كلّ من وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4130


   [ 2837 ] مسألة 2 : كلّ مَن وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه(2)

 ـــــــــــــــــــــــ
   (2) لظهور الأدلّة ، مثل قوله (عليه السلام) في صحيح ابن سنان : «كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه» (3) .

ـــــــــــــ
(3) الوسائل 9 : 329 /  أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 8 .

ــ[399]ــ

وإن كان غنيّاً وكانت واجبة عليه لو انفرد ، وكذا لو كان عيالاً لشخص ثمّ صار وقت الخطاب عيالاً لغيره . ولا فرق في السقوط عن نفسه بين أن يخرج عنه من وجبت عليه أو تركه عصياناً أو نسياناً ، لكن الأحوط ((1)) الإخراج عن نفسه حينئذ . نعم ، لو كان المعيل فقيراً والعيال غنيّاً فالأقوى وجوبها على نفسه .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وقوله في موثّق إسحاق : «الواجب عليك أن تعطي عن نفسك وأبيك واُمّك وولدك» (2) .

   وقوله (عليه السلام) في صحيح ابن يزيد: «الفطرة واجبة على كلّ مَن يعول»(3) .

   في تعلّق الوجوب بنفس المعيل ، وأ نّها فطرة واحدة ثابتة في عهدته وهو المسؤول عنها دون غيره على نحو تكون مخصّصة لعموم وجوب الفطرة على كلّ أحد ، فلا وجوب على العيال بتاتاً .

   وبعبارة اُخرى : الظاهر من الصحيح الأخير ونحوه أ نّه (عليه السلام) بصدد بيان مَن تجب عليه الفطرة ، لكون السؤال عن ذلك ، لا بيان وجوب آخر زائداً على الفطرة التي تجب على نفس العيال ، فإذا وجبت على المعيل فطبعاً تسقط عن غيره .

   نعم ، يبقى الكلام في جهتين :

   الاُولى : هل السقوط عن العيال منوط بإخراج المعيل ، فلو لم يخرج عصياناً أو نسياناً لم يسقط عنه ، أم أ نّه مطلق من هذه الجهة ؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يترك الاحتياط في فرض النسيان ونحوه ممّا يسقط معه التكليف واقعاً .

(2) الوسائل 9 : 328 /  أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 4 .

(3) الوسائل 9 : 327 /  أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 2 .

ــ[400]ــ

   الثانية : لو سقط الوجوب عن المعيل لكونه فقيراً فهل يجب على العيال إذا كان غنيّاً ؟

   أمّا الجهة الاُولى : فلا ريب أنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على تعلّق التكليف بالمعيل هو السقوط عن المعال عنه ، سواء أدّاه المعيل خارجاً أم لا ، لاحتياج الوجوب على المعال عنه في صورة عدم الأداء إلى الدليل ولا دليل .

   فإنّ دعوى الوجوب في حقّه حينئذ متوقّفة على أحد أمرين :

   إمّا أن يقال : بأنّ التكليف متوجّه إلى العيال نفسه ، والمعيل موظّف بتفريغ الذمّة وإسقاط الوجوب بدفع الفطرة الثابتة في عهدة العائلة ، فإذا عصى وجب عليهم تفريغ ذمّتهم .

   وقد قرّبنا مثل ذلك في دية الخطأ وقلنا : إنّ الدية واجبة على نفس القاتل ولو خطأً ، لقوله تعالى : (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ)(1) ، فهو المشغول ذمّته بها ابتداءً ، ولكن العاقلة مكلّفون بتفريغ ذمّته فلو عصوا وجب على القاتل نفسه ، وبذلك فرّقنا بين القتل الخطئي والعمد شبيه الخطأ ، وأنّ الدية ثابتة على القاتل في كلا الموردين إلاّ أنّ العاقلة مكلّفون بالتفريغ في الأوّل دون الثاني .

   هكذا اخترنا هناك ، لقيام الدليل عليه حسبما أوضحناه في محلّه (2) .

   وأمّا في المقام فلم يدلّ على ذلك أيّ دليل ، بل مقتضى الأدلّة حسبما عرفت تعلّق التكليف بنفس المعيل ابتداءً كما هو مقتضى قوله (عليه السلام) : «نعم ، الفطرة واجبة على كلّ من يعول» ، فنفس الفطرة واجبة عليه لا أ نّه يجب عليه تفريغ ذمّة الغير ، فإنّ هذا خلاف الظاهر جدّاً ، ولا سيّما وقد ذكر في غير واحد من النصوص جملة ممّن لا تجب الفطرة عليه جزماً كالصبي والمجنون ، فكيف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النِّساء 4 : 92 .

(2) شرح العروة (مباني تكملة المنهاج 2) :  197 و 449 .

 
 

ــ[401]ــ

يمكن أن يقال : إنّ التكليف متوجّه بتفريغ ذمّة الغير ؟!

   أو يقال : بأنّ مقتضى الجمع بين ما دلّ على وجوب الزكاة على كلّ مكلّف ، وما دلّ على وجوبها على المعيل هو الالتزام بالوجوب الكفائي الذي نتيجته أنّ المعيل لو أدّى سقط عن المعال عنه ، وإلاّ وجب على المعال نفسه .

