وجوب الفطرة على المعيل فيما لو كانت العيلولة باختياره ورضاه - حكم ما لو مات بعد الغروب من ليلة الفطر 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3999


ــ[420]ــ

   [ 2852 ] مسألة 17 : إذا نزل عليه نازل قهراً عليه ومن غير رضاه وصار ضيفاً عنده مدّة ، هل تجب عليه فطرته أم لا ؟ إشكال (1) . وكذا لو عال شخصاً بالإكراه والجبر من غيره . نعم ، في مثل العامل الذي يرسله الظالم لأخذ مال منه فينزل عنده مدّة ظلماً وهو مجبور في طعامه وشرابه ، فالظاهر عدم الوجوب ، لعدم صدق العيال ولا الضيف عليه .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أهل البيت وأفراد العائلة ، ففي مثل ذلك تجب الفطرة عنهم ، لصدق العيلولة .

   فتحصّل : أنّ مجرّد الشرط في ضمن العقد لا يستوجب الوجوب ، بل العبرة بصدق العيال عرفاً حسبما عرفت .

   (1) منشؤه ظهور الأدلّة ولو انصرافاً فيما لو كانت العيلولة باختيار المعيل ورضاه وعن طيب نفسه ، لا ما كان كرهاً وعلى رغم أنفه بحيث كان بقاؤه عنده على وجه غير مشروع ، لإكراه وإجبار من نفس الضيف والعيال أو من شخص آخر ، فإنّ الإطلاقات منصرفة عن مثل هذا الفرض إمّا جزماً أو لا أقلّ احتمالا .

   ويعضده قوله (عليه السلام) في بعض النصوص: «ومن أغلقت عليه بابك»(1) وقوله (عليه السلام) : «وكلّ من ضممته إلى عيالك» (2) ، حيث أسند الإغلاق والضمّ إلى نفس المعيل . الظاهر في تصدّيه لذلك عن الرضا والاختيار ، دون الكره والإجبار، لعدم كون الإسناد إليه حينئذ على وجه الحقيقة كما لا يخفى ، فهذه الصورة غير مشمولة لإطلاقات الأدلّة من الأوّل ، لمكان الانصراف ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ورد بتفاوت يسير في الألفاظ كما في الوسائل 9 : 330 / أبواب الزكاة ب5 ح9، 13 .

(2) الوسائل 9 : 329 /  أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 8 .

 
 

ــ[421]ــ

ومقتضى الأصل البراءة عنه ، وهذا هو الصحيح .

   وقد يقال ـ كما قيل ـ بأنّ مقتضى حديث رفع الإكراه رفع كلّ أثر مترتّب على المكره عليه ، ومنه وجوب الفطرة ، فيرتفع عن العيلولة المكره عليها .

   ويندفع بما ذكرناه في محلّه عند التكلّم حول الحديث بأنّ مفاده رفع الحكم المتعلّق بالفعل أو المترتّب عليه ، أي كلّ فعل كان متعلّقاً أو موضوعاً لحكم شرعي ـ كالكفّارة المترتّبة على الإفطار ـ فهو مرفوع في عالم التشريع إذا صدر عن الإكراه أو الاضطرار ونحوهما ، وأمّا الآثار الغير المترتّبة على فعل المكلّف بل على أمر آخر جامع بينه وبين غيره وقد يجتمع معه ـ كالنجاسة المترتّبة على الملاقاة التي قد تستند إلى الفعل الاختياري وقد لا تستند ـ فهي غير مرفوعة بالحديث بوجه .

   ومقامنا من هذا القبيل ، فإنّ الفطرة مترتّبة على عنوان العيلولة التي قد تكون اختياريّة وقد لا تكون ـ مع الغضّ عمّا مرّ من انصراف النصوص إلى الأوّل ـ فإنّ الموضوع كون شخص عياله للآخر الذي هو عنوان جامع بين الأمرين ، ومثله لا يرتفع بالحديث ، لاختصاصه بالأحكام المتعلّقة أو المترتّبة على الفعل الاختياري كما عرفت .

   وممّا يؤكّد ذلك أ نّا لو فرضنا أنّ العيلولة كانت اضطراريّة فالجأته الضرورة الملحّة على اتّخاذ العـيال ، أفهل يحتمل حينئذ أن لا تجب فطرته عليه لحديث رفع الاضطرار؟ فيقال بأنّ العيلولة الاضطراريّة كالإكراهيّة مرفوعة بالحديث ، والسرّ ما عرفت من اختصاص الحديث بما يتعلّق أو يترتّب على الفعل الاختياري دون غيره .

