ــ[465]ــ
ويستمرّ إلى الزوال لمن لم يصلّ صلاة العيد (1) ، والأحوط عدم تأخيرها عن الصلاة إذا صلاّها فيقدّمها عليها وإن صلّى في أوّل وقتها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الزوال ، فإنّه يستوجب تقيّدها بما بعد الوقت بطبيعة الحال ، إذ لا معنى لكون شيء مصداقاً للواجب قبل أن يتعلّق به الوجوب كما هو ظاهر ، فالمقام من موارد قاعدة الاشتغال حسبما عرفت دون البراءة .
(1) قد عرفت الحال في وقت الوجوب من حيث المبدأ . وأمّا من ناحية المنتهى فقد اختلفت كلمات الأصحاب على أقـوال ثلاثة كما نصّ عليها في الجواهر(1) ، والكلام فعلاً فيمن يصلّي صلاة العيد دون من لم يصلّها :
أحدها : أ نّه صلاة العيد ، حكي ذلك عن السيّد والشيخين والصدوقين (2) وجماعة من المتأخّرين ، بل نُسب إلى الأكثر تارةً ، وإلى علمائنا أجمع اُخرى كما عن التذكرة ، بل صرّح بالإثم لو أخّرها عن صلاة العيد اختياراً (3) .
الثاني : التحديد بالزوال مطلقاً ، اختاره في الدروس والبيان ، واستقربه في المختلف ، ونقل عن ابن الجنيد أيضاً (4) .
الثالث : الامتداد إلى آخر يوم الفطر ، كما هو ظاهر المنتهى ، حيث قال : والأقرب عندي جواز تأخيرها عن الصلاة ويحرم التأخير عن يوم العيد (5) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 15 : 531 ـ 534 .
(2) الحدائق 12 : 301 .
(3) التذكرة 5 : 395 ـ 396 .
(4) الدروس 1 : 250 ، البيان : 333 ، المختلف 3 : 169 ، ونقله عن ابن الجنيد صاحب الحدائق 12 : 301 .
(5) المنتهى 1 : 541 .
ــ[466]ــ
ومال إليه في المدارك(1) ومحكيّ الذخيرة(2) وقوّاه المجلسي (قدس سره) في مرآة العقول(3) .
والأقوى هو القول المشهور ، ويدلّنا عليه مفهوم موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألته عن الفطرة «فقال : إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها ، قبل الصلاة أو بعد الصلاة» (4) .
فإنّ مفهومها عدم التوسعة مع عدم العزل ، بل يختصّ بما قبل الصلاة .
وتؤيّدها جملة من الروايات وإن ضعفت أسانيدها، كرواية علي بن طاووس في الإقبال عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : ينبغي أن يؤدّي الفطرة قبل أن يخرج الناس إلى الجبّانة، فإن أدّاها بعدما يرجع فإنّما هـو صدقة وليس فـطرة»(5) ، ونحوها رواية العيّاشي في تفسيره عن سالم بن مكرم الجمّال(6) .
وبإزائهما صحيحتان ربّما يستدلّ بهما على امتداد الوقت إلى ما بعد الصلاة :
الاُولى : صحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الفطرة ، متى هي ؟ «فقال : قبل الصلاة يوم الفطر» قلت : فإن بقي منه شيء بعد الصلاة ؟ «قال : لا بأس ، نحن نعطي عيالنا منه ثمّ يبقى فنقسّمه» (7) .
فقد قيل : إنّ ذيلها يدلّ على جواز تأخيرها عن الصلاة ، وأنّ ما صنعه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المدارك 5 : 349 .
(2) ذخيرة المعاد : 476 .
(3) مرآة العقول 16 : 413 ـ 414 .
(4) الوسائل 9 : 357 / أبواب زكاة الفطرة ب 13 ح 4 .
(5) الوسائل 9 : 355 / أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 7 ، الإقبال : 283 .
(6) الوسائل 9 : 355 / أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 8 ، تفسير العيّاشي 1 : 43 / 36 .
(7) الوسائل 9 : 354 / أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 5 .
ــ[467]ــ
صاحب الوسائل ـ من أنّ المراد بإعطاء العيال عزل الفطرة كي لا يتنافى مع الصدر ـ خلاف الظاهر ، فتكون النتيجة امتداد الوقت وإن كان التقديم على الصلاة أفضل .
ولكن الظاهر أنّ ما صنعه في الوسائل هو المتعيّن وأ نّه لا مناص من حمل الذيل على صورة العزل ، وإلاّ فكيف يمكن إعطاء العيال من الفطرة ؟! ضرورة أنّ العيال تعطى عنه الفطرة لا أ نّها تعطى إليه ، فالمراد من العطاء جعل المعزول عند العيال أمانةً للإيصال إلى محلّه ، ويؤكّده قوله (عليه السلام) بعد ذلك : «ثمّ يبقى فنقسّمه» ، إذ لو كان العطاء بعنوان الصرف لا بعنوان الأمانة فكيف يمكن الأخذ بعدئذ والتقسيم ؟! فالتعبير بالبقاء والتقسيم ظاهرٌ في كون العطاء بعنوان العزل ، فلا ينافي التوقيت بما قبل الصلاة الذي تضمّنه الصدر ، ومع التنازل فلا أقلّ من الإجمال ، فلا تنهض لمعارضة الموثّقة الصريحة في المطلوب .
