ، غير أنّ الصبي لكونه محجوراً لا يمكنه التصدّي فلا جرم تنتقل الوظيفة إلى الولي ، فيجب عليه أن يؤدّي عنهما من مالهما .

   ولكنّه يندفع بما تكرّرت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح من عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة  23 : 56 ـ 59 .

ــ[363]ــ

الموجب لهذا الاختصاص أبداً ، بل المرفوع هو مطلق قلم التشريع الأعمّ من الوضع والتكليف ، وأنّ الصبي والمجنون خارجان عن الجعل والقانون ولم يكتب لهما في دفتر الشرع بشيء .

   نعم ، لا يشمل الرفع ما يلزم منه خلاف الامتنان على أشخاص آخرين كإتلاف مال الغير ونحوه من التعزيرات والضمانات ، فإنّ اشتغال الذمّة في مثلها معلوم من الخارج ، وأمّا التكاليف الإلهية المجعولة في الشريعة المقدّسة فالظاهر رفع جميعها عن الصبي، تكليفيّة كانت أم وضعيّة، ولأجله نلتزم بسقوط الخمس عنه ـ وإن كان المشهور تعلّقه به كالبالغ ، لما ذكروه من عدم ورود نصّ يقتضي نفيه عنه كما ورد ذلك في باب الزكاة على ما تقدّم (1) ـ وذلك لعدم الحاجة إلى النصّ الخاصّ بعد شمول الحديث له ، فإنّ الخمس حكم إلهي تشريعي ، فهو موضوع عن الصبي ، ومعه لا مقتضي لإخراج الولي ، بل لا يجوز ، فإنّه تصرّف في ملك الغير بلا مسوّغ شرعي ، ولعلّنا نتكلّم حول هذا البحث في محلّه بنطاق أوسع إن شاء تعالى .

   وكيف ما كان ، فبمقتضى عموم الحديث الشامل للتكليف والوضع يحكم بعدم تعلّق الفطرة بالصبي كما عرفت .

   هذا ، مع أنّ للمناقشة في كون الفطرة حكماً وضعيّاً تشتغل به الذمّة مجال واسع ، لقصور الأدلّة عن الوفاء بذلك ، وإنّما تفي به في زكاة المال فقط ، حيث إنّ الظاهر من مثل قوله (عليه السلام) : «في كلّ عشرين مثقال نصف مثقال» أو : «في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم» ونحو ذلك : أنّ هذا حقّ متعلّق بنفس العين وأنّ هذا المقدار خارج عن ملك المالك فلو لم يؤدّه حتّى تلفت العين كان هذا ـ  طبعاً  ـ ديناً في ذمّته لا بدّ له من الخروج عن عهدته .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة  23 : 5 ـ 10 .

ــ[364]ــ

   وأمّا في باب الفطرة فلم نجد في شيء من الأدلّة ما يظهر منه ثبوتها في الذمّة بحيث تكون من قبيل الديون كي لا يشملها الحديث ـ على القول بالاختصاص ـ بل من المحتمل قويّاً أنّ الفطرة تكليف محض . إذن فالاستدلال بالحديث ـ كما استدلّ به صاحب الحدائق (1) ـ في محلّه .

   مضافاً إلى أ نّه في خصوص الصبي يمكن الاستدلال بصحيحة محمّد بن القاسم بن الفضيل البصري: أ نّه كتب إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) يسأله عن الوصي يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال ؟ فكتب (عليه السلام) : «لا زكاة على يتيم» (2) ، وفي نسخة الشيخ : «على مال اليتيم» والنتيجة واحدة ، إذ السؤال إنّما هو عن الفطرة وهي طبعاً تكون في مال اليتيم .

   وكيف ما كان ، فقد رويت في الكافي والفقيه والتهذيب .

