ــ[443]ــ
[ 2857 ] مسألة 2 : الأقوى الاجتزاء بقيمة أحد المذكورات (1) من الدراهم والدنانير أو غيرهما من الأجناس الاُخر((1))، وعلى هذا فيجزئ المعيب والممزوج ونحوهما بعنوان القيمة ، وكذا كلّ جنس شكّ في كفايته فإنّه يجزئ بعنوان القيمة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نعم، لو كان خالص الممتزج ـ بعد التصفية ـ بمقدار صاع من الحنطة ـ مثلاً ـ أو كان المزيج مستهلكاً لقلّته ـ كمثقال تراب في صاع من الحنطة ـ لم يكن به بأس ، إذ لا ضير في الضميمة الزائدة كما لا ضير فيما يتسامح به ، بل الغالب في هذه الأجناس كذلك ، ولذا لو باع صاعاً مكيّاً من الحنطة وسلّمه ما يشتمل على مثقال أو مثقالين من التراب لم يكن به بأس كما هو واضح .
(1) لا خلاف فيه ولا إشكال ، وقد دلّت عليه جملة وافرة من الأخبار بالغة حدّ الاستفاضة بل فوقها ، وفي بعضها أ نّها أنفع للفقير ، إذ يشتري بها ما يريد .
كما لا إشكال في الاجتزاء بغير الدراهم من الدنانير ونحوها من النقود وإن اختصّت النصوص بالأوّل ، إذ لا يحتمل أن يكون للدرهم خصوصيّة تستدعي الاقتصار عليه ، بل هو من باب المثال لمطلق الأثمان ، ولعلّ تخصيصه بالذكر من أجل قلّة الفطرة ، حيث إنّها ـ كما سيجيء(2) ـ عن كلّ رأس صاع ، المعادل للدرهم، أو مع زيادة يسيرة، فلا مقتضي للتقدير بالدينار، لا أ نّه لا يجزئ مع وجود المقتضي كما في كثير العائلة، فلو أعالَ شخص عشرين نفراً ـ مثلاً ـ وأراد الإخراج عنهم بالدينار جاز بلا إشكال ، ويدلّ عليه التعليل بالأنفعيّة في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفي الاجتزاء بغير الدراهم والدنانير وما بحكمهما إشكال بل منع كما تقدّم ، وبهذا يظهر الحال في الفروع الآتية .
(2) في ص 449 .
ــ[444]ــ
موثّقة إسحاق بن عمّار(1) ، فإنّه كالصريح في أنّ العبرة في القيمة بالأنفعيّة الشاملة لمطلق الثمن من غير خصوصيّة للدرهم ، وهذا واضح لا سترة عليه .
وإنّما الكلام في إعطاء القيمة من غير النقدين كاللباس والفراش ونحوهما من الأجناس ، وقد جوّزه الماتن تبعاً لجماعة من الأصحاب ـ منهم صاحب الجواهر (2) ـ مستدلّين له بالإطلاق في بعض الأخبار ، وعمدته موثّقة إسحاق ابن عمّار الذي هو الراوي لأكثر أخبار الباب عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لا بأس بالقيمة في الفطرة» (3) ، فإنّ القيمة مطلقٌ يشمل الأثمان وغيرها ممّا له ماليّة .
ولكن صاحب المدارك خصّ الحكم بالأثمان (4) ، لما يرتئيه من الخدش في سند هذه الرواية ، من أجل الاشتمال على الحسن بن علي بن فضّال الذي هو فطحي وإن كان ثقة، ولذا يجيب عنه في الجواهر بأنّ الموثّق كالصحيح في الحجّيّة .
أقول : ما ذكره في الجواهر وإن كان وجيهاً فلا وقع للخدش في السند ، إلاّ أ نّه مع ذلك لا يمكن المساعدة على إطلاق الحكم ، وذلك من أجل ظهور عنوان القيمة في الأثمان ، فتقوم الأموال بما هو متمحّض في الثمنيّة كالدرهم والدينار وما يلحق بهما من الأوراق النقديّة لا بمال آخر ، فإذا قيل : ما قيمة هذا الدار ؟ يقال : كذا ديناراً ـ مثلاً ـ لا كذا فراشاً أو لباساً أو عقاراً ونحوها ، وبهذه العناية يمتاز البائع عن المشتري لدى المبادلة ، حيث إنّ المشتري يلاحظ الخصوصيّات التي تحتوي عليها العين الموجبة لرغبة العقلاء ، بخلاف البائع فإنّ نظره مقصور على ملاحظة كم الثمن الذي هو متمحّض في الماليّة فقط . وكيف
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 347 / أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 6 .