   وهذا أيضاً كما ترى ، فإنّه وإن كان أمراً ممكناً في نفسه إلاّ أ نّه لا دليل عليه في مقام الإثبات بوجه ، بل الدليل على خلافه ، فإنّ مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) في صحيح ابن يزيد المتقدّم : «الفطرة واجبة على كلّ من يعول» أنّ الضيف لو أدّى فطرته بنفسه لم يسقط الوجوب عن المعيل ، ضرورة أنّ مقتضى إطلاق الوجوب كونه عينيّاً لا كفائيّاً ، فتكون هذه الصحيحة مخصّصة لما دلّ على وجوب الفطرة عل كلّ مكلّف ، أي إلاّ إذا كان عيالاً لغيره .

   والحاصل : أنّ مقتضى الوجوب الكفائي هو السقوط عن المعيل بأداء العيال ، وهو خلاف الإطلاق ولم يلتزم به الفقهاء أيضاً ، فإذا كان الوجوب عينيّاً ومخصّصاً لإطلاقات الفطرة على كلّ مكلّف فعصيان المعيل وعدمه سيّان في عدم التعلّق بالعيال على أيّ حال حسبما عرفت .

   هذا كلّه فيما إذا كان المعيل مكلّفاً بالإخراج ولو واقعاً ولم يؤدّ خارجاً إمّا لعصيان أو جهل لم يُعذَر فيه .

   وأمّا إذا لم يتعلّق به التكليف حتّى في صقع الواقع ، كما في الناسي أو الغافل أو الجاهل المركّب المعـتقد للخلاف ، مثل : ما لو اعتقد أنّ هذا اليوم من شهر رمضان ولم يكن يوم العيد فكان عدم الأداء مستنداً إلى انتفاء التكليف دون العصيان أو التقصير ، فهل يجب الإخراج حينئذ على المعال عنه أم لا ؟

   صريح عبارة الماتن هو الثاني، لعطفه النسيان على العصيان، وهو وجيه، بناءً على القول بأنّ زكاة الفطرة كزكاة المال حقّ مالي متعلّق بالعين ، على الخلاف في

ــ[402]ــ

كيفيّة التعلّق وأنّ الذمّة مشغولة بأدائها كالدين ، فالمجعول في موردها حكم وضعي ثابت في الذمّة لا بدّ من الخروج عن عهدتها من غير أن يكون منوطاً بثبوت التكليف وعدمه ، كما هو الحال في سائر موارد الأحكام الوضعيّة من الضمانات ونحوها . وعليه ، فرفع التكليف الواقعي بحديث رفع النسيان لا يقدح في اشتغال ذمّة المعيل ، فهو مشمول لدليل الإخراج عن العيال وإن لم يتضمّن التكليف ، ومعه لا تكليف بالإضافة إلى العيال، لمكان التخصيص حسبما عرفت .

   وأمّا بناءً على ما هو الصحيح من أنّ الفطرة مجرّد حقّ إلهي والمجعول في موردها حكم تكليفي محض من غير أن يتضمّن الوضع بوجه ومن غير أن تكون الذمّة مشغولة بشيء ولا مدينة للفقراء ، فبما أنّ هذا التكليف مرفوع حتّى واقعاً كما هو المفروض فلم يكن ثمّة وجوب في حقّ المعيل كي يكون مسقطاً عن المعال عنه ومخصّصاً لعموم وجوب الفطرة على كلّ مكلّف . إذن فتبقى العمومات الشاملة للمعال عنه كسائر آحاد المكلّفين على حالها ، لسلامتها عندئذ عن المخصّص ، فيحكم بمقتضاها بوجوب الفطرة عليهم .

   فتحصّل : أ نّه ينبغي التفصيل في السقوط عن العيال لدى عدم الإخراج بين تعلّق التكليف بالمعيل وعدمه ، وعلى الثاني بين كون الفطرة حقّاً ماليّاً أم حكماً تكليفيّاً ، فيسقط على الأولين دون الأخير حسبما عرفت .

   وممّا ذكرناه يظهر الحال في :

   الجهة الثانية ، وهي أنّ المعيل إذا كان فقيراً فسقط الوجوب عنه لم يكن حينئذ أيّ موجب للسقوط عن العيال إذا كان غنيّاً ، لشمول العمومات له بعد سلامتها عن المخصّص ، إذ ليس المخصّص لها عدا تعلّق الوجوب بالمعيل ، وإذا سقط لأجل الفقر فلا مخصّص ، ومعه كانت عمومات الفطرة محكمة ولا مجال بعد هذا للرجوع إلى أصالة البراءة كما قيل بذلك في الزوجة الموسرة إذا كان زوجها معسراً ، إذ لا موضوع للأصل بعد وجود العموم اللفظي المقتـصر في

ــ[403]ــ

   ولو تكلّف المعيل الفقير بالإخراج(1) على الأقوى ، وإن كان السقوط حينئذ لا يخلو عن وجه .
ــــــــــــــــــــــــــ

تخصيصه على صورة استجماع شرائط الوجوب في المعيل كما هو واضح .

   (1) استحباباً لو قلنا به حتّى عن عياله الغني ، ولم نناقش فيه باختصاص الدليل بصورة فقره وفقر عائلته ، وكيف ما كان فلو تكلّف بالإخراج استحباباً أو رجاءً لم يكن مجزئاً عن العيال بعد فرض غناه وتوجيه الخطاب إليه ، فإنّ إطلاقه يقتضي عدم السقوط عنه بفعل الغير .

   نعم ، له وجه كما  أشار إليه في المتن ، نظراً إلى أ نّه بعد فرض الاستحباب في حقّ المعيل وقيامه بالإخراج يحتمل السقوط حينئذ عن العيال ، ولكنّه مدفوع بإطلاق الدليل وعدم كونه مشروطاً بعدم أداء المعيل حسبما عرفت .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net