اختلاف الأخبار في تعيين الضابط لجنس الفطرة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4151


ــ[427]ــ


فصل

في جنسها وقدرها

   والضابط في الجنس: القوت الغالب لغالب الناس(1) وهو: الحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن والذرة وغيرها .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) اختلفت كلمات الأصحاب (قدّس الله أسرارهم) تبعاً لاختلاف الأخبار في تعيين الضابط لجنس الفطرة :

   فعن الصدوقين وابن أبي عقيل تخصيصه بالأربعة(1) ـ أعني: الحنطة والشعير والتمر والزبيب ـ وهذا هو منشأ احتياط الماتن في الاقتصار عليها للاجتزاء بها اتّفاقا .

   وزاد في المدارك الأقط ، لورود صحيحتين دلّتا عليه ، إحداهما مطلقة والاُخرى مختصّة لأهل الإبل والغنم والبقر(2) .

   وزاد السيّد المرتضى اللبن(3) .

   وزاد الشيخ المفيد وجماعة آخرين الأرز فتكون سبعة (4) .

   والمشهور بين المتأخّرين بل وغيرهم كفاية القوت الغالب للناس من أيّ جنس كان كالعدس والماش والسلت وغيرها ممّا يغذّي الإنسان نفسه وعياله .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المختلف 3 : 181 .

(2) المدارك 5 : 338 .

(3) جمل العلم والعمل ضمن (رسائل الشريف المرتضى 3) : 80 .

(4) المقنعة : 250 .

ــ[428]ــ

   قال في الحدائق بعد ذكر هذه الأقوال : إنّ صاحب المدارك إنّما اختار الخمسة لما يراه من اختصاص النصوص الصحيحة على مسلكه ـ الذي يعبّر عنها صاحب الحدائق بالأصل الفاسد ـ بهذه الخمسة ثمّ اعترض عليه بما لفظه : وكان الواجب عليه أن يعدّ الذرة أيضاً ، لصحّة الخبر ، ولعلّه لم يقف عليه (1) .

   أقول : من المحتمل جدّاً ـ بل لعلّه الظاهر ـ أنّ صاحب المدارك لم يعتبر هذه الرواية (2) صحيحة ، ولذلك لم يذكرها ، والوجه فيه أ نّها مرويّة عن أبي عبدالرحمان الحذّاء ، وصاحب الحدائق يرى أنّ المكنّى بهذه الكنية اسمه أيّوب ابن عطيّة وهو ثقة ، ولكنّه غير واضح ، فإنّ أيّوب بن عطيّة وإن كان ثقة ومكنّى بهذه الكنية إلاّ أ نّه لم يثبت إرادته من هذه الرواية، ضرورة عدم انحصار هذه الكنية به ، ومن الجائز أن يراد به شخص آخر مكنّى بهذه الكنية ، كما قد تشهد به رواية الشيخ الصدوق لها بعين السند والمتن ولكن سمّاه بالحسن الحذّاء(3) ، فيظهر منه أنّ المراد بأبي عبدالرحمان في هذه الرواية هو الحسن الحذّاء وهو رجل مجهول ، إذ لا يحتمل التعدّد بأن يروي الراوي بهذا السند للصدوق عن شخص وللشيخ عن شخص آخر . ومع التنازل فلا أقلّ من احتمال الاتّحاد فتصبح الرواية ضعيفة وتسقط عن صلاحيّة الاستدلال .

   ومن القريب جدّاً أنّ صاحب المدارك لم يلتفت إلى ذلك ولأجله لم يذكرها .

   نعم ، كان عليه أن يضيف اللبن ، لوروده في صحيحة زرارة وابن مسكان جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : الفطرة على كلّ قوم ممّا يغذّون عيالهم من لبن أو زبيب أو غيره» (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 12 : 282 .

(2) الوسائل 9 : 335 /  أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 10 .

(3) علل الشرائع : 390 / 1 .

(4) الوسائل 9 : 343 /  أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 1 .

