ــ[12]ــ
وبعد استثناء صَفايا الغنيمة (1) كالجارية الوَرَقَة والمركب الفارِه والسيف القاطع والدرع ، فإنّها للإمام (عليه السلام) ، وكذا قطائع الملوك ، فإنّها أيضاً له (عليه السلام) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الظاهر أنّ الحكم متسالم عليه ، وكذا فيما سيذكره من قطائع الملوك المعبّر عنها فعلاً بخالصـة الملوك ، وقد ادّعي عليه الإجمـاع ، وتشهد به جملة من النصوص :
منها : موثّقة أبي بصير ـ على ما هو الحقّ من وثاقة أحمد بن هلال ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: سألته عن صفو المال «قال: الإمام يأخذ الجارية الرُّوقة والمركب الفارِه والسيف القاطع والدرع قبل أن تقسّم الغنيمة ، فهذا صفو المال» (1) .
وصحيحة ربعي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له» (2) .
ومنها : صحيحة داود بن فرقد : «قطائع الملوك كلّها للإمام ، وليس للناس فيها شيء» (3) .
ومنها : موثّقة سماعة : «كلّ أرض خربة أو شيء يكون للملوك فهو خالص للإمام (عليه السلام) » (4) ، وغيرها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 528 / أبواب الأنفال ب 1 ح 15 .
(2) الوسائل 9 : 510 / أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3 .
(3) الوسائل 9 : 525 / أبواب الأنفال ب 1 ح 6 .
(4) الوسائل 9 : 526 / أبواب الأنفال ب 1 ح 8 .
ــ[13]ــ
وأمّا إذا كان الغزو بغير إذن الإمام (عليه السلام) فإن كان في زمان الحضور وإمكان الاستئذان منه فالغنيمة للإمام (عليه السلام) (1) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الظاهر أنّ الحكم متسالم عليه بين الأصحاب ، بل ادّعي عليه الإجماع في غير واحد من الكلمات .
وإنّما الكلام في مستنده ، وقد استُدِلّ له بوجوه :
أحدها : الإجماع . ولا يبعد تحقّقه بعدما عرفت من تسالم الأصحاب عليه ، لولا أ نّه معلوم المدرك أو محتمله .
الثاني : مرسلة العبّاس الورّاق ، عن رجل سـمّاه : عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام ، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» (1) .
وهي ضعيفة السند بالإرسال ، مضافاً إلى جهالة الحسن بن أحمد بن يسار أو بشّار ، فإن بنينا على انجبار ضعف السند بعمل المشهور اعتُبرت الرواية حينئذ وصحّ الاستناد إليها ، وإلاّ فلا .
وقد تقدّم غير مرّة في مطاوي هذا الشرح أنّ الأظهر : الثاني ، لمنع الانجبار صغرىً ، لجواز استناد المشهور إلى ما عرفت من تسالم الأصحاب لا إلى هذه الرواية . وكبرىً ، إذ لا ينجبر ضعف السند بالشهرة ، كما لا ينجبر بها ضعف الدلالة ، فإنّ العبرة في الحجّيّة بأحد أمرين : إمّا بالوثوق الشخصي بصدور الرواية ، أو بكون الراوي موثّقاً ، ولا ثالث ، ومجرّد الاشتهار لا وزن له في سوق الاعتبار ، وتمام الكلام في محلّه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 529 / أبواب الأنفال ب 1 ح 16 .
ــ[14]ــ
الثالث ـ وهو العمدة ـ : صحيحة معاوية بن وهب ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم ، كيف يقسّم ؟ «قال : إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس لله وللرسول وقسّم بينهم أربعة أخماس ، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ» (1) .
وما في الوسائل من ذكر «ثلاثة أخماس» غلط ، والصحيح ما أثبتناه كما أشار إليه المعلّق .
وقد تضمّنت التفصيل بين كون القتال مع الأمير ـ أي بإذن الإمام ـ وعدمه .