   أمّا في التهذيب فالسند صحيح جزماً ، فإنّ أحمد بن محمّد الواقع في السند إمّا يراد به أحمد بن محمّد بن عيسى ، أو ابن خالد ، وكلاهما موثّق كما هو ظاهر .

   وأمّا طريق الفقيه فقد رواها الصدوق بإسناده عن ابن الفضيل ووصفه بالبصري ـ كما في رواية الشيخ ـ وطريقه إليه ضعيف من أجل الحسين بن إبراهيم الملقّب بالكاتب تارةً وبالمؤدّب اُخرى ، فإنّه لم يرد فيه أيّ توثيق عدا كونه من مشايخ الصدوق ، وقد عرفت مراراً أنّ هذا بمجرّده لا يكفي في التوثيق .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 12 : 258 .

(2) الوسائل 9 : 84 /  أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 4 ، و ص 326 /  أبواب زكاة الفطرة ب 4 ح 2 ، الكافي 3 : 541 / 8 ، الفقيه 2 : 115 / 495 ، التهذيب 4 : 30 و 334 / 74 و 1049 .

ــ[365]ــ

بل يقوى سقوطها عنهما بالنسبة إلى عيالهما أيضاً (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأمّا الكافي فقد بدأ السند بمحمّد بن الحسين الخطّاب ، ومعلوم أنّ الكليني لم يدركه فبينهما واسطة لا محالة وهو مجهول .

   نعم ، في الوسائل عند نقل الرواية عنه جعل صدر السند محمّد بن يحيى ، ولا أدري من اين استفاد ذلك ، فإنّ الروايات السابقة لا دلالة لها عليه ، وهذا كلام ابتدائي من الكليني ، ولعلِّي لم أرد مثل هذا في كتاب الكافي بأن يبدأ بشخص ولم يدر الواسطة ، وظنّي أنّ هنا سقطاً فتصبح الرواية مرسلة .

   ويؤيّد ما ذكرناه أنّ صاحب الحدائق عند التعرّض لهذه الرواية يقول: ما رواه الشيخ في
الصحيح(1)، فإنّ تخصيص الصحّة برواية الشيخ كاشف عن ضعف طريق غيره من الكافي والفقيه .

   وأيضاً يؤكّده أنّ الوافي يذكر الرواية عن الكافي مبدوءاً بمحمّد بن الحسين(2) ، ولا يذكر ابن يحيى . وعليه ، فالرواية ضعيفة بطريق الكافي والفقيه ، ولا تصحّ إلاّ بطريق الشيخ فقط حسبما عرفت .

   (1) وإن ذكر ذلك في ذيل رواية الكليني المتقدّمة .

   وتوضيح الكلام في المقام : أ نّا أشرنا آنفاً إلى ضعف رواية الكليني ، وهذه الرواية قد رواها في الكافي في موضعين باختلاف يسير في ألفاظها : أحدهما في زكاة المال ، والآخر في الفطرة التي أوردها في أواخر الصوم (3) والتي ذكرها في زكاة المال مطابقاً لما ذكرها في الوسائل سنداً ومتناً ، ولكن في باب الفطرة قيّد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 12 : 258 .

(2) الوافي 10 : 240 /  9514 .

(3) الكافي 4 : 172 / 13 .

ــ[366]ــ

الفضيل بالبصري كما قيّده الصدوق به في المشيخة عند ذكر طريقه إلى هذا الرجل كالشيخ في التهذيب، كما أ نّه في باب الفطرة لم يقيّد أبا الحسن (عليه السلام) بالرضا وهنا قيّده به ، مع اختلاف يسير في الألفاظ كما عرفت لا تخلّ بالمعنى .

   وهذه الرواية صحيحة السند حسبما ذكرها في باب زكاة المال ، إذ يصرّح هناك : محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين ، وصاحب الوسائل ينقلها عنه عن هذا الباب والصحيح ما نقله .