(2) الجواهر 15 : 519 .
(3) الوسائل 9 : 348 / أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 9 .
(4) المدارك 5 : 336 ـ 337 .
ــ[445]ــ
ما كان ، فلفظ القيمة غير ظاهر في الإطلاق ، بل في خصوص ما هو متمحّض في الماليّة المنحصر في النقدين وما يلحق بهما .
ويدلّ عليه غير واحد من الأخبار :
منها : موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الفطرة «فقال : الجيران أحقّ بها، ولا بأس أن يعطى قيمة ذلك فضّة»(1) ، حيث قيّد القيمة بالفضّة .
وموثّقته الاُخرى : «لا بأس أن يعطيه قيمتها درهماً» (2) .
وموثّقته الثالثة : ما تقول في الفطرة ، يجوز أن اُؤدّيها فضّة بقيمة هذه الأشياء ... (3) .
فإنّ الظاهر من الكلّ التقويم بخصوص الأثمان .
فما ذكره صاحب المدارك من الاختصاص بالنقدين هو الصحيح ، لعدم الإطلاق في تلك الموثّقة أوّلاً ، ومع التسليم فهو مقيّد بهذه النصوص .
بقي الكلام في روايتين :
إحداهما : صحيحة عمر بن يزيد ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) تعطى الفطرة دقيقاً مكان الحنطة ؟ «قال : لا بأس ، يكون أجر طحنه بقدر ما بين الحنطة والدقيق» (4) .
وقد احتمل ـ كما تقدّم(5) ـ ظهورها في جواز دفع القيمة من غير النقدين
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 348 / أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 10 .
(2) الوسائل 9 : 348 / أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 11 .
(3) الوسائل 9 : 347 / أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 6 .
(4) الوسائل 9 : 347 / أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 5 .
(5) في ص 437 .
ــ[446]ــ
وهو الدقيق .
ولكن عرفت ما فيه بأنّ ذلك ليس من باب القيمة ، بل الدقيق بنفسه فطرة، فإنّه حنطة مطحونة ، غايته أ نّه يقلّ بالطحن عن الصاع ، فدلّت الصحيحة على عدم البأس وأنّ ذلك يعدّ اُجرة الطحن ، وقلنا : إنّه لم يقم إجماع على خلافها، فهذه الرواية أجنبيّة عن التعرّض للقيمة . نعم ، ذيلها متعرّض لها ، إلاّ أ نّه مقيّد بالدرهم ، فلاحظ .
الثانية : ما رواه الشيخ بإسناده عن الصفّار، عن محمّد بن عيسى، عن سليمان بن جعفر المروزي، قال : سمعته يقول : «إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة ، والصدقة بصاع من تمر أو قيمته في تلك البلاد دراهم» (1) ، هكذا في الوسائل ، ورواها في الاستبصار بهذه الصورة أيضاً ، وأمّا التهذيب فقد روى عين هذه الرواية ولكن عن محمّد بن مسلم بدل : محمّد بن عيسى، وذكر أيضاً سليمان بن حفص المروزي، بدل : سليمان بن جعفر المروزي .
والظاهر وقوع التحريف في كلا الكتابين ، فإنّ الراوي هو محمّد بن عيسى كما في الاستبصار ، لا محمّد بن مسلم ، إذ ليس هو في طبقة من يروي عن سليمان ، ففي التهذيب تحريف من هذه الناحيـة ، كما أنّ سليمان بن جعفر في الاستبصار تحريف ، والصحيح سليمان بن حفص كما في التهذيب بقرينة سائر الروايات ، حيث إنّ محمّد بن عيسى إنّما يروي عن سليمان بن حفص المروزي . وأمّا سليمان بن جعفر فلا وجود له أصلاً .
ولكن الرواية ضعيفة السند على كلّ حال ، لعدم وثاقة ابن حفص بوجه ، وإن كانت الدلالة على المطلوب ـ أعني: اختصاص القيمة بالدرهم ـ تامّة ، فهي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 347 / أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 7 ، التهذيب 4 : 87 / 256 ، الاستبصار 2 : 50 / 169 .
|