ــ[429]ــ

   وقد رواها في التهذيب تارةً عن زرارة واُخرى عن ابن مسكان (1) ، غير أنّ صاحب الوسائل جمع بينهما في النقل . وكيف ما كان فالسند صحيح كما عرفت، فكان اللاّزم عليه أن يذكره أيضاً ، ولكن الظاهر أ نّه (قدس سره) معذور في ذلك ، إذ لا يعـتبر هذه الرواية صحيحة ، من أجل أنّ محمّد بن عيسى الذي يروي عن يونس ضعّفه ابن الوليد وتبعه الصدوق وكذلك الشيخ في رجاله وفي الفهرست والاستبصار(2) ، ولعلّ صاحب المدارك بنفسه أيضاً يرى ضعفه ، بل هو الظاهر . وكيف ما كان فبناءً على مسلكه من الاقتصار على الصحاح من الأخبار فالأمر كما ذكره لانحصارها في الخمسة كما عرفت .

   نعم ، صحيحة محمّد بن مسلم تضمّنت القمح والعدس والسلت ، لكن في فرض العجز عن الحنطة والشعير(3) ، وسنتكلّم فيها إن شاء تعالى .

   والمقصود أنّ هذه الرواية لو كانت ضعيفة فالأمر كما ذكره (قدس سره) من الاختصاص بالخمسة، ولكنّا قد ذكرنا في محلّه أنّ محمّد بن عيسى بن العبيدي من أجل الثقات ، وقد ذكر النجاشي أنّ أصحابنا ينكرون على ابن الوليد أ نّه كيف لا يعمل بروايات العبيدي وقد قال الفضل بن شاذّان في حقّه : مَن مثل العبيدي(4) ؟! وقال ابن نوح : أ نّه أصاب شيخنا ابن الوليد إلاّ في محمّد بن عيسى(5) . وعليه ، فلا أثر لما ذكره ابن الوليد . على أ نّه لم يظهر منه تضعيف الرجل بنفسه ، بل استثنى من كتاب نوادر الحكمة خصوص ما ينفرد به العبيدي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 4 : 78 / 2 .

(2) حكاه النجاشي عن الصدوق : 333 ، الفهرست : 140 / 611 ، رجال الطوسي : 422 / 10 ، الاستبصار 1 : 14 .

(3) الوسائل 9 : 337 /  أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 13 .

(4) النجاشي : 333 ـ 334 / 896 .

(5) النجاشي : 348 / 939 .

ــ[430]ــ

عن كتب يونس ، والظاهر من ذلك أنّ له مناقشة في خصوص رواياته عن كتب يونس ، وتبعه على ذلك الصدوق الذي يصرّح هو بنفسه أ نّه يتبع في التصحيح والتضعيف شيخه ابن الوليد ، ولأجل ذلك لم يرو الصدوق في الفقيه ولا رواية واحدة عن العبيدي عن يونس ، لأنّ شيخه لم يسمح بذلك ، ومع ذلك تراه يروي في الفقيه عن العبيدي عن غير يونس في موارد كثيرة تبلغ نيفاً وثلاثين مورداً ، وكذلك ابن الوليد بنفسه فإنّه يروي عن العبيدي عن غير يونس ، فيعلم من ذلك بوضوح أنّ ابن الوليد لا يناقش في محمّد بن عيسى العبيدي بنفسه ولا يضعّفه ، بل كان في نظره خصوصيّة لما يرويه عن كتب يونس ، وهذا اجتهاد منه لا يلزمنا متابعته فيه كما لا يخفى .

   وأمّا تضعيف الشيخ فهو أيضاً ليس بشيء ، إذ هو مبني حسبما يظهر من الفهرست على تخيّله أنّ ابن الوليد والصدوق ضعّفاه ، وإلاّ فهو لم يذكر وجهاً آخر لضعفه غير ذلك ، وهذا أيضاً اجتهادٌ منه .

   إذن فما تسالم عليه الأصحاب ـ كما ذكره النجاشي من وثاقة الرجل وما ذكره الفضل بن شاذّان من المدح البليغ ـ هو المتّبع . وعليه ، فالرواية معتبرة ويحكم بمقتضاها بكفاية اللبن ، بل وكفاية مطلق ما يغذّي الإنسان عياله المعبّر عنه بالقوت الغالب .