ولكن قد يناقش في دلالتها بظهورها في التفصيل بين القتال وعدمه لا بين الإذن وعدمه ، كيف ؟! وهو مفروض في مورد السؤال ، وأنّ السريّة كانت ببعث من الإمام (عليه السلام) ، فلا بدّ وأن يكون التفصيل في مورد السؤال ، ونتيجته أنّ تلك السريّة المأذونة إن غنموا مع القتال تخمّس الغنيمة ، وإلاّ فكلّها للإمام ، فهي تدلّ على تفصيل آخر أجنبي عمّا نحن بصدده .
ويندفع : بأنّ مبنى الاستدلال هو مفهوم الشرطيّة الاُولى بعد ملاحظة أنّ النكتة في تقييد القتال في الجملة الشرطيّة بكونه مع أمير أمّره الإمام ـ بعد وضوح أ نّه لا قتال إلاّ مع الأمير وإلاّ كانت فوضى ـ هو التأكّد بشأن هذا القيد ـ الذي مرجعه إلى الإذن ـ ودخله في الحكم ، وإلاّ كان ذكره مستدركاً للاستغناء عنه بعد فرضه في السؤال .
وعليه ، فيكون مرجع الجملة الشرطيّة إلى أنّ الأمر إن كان كما ذكرت أ يُّها السـائل من كون القتال بأمر من الإمام وبعثه للسريّة فالمال يخمّس حينئذ ، فالشرط مركّب من قيدين : تحقّق القتال ، وكونه بإذن الإمام ، ومفهومه انتفاء
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 524 / أبواب الأنفال ب 1 ح 3 .
ــ[15]ــ
المركّب المتحقّق بانتفاء أحد القيدين من انتفاء القتال أو عدم كونه بالإذن .
وعلى هذا فيكون المراد من الشرط في الشرطيّة الثانية عدم القتال الخاصّ المذكور في الشرطيّة الاُولى ـ أعني : ما كان عن الإذن ـ وانتفاؤه يكون تارةً بانتفاء القتال رأساً ، واُخرى بعدم صدوره عن الإذن كما عرفت ، وقد دلّت بمقتضى الإطلاق على كون الغنيمة حينئذ بتمامها للإمام ، فقد دلّت الصحيحة على التفصيل بين الإذن وعدمه أيضاً بهذا التقريب .
هذا ، ولكن سيّدنا الاُستاذ (دام ظلّه) اقتصر في إثبات المطلوب على مفهوم الشرطية الاُولى ، وذكر أنّ الثانية بيانٌ لبعض أفراد المفهوم ولا مدخل لها في الاستدلال .
وأوضَحَ المقامَ بأنّ وجهة السؤال ترتكز على الاستفهام عن كيفيّة التقسيم بعد فرض كون السريّة مبعوثة عن الإمام ، فتقييد القتال في الجواب بما يرجع إلى الإذن لا بدّ وأن يكون لنكتة حذراً عن اللّغوية ، وليس إلاّ التأكد عن وجود هذا القيد وأنّ القتال المقيّد بالإذن محكومٌ بالتقسيم بهذا النحو بإخراج الخمس أوّلاً ثمّ تقسيم الأربعة أخماس الباقية بين المقاتلين ، ومفهومه أ نّه لو لم يكن قتال أو لم يكن القتال مع الإذن فلا إخراج ولا تقسيم ، وبطبيعة الحال يكون المال حينئذ بكامله وخالصه للإمام (عليه السلام) ، فتأمّل .
وكيفما كان ، فإطالة البحث حول هذه المسألة قليلة الجدوى ، فإنّها راجعة إلى زمان الحضور ، والإمام (عليه السلام) أعرف بوظيفته .
ثمّ إنّه ربّما تعارَض صحيحة معاوية بن وهب بصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم ويكون معهم فيصيب غنيمة «قال: يؤدِّي خمساً ويطيب له»(1).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 488 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 8 .
|