ــ[436]ــ
والأحوط الاقتصار على الأربعة الاُولى ((1)) (1) وإن كان الأقوى ما ذكرنا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزئيّة أو الشرطيّة .
فتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ الأظهر الاكتفاء بكلّ ما يكون قوتاً غالباً ، سواء أكان من الخمسة أم من غيرها ، وإن كان الأحوط الاقتصار على الخمسة كما اُشير إليه في المتن ، لكن بشرط كونها من القوت الغالب ، وإلاّ فالأحـوط خلافه ، إذ قد يكون القوت الغالب في بعض البلاد شيء وفي بعض شيء آخر، فمقتضى الاحتياط حينئذ إخراج ذلك القوت إن لم يكن من الخمسة ، وأحوط منه الجمع بين الأمرين .
(1) للتسالم على الاجتزاء بها ، مضافاً إلى القول بالاختصاص كما تقدّم ، ولكنّه مشروط بكونها من القوت الغالب كما تقدّم، وإلاّ فالأحوط دفع القوت الغالب، وأحوط منه الجمع بين الأمرين ، ففي مثل بلاد طبرستان التي يكون القوت الغالب فيها الأرز الأحوط الجمع بينه وبين أحد الأربعة .
والمتحصّل من جميع ما ذكرناه لحدّ الآن : أنّ المستفاد من النصوص بعد ضمّ بعضها إلى بعض أ نّه تجزئ الحنطة والشعير والتمر والزبيب والأقط واللبن .
كما أنّ المستفاد من صحيح زرارة وابن مسكان كفاية كلّ ما يغذّي به الإنسان عياله ، المعبّر عنه بالقوت الغالب ، فيشمل مثل الماش والعدس والأرز وإن لم يرد الأخير في شيء من النصوص .
وأمّا ما لا يكون غذاءً وإن كان ممّا يحتاج إليه ـ كالرطب والعنب والبسر والحصرم ونحوها من المراتب السابقة على التمر والزبيب ـ فلا يجتزئ بها ، لعدم التقوّت والتغذّي بها ولو في بعض البلدان وفي نوبة واحدة ، بخلاف التمر والزبيب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا الاحتياط يختصّ بما إذا كانت من القوت الغالب .
ــ[437]ــ
بل يكفي الدقيق والخبز ((1)) (1) والماش ، والعدس .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فانّهما كذلك ، ومن ثمّ اقتصر عليهما في النصوص ولم يذكر شيء من المراتب السابقة عليهما، مع أنّ الرطب والعنب أكثر وجوداً، لمسبوقيّة التمر والزبيب بهما .
وأولى بعدم الإجزاء ما يكون مثل السكّر والملح والدبس ، بل الخضروات بالأسر حتّى الخيار ، فإنّ شيئاً منها لا يكتفى بها في مقام التغذّي ولو لقوم أو بلد خاصّ في نوبة واحدة وإن كان الجميع ممّا يحتاج إليه في الطعام .
(1) أمّا الدقيق فإن كان صاعاً فهو كاف قطعاً ، لعدم احتمال مدخليّة الحنطة بشكلها الخاصّ ، فإنّ هذا حنطة وإن تغيّرت صورته ، بل الصاع منه يزيد على الصاع منها بمقدار الربع ، ومن ثمّ كان أفضل ، لكونه أنفع بحال الفقـير كما لا يخفى .
وإن كان أقلّ ـ كما لو طحن صاع من الحنطة ، حيث يكون الدقيق الخالص بعد الطحن حوالي ثلاثة أرباع الصاع كما عرفت ـ فيشكل الاجتزاء حينئذ ، نظراً إلى أنّ مقتضى الجمود على ظواهر النصوص لزوم اشتمال المواد الفعليّة للمدفوعات على صاع كامل من الحنطة أو الشعير ، والمفروض نقصان الدقيق المدفوع عن هذا الوزن .
إلاّ أنّ المستفاد من صحيح عمر بن يزيد هو الاجتزاء وأنّ النقص يحتسب بدلاً عن اُجرة الطحن، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) تعطى الفطرة دقيقاً مكان الحنطة؟ «قال: لابأس ، يكون أجر طحنه بقدر ما بين الحنطة والدقيق»(2) .
فإن كان إجماع على خلافه فليطرح ، وإلاّ كما هو الصحيح ، نظراً إلى أنّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في كفاية الخبز إشكال ، إلاّ إذا كانت مادته بمقدار الصاع .