   ثمّ إنّ الأجناس الأربعة التي ذكرنا أ نّه لا كلام في الاجتزاء بها، لم ترد مجتمعة ولا في رواية واحدة معتبرة بحيث تدلّ على الانحصار فيها ، فإنّ الروايات الواردة في ذلك :

   إحداهما : صحيحة سعد بن سعد الأشعري : عن الفطرة كم يدفع عن كلّ رأس من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ؟ «قال : صاع بصاع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) » (1) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 332 /  أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 1 .

ــ[431]ــ

   وهي وإن اشتملت على الأربعة ولكنّها مذكورة في كلام الراوي دون الإمام (عليه السلام) ، ولا نظر فيه إلى الانحصار ، إذ السؤال عن المقدار لا عن ذي المقدار ، فهي محمولة على المثال ، وغايته إجزاء الإخراج عن أحد هذه الأربعة كما هو المتسالم عليه بين الفقهاء ، وأمّا الحصر فلا يستفاد منها بوجه .

   الثانية : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك ـ إلى أن قال : ـ عن كلّ إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين» (1) .

   وهي أيضاً مخدوشـة بعدم إمكان العمل بها ، لعدم كفاية نصف الصاع بلا إشكال ، فهي محمولة على التيقّة جزماً ، حيث إنّ عثمان هو الذي أحدث هذه البدعة واكتفى في الحنطة بنصف الصاع كما اُشير إليه في بعض النصوص المتقدِّمة .

   والتفكيك بين القيد والمقيّد بحمل المقدار على التقيّة دون ذي المقدار كما ترى . فهي إذن لا تدلّ على الحصر أيضاً .

   نعم ، في بعض الروايات الضعيفة دلالة على الحصر ، مثل : ما روي عن عبدالله بن سنان مرسلاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن صدقة الفطرة «قال : عن كلّ رأس من أهلك ، الصغير منهم والكبير ، والحرّ والمملوك والغني والفقير ، كلّ من ضممت إليك ، عن كلّ إنسان صاع من حنطة أو صاع من شعير أو تمر أو زبيب» (2) .

   ولكنّها من أجل الإرسال غير صالحة للاستدلال وإن تمّت دلالتها .

   وعلى الجملة : فلم ترد الأربعة في أيّ رواية معتبرة . نعم ، ذكر مجموعها في روايات متفرّقة :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 336 /  أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 11 .

(2) الوسائل 9 : 330 /  أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 12 .

ــ[432]ــ

   ففي صحيحة عبدالله بن ميمون ذكر القمر والزبيب والشعير ولم تذكر الحنطة(1) ، ونحوها صحيحة معاوية بن وهب (2) .

   وفي صحيحة صفوان ذكر الحنطة والتمر والزبيب ولم يذكر الشعير (3) .

   وفي صحيحة معاوية بن عمّار اقتصر على الأقط لأصحاب الإبل والبقر والغنم (4) .

   هذا ، وقد ذكر في الحدائق وتبعه صاحب الجواهر أنّ في صحيحة عبدالله بن سنان : «صاع من حنطة أو صاع من شعير» (5) .

   والظاهر أنّ هذا  سهو منهما، فإنّ الرواية بهذه الصورة غير موجودة ، بل هي في الاستبصار هكذا : «نصف صاع من حنطة أو صاع من شعير»(6) وفي التهذيب هكذا : «نصف صاع من حنطة أو صاع من شعير أو صاع من تمر»(7) ، وصاحب الوسائل نقلها بالمعنى ، حيث قال في ذيل رواية الحـلبي ما لفظه : وعنه ، عن حمّاد ، عن عبدالله بن المغـيرة ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) نحوه ، وزاد : «أو صاع من شعير» (8) .

