ــ[453]ــ
وإن ذهب جماعة من العلماء فيه إلى كفاية أربعة أرطال (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكن الذي يسهّل الخطب أ نّه لا يمكن القول بكفاية نصف الصاع في الشعير وغيره بعد الالتزام بلزوم الصاع في الحنطة التي هي أغلى قيمةً وأثمن من الباقي ، فإنّ هذا مضافاً إلى مخالفته لجميع أقوال المسلمين من الخاصّة والعامّة مخالفٌ للضرورة والقطع الوجداني كما لا يخفى ، فلا بدّ وأن يكون صدورها لعلّة وسبب مجهول لدينا . وعليه ، لا مناص من طرحها وإن صحّت أسانيدها وردّ علمها إلى أهله .
(1) اختلف الأصحاب في القدر الواجب من الفطرة في اللبن :
فالمشهورة أ نّه صاع كغيره .
وذهب جماعة ـ منهم الشيخ في عدّة من كتبه والعلاّمة والمحقّق في الشرائع والنافع (1) ـ أ نّه يكتفى بأربعة أرطال .
واختلف هؤلاء في تفسير الرطل :
فمنهم من جعله عراقيّاً كما هو ظاهر كلام المحقّق ، حيث قال : وفسّره قوم بالمدنيّة (2) .
ومنهم من جعله مدنيّاً ، المعادل لستّة أرطال عراقيّة ، فإنّ الرطل المدني يعادل رطلاً ونصفاً بالعراقي ، نسب ذلك إلى الشيخ في مصباحه وكذلك العلاّمة(3) .
فالأقوال في المسألة ثلاثة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المبسوط 1 : 241 ، التهذيب 4 : 84 ، الاستبصار 2 : 49 ، التبصرة : 49 ، الشرائع 1 : 203 ، المختصر النافع : 61 .
(2) الشرائع 1 : 203 .
(3) مصباح المتهجد : 665 .
ــ[454]ــ
ويستدلّ للقول بكفاية الأربعة أرطال بمرفوعة إبراهيم بن هاشم عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سُئل عن الرجل في البادية لا يمكنه الفطرة «قال : يتصدّق بأربعة أرطال من لبن» ، ونحوها مرسلة القاسم بن الحسن التي لا يبعد اتّحادها مع المرفوعة (1) .
ولكنّها من أجل ضعف السند غير قابلتين للاعتماد ولم يبلغ العامل بهما حدّاً يمكن أن يتوهّم انجبار الضعف بالعمل على القول بالجبر .
على أنّ الدلالة أيضاً قاصرة ، إذ لا تعرّض فيها لمقدار الفطرة ، بل قد فرض العجز عنها ، الظاهر في العجز عن جميع الأجناس حتّى اللبن عيناً وقيمةً ، فأمر (عليه السلام) بالتصدّق حينئذ أربعة أرطال ، فما يعطيه صدقة لا فطرة ، ومحل الكلام بيان مقدار الفطرة للمتمكّن منها ، فهي أجنبيّة عمّا نحن فيه بالكلّيّة وبين المسألتين بونٌ بعيد .
يبقى الكلام في مكاتبة محمّد بن الريّان ، قال كتبت إلى الرجل أسأله عن الفطرة وزكاتها ، كم تؤدّى ؟ فكتب : «أربعة أرطال بالمدني» (2) .
والظاهر أنّ من فسّر الرطل بالمدني استند إلى هذه الرواية .
ولكنّها بالرغم من صحّة سندها غير صالحة للاستدلال ، إذ لم يذكر فيها اللبن ، وإنّما سأل عن مقدار الفطرة بقول مطلق وحملها عليه بلا شاهد . إذن فهي معارضة لجميع النصوص الدالّة على أنّ مقدار الفطرة صاع .
وما احتمله الشيخ من أنّ ذلك من تصحيف الراوي وأنّ أصله أربعة أمداد بدل أربعة أرطال(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 341 / أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 3 .
(2) الوسائل 9 : 342 / أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 5 .
(3) التهذيب 4 : 84 .
ــ[455]ــ
والصاع أربعة أمداد (1) ، وهي تسعة أرطال بالعراقي ، فهو ستمائة وأربعة عشر مثقالاً وربع مثقال بالمثقال الصيرفي ، فيكون بحسب حقّة النجف ـ التي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهو مجرّد حمل لا شاهد عليه أيضاً .
وعليه ، فهذه رواية شاذّة لا قائل بها لا من العامّة ولا الخاصّة ، ومنافية لجميع الأخبار المشهورة كما عرفت ، فلا مناص من طرحها وردّ علمها إلى أهله .
فتحصّل : أ نّه لا فرق بين اللبن وغيره في أنّ مقدار الفطرة في الجميع صاع واحد لا أقلّ من ذلك .
وهنا أمر آخر عجيب جدّاً، وهو أنّ الشيخ ذكر في كتاب المصباح على ما حكاه عنه في الجواهر(1) أ نّه فسّر الصاع في خصوص اللّبن بأربعة أرطال ، وأنّ مفهوم الصاع فيه يمتاز عن مفهومه في غيره ، وبذلك يرتفع التنافي بين الأخبار ، فلا يكون المقدار في اللبن أقلّ من الصاع ، إذ هو في الأقط صاع ففي اللبن بطريق أولى كما لا يخفى . إلاّ أنّ مفهوم الصاع متى اُطلق على اللبن فالمراد أربعة أرطال مدنيّة المعادل ستّة أرطال عراقيّة ، ومتى اُطلق على غيره من الحنطة ونحوها فالمراد تسعة أرطال .
وهذا منه ـ كما ترى ـ عجيب جدّاً ، إذ لم ينقل عن أحد تفسير الصاع بمعنيين ، بل له معنى واحد ، وهو اسم لكمّيّة خاصّة من الوزن من دون فرق بين ما يتقدّر ، لبناً كان أم غيره .
(1) كما تقدّم ذلك مستقصىً في زكاة الغلاّت ، فلاحظ(2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 15 : 524 وهو في المصباح : 665 .
(2) شرح العروة 23 : 315 ـ 316 .
ــ[456]ــ
هي تسعمائة مثقال وثلاثة وثلاثون مثقالاً وثلث مثقال ـ نصف حقّة ونصف وقيّة وأحد وثلاثون مثقالاً إلاّ مقدار حمّصتين ، وبحسب حقّة الإسلامبول ـ وهي مائتان وثمانون مثقالاً ـ حقّتان وثلاثة أرباع الوقيّة ومثقال وثلاثة أرباع المثقال ، وبحسب المنّ الشاهي ـ وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالاً ـ نصف مَنّ إلاّ خمسة وعشرون مثقالاً وثلاثة أرباع المثقال .
|