(2) الوسائل 9 : 347 / أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 5 .
ــ[438]ــ
مورده الحنطة وأ نّها بنفسها لا تقلّ عن الصاع دون المتّخذ منه ، فلا مانع من العمل به بعد عدم قيام إجماع على خلافه .
وأمّا الخبز فإن كان أصله صاعاً من الحنطة المستلزم لكون وزنه الفعلي صاعاً ونصف الزيادة بعد الطبخ بمقدار الثلث من أجل المزيج ـ وهو الماء ـ فلا إشكال في الاكتفاء كما عرفت في الدقيق ، بل هو أولى ، لكونه أنفع بحال الفقير . وأمّا لو كان وزنه الفعلي صاعاً واحداً المستلزم لكون الحنطة المتّخذ هو منها أقلّ بمقدار الثلث فيجري فيه الإشكال المتقدّم في الدقيق ، فإن أمكن التعدّي من مورد الصحيح ـ بأن يكون النقص هنا بإزاء أجر الطبخ كما كان في الدقيق بإزاء أجر الطحن ـ فهو ولكنّه مشكل جدّاً .
بل الظاهر عدم الإجزاء ، إذ المنسبق من الأدلّة لزوم دفع صاع من نفس الحنطة الخالصة أو الشعير كذلك لا بضميمة المزيج ، بل لا يجزئ حتّى لو كان المزيج من جنس الفطرة ، ولذا لا يكفي الصاع الملفّق من الحنطة والشعير كما سيجيء(1) ، فضلاً عن كونه من غير الجنس كالماء المشتمل عليه الخبز ، فإذا لم يجز المزيج من الجنس فمن غيره بطريق أولى ، إذ لا يحتمل أنّ نصف صاع من الحنطة لا يجزئ وبعد طحنها ومزجها بالماء وصيرورتها عجيناً يجزئ مع بلوغ الصاع ، فليس كلّ ما كان صاعاً قابلاً للأكل مجزئاً ، بل لا بدّ وأن تكون المواد صاعاً إمّا من الحنطة أو الشعير ونحوهما .
ويؤكّده أنّ الخبز كان كثير الوجود ومتعارفاً بيعه في الأسواق ، ومع ذلك لم يذكر في شيء من الأخبار ، فلو كان الصاع منه مجزئاً لكان أولى بالذكر من الحنطة ونحوها كما لا يخفى ، لكثرة وجوده وكثرة حاجة الفقير إليه ، بل هو أنفع بحاله .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 448 .
ــ[439]ــ
والأفضل إخراج التمر (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وممّا ذكر تعرف عدم الإجزاء بصاع من الحنطة أو الأرز المطبوخين الذي ربّما يعادل نصف صاع من الخالص منهما .
وأمّا ما قيل من استظهار كون الدقيق في الصحيح المتقدّم قيمةً لا أصلا .
ففيه : أوّلاً : أ نّه خلاف الظاهر جدّاً ، بل الظاهر دفع الدقيق فطرةً لا قيمةً كما لا يخفى .
وثانياً : ما سيأتي قريباً إن شاء تعالى وتقدّم في زكاة المال من اختصاص القيمة بالأوراق النقديّة ونحوها ممّا هو متمحّض في الثمنيّة ، لا دفع كلّ شيء له ماليّة ـ كفراش أو كتاب ـ قيمةً عن الحنطة ـ مثلاً ـ فإنّ الدليل قاصر عن هذا التعميم ، ولا سيّما بلحاظ التعليل في بعض النصوص بكونه أنفع بحال الفقير .
(1) كما دلّت عليه النصوص الكثيرة، التي منها صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث في صدقة الفطرة ـ قال: «قال: التمر أحبّ ذلك إليّ»(1) يعني : الحنطة والشعير والزبيب .
قوله : يعني ، من كلام صاحب الوسائل كما نبّه عليه المعلّق ، وكان عليه الفصل بينهما بمثل قوله : أقول ، كي لا يوهم أ نّه جزء من الرواية .
وموثّقة إسحاق بن عمّار : عن صدقة الفطرة «قال : التمر أفضل» (2) .
وصحيحة هشام «قال : التمر في الفطرة أفضل من غيره ، لأ نّه أسرع منفعة وذلك أ نّه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه» (3) ، ونحوها غيرها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 349 / أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 1 .
(2) الوسائل 9 : 350 / أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 4 .
(3) الوسائل 9 : 351 / أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 8 .