   والحاصل : أنّ صحيحة عبدالله بن سنان بتلك الصورة مقتصراً عليهما لا وجود لها نهائيّاً ، بل الموجود منها ما أثبتناه حسبما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 330 /  أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 11 .

(2) الوسائل 9 : 335 /  أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 8 .

(3) الوسائل 9 : 327 /  أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 1 .

(4) الوسائل 9 : 333 /  أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 2 .

(5) الحدائق 12 : 282 ، الجواهر 15 : 517 .

(6) الاستبصار 2 : 47 / 155 .

(7) التهذيب 4 : 81 / 234 .

(8) الوسائل 9 : 336 /  أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 12 .

ــ[433]ــ

   وكيف ما كان ، فقد ظهر أنّ الأربعة لم تذكر مجتمعة في شيء من الروايات المعتبرة ، بل ذكرت متفرّقة متشتّتة ، فلا بدّ إذن من ملاحظة الجمع بينها بإضافة الأقط الوارد في النصّ المعتبر كما مرّ فتكون خمسة ، وبين ما دلّ على أنّ العبرة بما يغذّي الإنسان نفسه وعياله المعبّر عنه بالقوت الغالب .

   فنقول : لاريب في التنافي بين إطلاق الضابطين ، فإنّ بينهما عموماً من وجه، إذ القوت الغالب قد لا يكون من الخمسة كالعدس والماش ونحوهما ، كما أنّ الخمسة قد لاتكون قوتاً غالباً، كالزبيب لأهل العراق، بل الشعير لغالب البلدان، فإطلاق كلّ من الدليلين يضادّ الإطلاق في الدليل الآخر ويعارضه ، إذ العبرة في أحدهما بالقوت الغالب ، سواء أكان من الخمسة أم لا ، وفي الآخر بالعكس .

   وحينئذ فإمّا أن يؤخذ بكلّ من الإطلاقين بأن يلتزم بكفاية القوت الغالب وإن لم يكن من الخمسة ككفايتها وإن لم تكن قوتاً غالباً ، أو يؤخذ بإطلاق أحدهما دون الآخر ، أو يقيّد كلّ منهما بالآخر .

   لا سبيل إلى الأوّل قطعاً ، أمّا أوّلاً : فلعدم حجّيّة الإطلاق مع وجود ما يصلح للتقييد ، فإنّ صحيحة زرارة قد تضمنت التقييد بما يغذّي الإنسان عياله المعبّر عنه بالقوت الغالب، ومع هذا الظهور كيف يمكن رفع اليد عنه والعمل بإطلاق الطائفة الاُخرى ؟!

   وثانياً : أ نّه قد ذكر الزبيب في نفس هذه الصحيحة ، الكاشف عن أ نّه إنّما يجزئ لكونه قوتاً غالباً، ومعه كيف يمكن الأخذ بإطلاق الطائفة الاُخرى الدالّة على كفاية الزبيب بعنوانه وإن لم يكن قوتاً غالباً ؟! كما لا سبيل إلى الأخذ بإطلاق الطائفة الاُولى والحكم بكفاية أحد الخمسة مطلقاً وإن لم تكن قوتاً غالباً وارتكاب التقييد في دليل القوت بكونه من أحدها ، وذلك لعين ما عرفت آنفاً من أنّ بعض هذه الخمسة ـ وهو الزبيب ـ قد ذكر في نفس هذا الدليل على نحو يظهر منه أنّ الاجتزاء به إنّما هو من أجل كونه قوتاً غالباً لا لخصوصية

ــ[434]ــ

فيه ، ومعه كيف يمكن الحكم بكفايته وإن لم يكن مصداقاً للقوت الغالب ؟!

   وعليه ، فيدور الأمر بين الوجهين الآخرين ، أعني : تقييد كلّ من الدليلين بالآخر لتكون النتيجة لزوم أحد الخمسة بشرط كونه من القوت الغالب ، أو الأخذ بإطلاق الطائفة الثانية وحمل الطائفة الاُولى على المثال فيكتفي بمطلق القوت الغالب من أيّ جنس كان من غير خصوصيّة للخمسة وإنّما ذكرت من باب المثال .