   وأمّا التي ذكرها في باب الفطرة فهي مصدّرة بمحمّد بن الحسين ـ كما ذكرنا ـ لا محمّد بن يحيى ، ولا يمكن أن يروي عن هذا الرجل بلا واسطة كما عرفت .

   ومن هنا ذكر صاحب المعالم في المنتقى والمجلسي في مرآة العقول أنّ في الرواية إرسالاً وإن ذكر المجلسي أيضاً أ نّه قد يغلب على الظنّ أنّ الراوي هو محمّد بن يحيى وقد سقط عن الكافي (1) .

   وكيف ما كان ، فهذه الرواية التي في باب الفطرة لها ذيل ، وإنّما تكلّمنا في السند من أجل هذا الذيل ، وإلاّ فالرواية في نفسها صحيحة على طريق الشيخ والكافي حسبما عرفت آنفا .

   وإنّما الكلام في سند المتن المشتمل على هذا الذيل حسبما ذكره في باب الفطرة ، فإنّ غاية ما هناك أ نّه يظنّ أنّ الراوي هو محمّد بن يحيى وقد سقط عن هذا السند كما ذكره المجلسي ، ولكنّه بالآخرة ظنّ والظنّ لا يغني عن الحقّ ، ومن الجائز أنّ الكليني روى هذه الرواية عن الفضيل تارةً بواسطة محمّد بن يحيى من دون ذيل ، واُخرى بواسطة شخص آخر مجهول عندنا مع الذيل ، ولأجله لم يكن بدّ من أن نعامل مع هذه الرواية المشتملة على الذيل معاملة المرسل .

   والذيل هو هذا : عن المملوك يموت عنه مولاه وهو عنه غائب في بلدة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منتقى الجمان 2 : 392 و 430 ، مرآة العقول 16 : 420 / 13 .

ــ[367]ــ

اُخرى وفي يده مال لمولاه ويحضر الفطرة ، أيزكّي عن نفسه من مال مولاه وقد صار لليتامى ؟ «قال : نعم» (1) .

   ولم يذكر الشيخ هذا الذيل أصلاً ، وإنّما ذكره الكافي في خصوص باب الفطرة كما عرفت .

   وأمّا الصدوق فقد ذكر كلاًّ من الصدر والذيل برواية مستقلّة (2) وبينهما فصل بعدّة روايات ، غير أنّ طريقه ضعيف كما أسلفناك ، وتوصيفه بالحسن كما عن بعض غيرُ ظاهر الوجه ، فإنّ المؤدّب أو الكاتب الواقع في الطريق لم يرد فيه أيّ مدح عدا كونه شيخ الصدوق الغير الكافي في الحسن بالضرورة كما تقدّم .

   ومقتضى هذا الذيل أ نّه يجب على الصغير زكاة من يعول به ولا أقلّ من التخصيص بالمملوك . وقد عبّر في الجواهر (3) عن هذه الرواية المشتملة على الذيل بالصحيحة ، وقد عرفت أ نّها مرسلة فلا يمكن الاعتماد عليها بوجه .

   على أ نّه يرد عليها إشكال آخر مع قطع النظر عن السند ، وهو مخالفتها للاُصول وعدم وجود العامل بمضمونها كما صرّح به في الجواهر (4) ، ولأجله أسقطها عن درجة الاعتبار ، إذ على فرض الوجوب على الصغير فالمتصدّي للإخراج لا بدّ وأن يكون وليّه أو الوصي دون المملوك نفسه ، فكيف ساغ له التصرّف في مال مولاه من غير إذن ممّن بيده الإذن ؟!

   وقد حملها صاحب الوسائل على موت المتولي بعد الهلال ، ولأجله وجبت الزكاة في ماله ولم ينتقل هذا المقدار إلى الوارث .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 326 /  أبواب زكاة الفطرة ب 4 ح 3 .

(2) الفقيه 2 : 117 / 503 .

(3) الجواهر 15 : 485 .

(4) الجواهر 15 : 485 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net