ــ[422]ــ

   [ 2853 ] مسألة 18 : إذا مات قبل الغروب من ليلة الفطر لم يجب في تركته شيء ، وإن مات بعده وجب الإخراج((1)) من تركته(1) عنه وعن عياله ، وإن كان عليه دين وضاقت التركة قسّمت عليهما بالنسبة .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) أمّا عدم وجوب شيء في تركته لو مات قبل الغروب فظاهر ، لعدم إدراكه زمان الوجوب .

   وأمّا لو مات بعد الغروب فقد حكم في المتن بوجوب الإخراج عنه وعن عياله من تركته ، بل لو كان عليه دين تقسّم عليهما بالنسبة لدى المضايقة .

   وقد تقدّم أنّ صاحب الوسائل حمل رواية ابن الفضيل ـ المتضمّنة لإخراج المملوك عن نفسه من مال مولاه وقد صار لليتامى ـ على موت المولى بعد الهلال .

   أقول : هذا الحكم ذكره المحقّق في الشرائع(2) ، ولم يتعرّض في الجواهر لشرحه مستقصىً (3) ، وكأ نّه أرسله إرسال المسلّمات .

   ولكن للنظر فيه مجال ، فإنّ الفطرة لو كانت كزكاة المال حقّاً متعلّقاً بالعين مع وجودها حيث تكون مشتركة بين المالك والفقير بالنسبة وديناً ثابتاً في الذمّة مع تلفها كما في سائر الديون ، لاتّجه ما اُفيد .

   ولكنّا لم نعثر حتّى الآن على رواية يستفاد منها ذلك ، بل الجمود على ظواهر الأدلّة يعطينا أنّ وجوب الفطرة تكليف محض ـ كإقامة الصلاة ـ من دون أن يتضمّن الوضع بوجه ، فهو واجب إلهي كسائر التكاليف الصرفة المنوطة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال بل منع .

(2) الشرائع 1 : 202 .

(3) الجواهر 15 : 512 .

ــ[423]ــ

بالقدرة والحياة والساقطة لدى العجز والممات من غير أن تستتبع اشتغال الذمّة بتاتاً . فليفرض أ نّه كان بانياً بعد دخول الوقت على الإخراج ولم يكن عاصياً ولكن اختطفه القدر ولم يمهله الأجل فسقط عنه التكليف ، فما هو المسوّغ بعدئذ للإخراج والذمّة فارغة فضلاً عن المزاحمة مع سائر الديون ؟! فإنّه يحتاج إلى الدليل ولم يقم عليه أيّ دليل .

   وممّا يرشدك إلى ما ذكرناه ما سيأتي الكلام عليه قريباً إن شاء تعالى من أ نّه لو لم يخرج الفطرة إلى أن مضى وقتها كما بعد الزوال ـ على القول بالتحديد به ـ أو غير ذلك كما ستعرف ، فالمشهور أ نّها تسقط حينئذ والإعطاء بعد ذلك صدقة مستحبّة وليس من الفطرة ، وقد دلّت عليه رواية معتبرة ، وذهب جماعة إلى وجوب القضاء كما يجب قضاء الصلاة والصيام ، والتزم جمع قليل بأ نّها أداء .

   فلو كانت الفطرة من قبيل الوضع وديناً ثابتاً في الذمّة فأيّ مجال بعدئذ لهذا البحث وكيف يحرّر هذا النزاع؟ إذ ما الذي أسقط الذمّة وأفرغها بعد الاشتغال؟! أفهل ترى أنّ خروج الوقت من مناشئ ذلك وموجبات الفراغ عن حقوق الناس ؟!

   وعلى الجملة : لا ينسجم تحرير هذا البحث مع الالتزام بكونها حقّاً ماليّاً وديناً ثابتاً في الذمّة بوجه .

   إذن فلايبعد أنّ الفطرة من قبيل التكليف المحض كالصلاة، والمعروف والمشهور أنّ الواجبات الإلهية لاتخرج من أصل المال ما عدا الحجّ للنصّ وهو الصحيح، ولكن السيّد الماتن (قدس سره) يرى أنّ جميعها تخرج من الأصل . وكيف ما كان ، فالفتوى بخروج الفطرة عن أصل التركة لا يستقيم على المشهور إلاّ بناءً على كونها كزكاة المال ديناً ثابتاً في الذمّة ، وقد عرفت أ نّه في غاية الإشكال، فالمساعدة على ما أفاده في المتن مشكل جدّا .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net