   والظاهر أنّ الثاني هو الأقرب وأنّ الاعتبار بالقوت الغالب ، سواء أكان من أحد الخمسة أم لا ، كما ذهب إليه المشهور.

   ويدلّنا عليه :

   أوّلاً : ذكر اللبن في هذه الصحيحة الذي ليس هو من أحد الخمسة ، فيعلم أ نّه لا خصوصيّة لها وأنّ نصوصها لم تكن في مقام الحصر بل في مقام المثال لمطلق القوت الشامل لمثل اللبن ونحوه .

   وثانياً : أ نّه قد ذكر في بعض الأخبار السابقة الأقط فقط لأصحاب الإبل والبقر والغنم ، أفيحتمل أن يكون الأقط بخصوصه واجباً عليهم بحيث لا يجزئ عنهم بقيّة الأجناس من الحنطة والشعير ونحوهما؟ لا شكّ أن هذا مقطوع العدم، فليس التخصيص بالذكر إلاّ من أجل أ نّه القوت الغالب عندهم ، لكثرة وجوده لديهم ، فيعلم أنّ العبرة بهذا العنوان من غير خصوصيّة للأفراد وأنّ ذكرها في الروايات ليس إلاّ من باب المثال وبيان الصغرى لتلك الكبرى .

   وثالثاً : ما أسلفناك قريباً من أنّ هاتيك الخمسة لم تذكر مجتمعة ولا في رواية واحدة معتبرة ، وإنّما ذكرت متفرّقة متشتّتة وكان التخصيص بها نتيجة الجمع بين الأخبار المختلفة بعد ضمّ بعضها إلى بعض كما تقدّم . وهذا ـ كما ترى ـ كاشف قطعي عن أنّ الروايات الواردة في هذه الأجناس لم تكن في مقام الحصر،

ــ[435]ــ

ولأجله اقتصر في بعضها على بعض ، فيظهر من ذلك بوضوح أ نّه لا خصوصيّة لشيء منها ، وإنّما ذكرت من باب المثال لمطلق القوت الغالب الذي هو تمام الموضوع للحكم .

   ورابعاً : ما نلاحظه من تكرار لفظ الصاع في جميع تلك النصوص المعتبرة وأنّ الفطرة صاع من حنطة وصاع من شعير وصاع من تمر وصاع من زبيب ، كما في موثّق ياسر القمّي (1) وغيره ، مع إمكان الاكتفاء بكلمة الصاع مرّة واحدة ، فإنّ ذلك لم يظهر له أيّ وجه ما عدا أنّ العناية البليغة والاهتمام التامّ في هذه الأخبار معطوف نحو الكمّ والمقدار ، ولا نظر فيها إلى الجنس وذي المقدار ، وإنّما ذكر ذلك من باب المثال ، وأنّ العمدة التنبيه على مساواة هذه الأجناس في التقدير بالصاع ، خلافاً للعامّة وطعناً على ما ابتدعه عثمان ومعاوية من التقدير في الحنطة بنصف الصاع كما اُشير إليه في بعض النصوص المتقدّمة .

   وعلى الجملة : فلا ظهور لهذه الأخبار في الاختصاص بالخمسة ، بل هي مسوقة لبيان أنّ الكمّيّة في الجميع واحدة بلا فرق بين الأجناس أبداً ، فطبعاً لم يكن ذكرها إلاّ من باب المثال .

   وعليه ، فظهور صحيحة زرارة في أنّ العبرة بالقوت الغالب سليمٌ عن أيّ معارض ، فيؤخذ به .

   وتحمل الأجناس الواردة في تلك الأخبار التي ربّما يستظهر منها الاختصاص على المثال حسبما عرفت .

   هذا ، مع الإغماض عن كلّ ما ذكرناه وتسليم عدم ظهور النصوص فيما استظهرناه فغايته الشكّ في لحاظ الخصوصيّة لهذه الخمسة فيتمسّك في نفيها بأصالة البراءة ، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إليها عند الشكّ في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 334 /  أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 5 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net