الثانية : صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ «قال : وإعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل ، وبعد الصلاة صدقة» (1) .
فإنّها صحيحة السند ، إذ ليس فيه من يغمز فيه ما عدا محمّد بن عيسى بن عبيد الذي هو ثقة على الأظهر كما مرّ غير مرّة . وقد دلّت على امتداد الوقت إلى ما بعد الصلاة ، غير أنّ التقديم أفضل ، فإنّ هذا التعبير كاشفٌ عن اشتراكه مع التأخير في الفضيلة وإن كان الثاني مفضولاً ، إذ حمل كلمة «أفضل» على الوجوب بعيد جدّاً .
ولكنّه كما ترى ، إذ لا تنسجم هذه الأفضليّة مع قوله (عليه السلام) : «وبعد الصلاة صدقة»، بل اللازم أن يقول (عليه السلام) بدل ذلك هكذا : وبعد الصلاة جائز . فالعدول عن ذلك والتعبير بما يتضمّن سلب عنوان الفطرة وأ نّها حينئذ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 353 / أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 1 .
ــ[468]ــ
صدقة محضة يكشف عن التحديد ما قبل الصلاة كما تضمّنه مفهوم إسحاق بن عمّار المتقدّم ، فهي حينئذ معاضدة له وليست بمعارضة .
وأمّا التعبير بالأفضليّة فليس ذلك بالإضافة إلى التأخير عن الصلاة ، بل بالإضافة إلى تقديم الإخراج في شهر رمضان ، حيث إنّه في سعة من ذلك ، إلاّ أنّ الإخراج قبل الصلاة يوم العيد أفضل كما نطقت بذلك صريحاً صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) أ نّهما قالا (عليهما السلام) : «على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول ، من حرّ وعبد ، وصغير وكبير ، يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل، وهو في سعة أن يعطيها من أوّل يوم يدخل من شهر رمضان»(1).
فتحصّل : أنّ الأظهر التحديد بما قبل الصلاة ، لمفهوم موثّق ابن عمّار السليم عمّا يصلح للمعارضة حسبما عرفت .
هذا كلّه بالإضافة إلى من صلّى .
وأمّا من لم يصلّ لعذر أو غير عذر ، فهل الوقت بالنسبة إليه محدود بالزوال كما هو المشهور ؟! أو أ نّه يمتدّ إلى الغروب كما عن العلاّمة والمجلسي (2) ؟
لم يرد التحديد بالزوال في شيء من الروايات ما عدا رواية واحدة ، وهي ما رواه ابن طاووس في كتاب الإقبال نقلاً من كتاب عبدالله بن حمّاد الأنصاري ، عن أبي الحسن الأحمسي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إنّ الفطرة عن كلّ حر ومملوك» ـ إلى أن قال : ـ قلت : أقبل الصلاة أو بعدها ؟ «قال : إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة ، وإن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة» (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 354 / أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 4 .
(2) لاحظ المنتهى 1 : 541 ، النهاية 2 : 440 .
(3) الوسائل 9 : 331 / أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 16 ، الاقبال : 274 .
ــ[469]ــ
ولكنّها ضعيفة السند من أجل جهالة طريق ابن طاووس إلى كتاب عبدالله ابن حمّاد الأنصاري أوّلاً ، وعدم ثبوت وثاقة الأحمسي ثانياً ، حيث إنّه مهمل وأمّا الأنصاري بنفسه فهو ثقة عندنا، لوجوده في إسناد كامل الزيارات ، مضافاً إلى تصريح النجاشي بأ نّه من شيوخ أصحابنا(1)، الذي هو مدح بليغ كما لا يخفى . وكيف ما كان ، فهي ضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها .
على أنّ متنها لا يخلو عن تدافع بين الصدر والذيل ، إذ قد جعل الاعتبار في الصدر بالإخراج قبل الظهر ، وفي الذيل بالإخراج قبل الصلاة ، حيث قال (عليه السلام) : «هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة» .
ومن ثمّ استقرب في الحدائق أن يكون لفظ «الظهر» سهواً من الراوي أو غلطاً من النسّاخ ، وأنّ الصواب تبديلها بكلمة : الصلاة (2) .
وهو غير بعيد ، بل تقتضيه المطابقة مع السؤال في قوله : قلت أقبل الصلاة أو بعدها ، وإلاّ فلا ينسجم الجواب معه كما عرفت ، ويعضده جعل العبرة في الذيل بالصلاة ، وبذلك يندفع التنافي بينه وبين الصدر . والذي يهوّن الخطب أنّ الرواية ضعيفة السند فلا تستحقّ إطالة البحث .
إذن فلا بدّ من مراجعة الأصل العملي بعد العلم ببقاء الوقت إلى الزوال بالنسبة إلى من لم يصل ، لعدم نقل الخلاف عن أحد والشكّ في انتهائه به أو الامتداد إلى الغروب كي تكون الفطرة من أحكام يوم العيد بكامله .
لا شكّ أنّ مقتضى الاستصحاب هو الثاني ، بناءً على جريانه في الأحكام الكلّيّة ما لم يقم إجماع على خلافه ، فالقول بالامتداد مبنى على أمرين : جريان الاستصحاب في أمثال المقام ، وعدم انعقاد الإجماع بعد ما عرفت من الخلاف .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مرآة العقول 16 : 414 .
(2) الحدائق 12 : 304 .
|