ــ[375]ــ
الرابع : الغنى ، وهو أن يملك قوت سنته له ولعياله زائداً على ما يقابل الدين (1) ومستثنياته فعلاً أو قوّةً بأن يكون له كسب يفي بذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غير وجيه ، إذ لا مجال للأصل بالنسبة إلى المكاتب بعد الإطلاق ، وأمّا بالنسبة إلى المولى فلا دليل على الوجوب أبداً حسبما عرفت .
(1) على المشهور، بل إجماعاً كما في الجواهر(1) ، ونسب إلى ابن الجنيد وجوبها على من ملك مؤونته ومؤونة عياله ليومه وليلته بزيادة صاع (2) ، بل قد نسب في الخلاف هذا القول إلى كثير من الأصحاب(3) ، ولكن في الجواهر : إنّا لم نتحقّقه بل قد تحقّق خلافه ، ولذا ادّعى الإجماع على اعتبار الغنى في مجموع السنة . وقد احتمل (قدس سره) التأويل في كلام ابن الجنيد وأنّ المراد مؤونة يومه وليلته في مجموع السنة ، فيرجع إلى قول المشهور .
وكيفما كان ، فالمشهور ـ كما عرفت ـ اعتبار الغنى في المقام بالمعنى المزبور كما تقدّم في زكاة المال(4) .
وتدلّ عليه روايات : عمدتها روايتان :
إحداهما : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سئل عن رجل يأخذ من الزكاة ، عليه صدقة الفطرة «قال : لا» (5) .
فإنّ المنصرف من أخذ الزكاة أ نّه بمناط الفقر دون العناوين الاُخر من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 15 : 488 .
(2) الحدائق 12 : 262 ، الجواهر 15 : 488 .
(3) لاحظ الخلاف 2 : 130 / 157 وحكاه عنه في الحدائق 12 : 262 .
(4) في ص 265 .
(5) الوسائل 9 : 321 / أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 1 .
ــ[376]ــ
الصرف في الدين أو الحجّ ـ أي سهم الغارمين أو سبيل الله كما لا يخفى ـ فقد دلّت على نفي الفطرة عن الفقير بوضوح .
الثانية : معتبرة إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) على الرجل المحتاج صدقة الفطرة ؟ قال : «ليس عليه فطرة» (1) ، فإنّ الحاجة ترادف الفقر .
المؤيّدتان بغيرهما من النصوص .
ولكن بإزائها أيضاً روايتان دلّتا على الوجوب :
إحداهما : ما رواه الشيخ بإسناده عن الفضيل بن يسار ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أعَلى مَن قَبل الزكاة زكاة ؟ «فقال : أمّا مَن قَبل زكاة المال فإنّ عليه زكاة الفطرة» (2) .
ولكنّها ضعيفة السند بإسماعيل بن سهل، فقد ضعّفه النجاشي صريحاً (3) ، فلا تصلح للمعارضة .
نعم ، روى الشيخ رواية اُخرى بإسناده عن علي بن الحسن بن فضّال عن زرارة بهذا المضمون ، وهي صحيحة السند ، فإنّ طريقه إلى ابن فضّال وإن كان ضعيفاً إلاّ أنّ طريق النجاشي إليه صحيح ، والشيخ واحد والمنقول إليهما أيضاً شيء واحد فيكشف ذلك عن صحّة الطريق كما أشرنا إليه في المعجم(4) . وعليه فلا بدّ من الحمل على الاستحباب كالرواية الثانية جمعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 322 / أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 6 .
(2) الوسائل 9 : 322 / أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 10 ، التهذيب 4 : 73 و 74 / 204 و 207 ، الاستبصار 2 : 41 / 128 و 13 .
(3) النجاشي : 29 / 60 .
(4) معجم رجال الحديث 4 : 55 ـ 57 .
ــ[377]ــ
نعم ، قد تأبى هذه الرواية عن ذلك ، للتنافي بين قوله «عليه» وبين قوله : «ليس عليه» ، إلاّ أ نّه لا مناص من الالتزام بذلك ، للاطمئنان بل التسالم على عدم وجوب الزكاة على الفقير كما عرفت .
الثانية : صحيحة زرارة ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الفقير الذي يتصدّق عليه ، هل عليه صدقة الفطرة ؟ «فقال : نعم ، يعطي ممّا يتصدّق به عليه» (1) .
وقد ناقش في الجواهر في سندها بل وصفها بالضعيف(2) . ولم يعرف وجهه ، اللّهمّ إلاّ أن يكون نظره الشريف إلى محمّد بن عيسى المحتمل كونه العبيدي حيث ضعّفه ابن الوليد واستثناه من روايات يونس(3) ، ولكن قد تقدّم(4) غير مرّة أنّ الأصحاب قد أنكروا على ابن الوليد وقالوا : مَن مثل العبيدي ؟! وكيفما كان ، فلا ينبغي التأمّل في صحّة السند كما ذكرناه .
ولكن الشأن في الدلالة ، فإنّها غير صريحة في الوجوب وقابلة للحمل على الاستحباب جمعاً، لصراحة ما تقدّم في عدم الوجوب وعدم صراحة هذه فيه ، فإنّ قوله : «نعم» قد فسّره بقوله (عليه السلام) «يعطي» الذي هو أمر بالفعل وبيان لقوله : «نعم» ، فمن الجائز إرادة الاستحباب من هذا الأمر ، فالحمل عليه ـ كما صنعه الشيخ (5) ـ غير بعيد ، إذ لو ضمّ هذا الأمر إلى نفي الوجوب المذكور في الروايتين المتقدّمتين كانت النتيجة بحسب الفهم العرفي هي إرادة الاستحباب .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 324 / أبواب زكاة الفطرة ب 3 ح 2 .
(2) الجواهر 15 : 490 .
(3) النجاشي : 338 / 904 .
(4) شرح العروة 21 : 116 .
(5) التهذيب 4 : 74 ، الاستبصار 2 : 42 .
|