ــ[440]ــ
ثمّ الزبيب (1) ، ثمّ القوت الغالب (2) . هذا إذا لم يكن هناك مرجّح ، من كون غيرها أصلح بحال الفقير وأنفع له ، لكن الأولى والأحوط حينئذ دفعها ((1)) بعنوان القيمة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كما هو المعروف ، ولكن قد يقال بأنّ مقتضى التعليل المتقدّم في صحيح هشام مساواته مع التمر في الفضل، ويندفع بالتصريح في صحيحة الحلبي المتقدّمة بأفضليّة التمر من الزبيب ، فمن الجائز أن تكون في التمر جهات اُخرى مختصّة أوجبت أفضليّته منه وإن اشتركا في هذه الجهة .
(2) إن كان المراد به الغالب لنفسه وعياله كما ذكره غيره من الفقهاء كالمحقّق في الشرائع(2) ـ أي القوت الشخصي من حنطة أو شعير ـ وأنّ الأفضل اختياره بعد التمر والزبيب وإن كان على خلاف القوت الغالب لعامّة الناس ، فله وجه ، وقد دلّت عليه مرسلة يونس(3) وخبر الهمداني الوارد في تقسيم الأمصار(4) ، بل ظاهرهما الوجوب ، ولكن من أجل ضعف السند تحملان على الاستحباب ولو من باب التسامح في أدلّة السنن .
إلاّ أنّ هذا لا يلائم مع قوله (قدس سره) أخيراً من أنّ الأولى والأحوط دفعها بعنوان القيمة لو كان غيرها أصلح بحال الفقير ، فإنّ إطلاقه يشمل ما لو كان ذلك الغير من الأجناس المنصوصة كالأقط واللبن والحنطة ونحو ذلك ، فلو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إذا كان المعطى من أحد النقدين وما بحكمهما تعيّن ذلك ، وأمّا إذا لم يكن من أحدهما ولم يكن من القوت الغالب النوعي فالأحوط بل الأظهر عدم الاجتزاء به .
(2) الشرائع 1 : 202 ـ 203 .
(3) الوسائل 9 : 344 / أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 4 .
(4) الوسائل 9 : 343 / أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 2 .
ــ[441]ــ
كان قوته الشخصي هو الشعير ـ مثلاً ـ والفقير بحاجة إلى اللبن أو الحنطة فما هو وجه الاحتياط في دفع الحنطة ـ مثلاً ـ قيمةً عن الشعير ؟! أفهل كان من المحتمل وجوب دفع القوت الشخصي لنحتاج إلى الاحتياط المزبور ؟!
نعم ، كونه أولى لا يخلو عن وجه ، لاحتمال أولويّة الاحتساب من القوت الشخصي على أيّ حال . وأمّا الاحتياط بأن يدفع الحنطة قيمةً عن الشعير فلا معنى له أبداً ، لعدم احتمال الوجوب بتاتاً كما عرفت .
وإن كان المراد القوت الغالب لغالب الناسرـ كما هو ظاهر كلامه بقرينة ذكره في صدر العبارة ـ فهذا صحيح ، إذ بعد فقد ما هو الأفضل من التمر ثمّ الزبيب فبطبيعة الحال ينتقل الأمر بعدئذ إلى سائر الأجناس ممّا يتقوّت به عامّة الناس .
إلاّ أنّ الاحتياط المزبور فيما لو كان غيره أصلح بحال الفقير كاللباس أو الفراش ونحوهما أيضاً لا معنى له ، لأ نّا إن قلنا بجواز دفع القيمة من غير النقدين فالمتعيّن عند دفع الأصلح قصد القيمة لا أ نّه أحوط ، لفرض عدم كونه من جنس الفطرة . وإن لم نقل بذلك وخصّصنا القيمة بالنقدين كما هو الصحيح فلا يجوز الدفع بعنوان القيمة بتاتاً ، فلا نعرف وجهاً لهذا الاحتياط أبداً .
وبالجملة : فلم يظهر لنا القيام صدر هذه العبارة مع ذيلها ، ولم يتّضح المراد، فإنّه إن أراد القوت الشخصي فله وجه ، ولكن الاحتياط حينئذ لم يكن في محلّه ، إذ قد يكون غيره منصوصاً عليه كما عرفت . وإن أراد الغالب لغالب الناس فيتعيّن القيمة على تقدير ولا يجوز على التقدير الآخر . وعلى أيّ حال ، لم يكن أيّ وجه للاحتياط ، فلاحظ وتدبّر .
|