ــ[37]ــ
ويشترط في وجوب الخمس في المعدن بلوغ ما أخرجه عشرين ديناراً (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى الجملة : لا يزيد المقام على ما تقدّم في كتاب الزكاة بشيء ، لعدم ورود نصّ خـاصّ فيه ، فيجري في الكافر والصغير والمجنون كلّما أسلفناه هناك ، فلاحظ .
(1) كما اختاره الشيخ في النهاية وابن حمزة في الوسيلة (1) ، وهو المشهور بين المتأخّرين ، بل نسب إلى عامّتهم تارةً وقاطبتهم اُخرى . وأمّا القدماء فالمشهور بينهم عكس ذلك ، إذ لم ينسب اعتبار النصاب منهم إلاّ إلى الشيخ في النهاية وابن حمزة في الوسيلة كما سمعت ، بل أنّ الشيخ بنفسه يدّعي في كتاب الخلاف الإجماع على عدم اعتبار النصاب (2) ، وعن أبي الصلاح الحلبي أنّ نصابه دينار واحد (3) .
وكيفما كان ، فالمتّبع هو الدليل ، ولا شكّ أنّ مقتضى الإطلاقات في غير واحد من الروايات هو عدم الاعتبار ، إلاّ أنّ صحيح البزنطي قد تضمّن التقييد به ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير ، هل فيه شيء ؟ «قال : ليس فيه شيء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً» (4) ، وبه يقيّد إطلاق النصوص كما هو مقتضى صناعة الإطلاق والتقييد .
ولكن قد يناقش في الصحيح من وجوه :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النهاية : 197 و 177 ، الوسيلة : 138 ، 127 .
(2) الخلاف 2 : 119 ـ 120 / 142 .
(3) الكافي في الفقه : 170 .
(4) الوسائل 9 : 494 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 4 ح 1 .
ــ[38]ــ
أحدها : أ نّه موهون بإعراض قدماء الأصحاب فيسقط عن درجة الاعتبار.
والجواب عنه واضح ، فإنّه بعد تسليم كبرى الوهن بالإعراض فالصغرى ممنوعة ، فإنّ جمهور المتأخّرين قد عملوا به كما أنّ الشيخ وابن حمزة من القدماء عملوا أيضاً . نعم ، جماعة منهم بين أربعة أشخاص أو خمسة لم يعملوا ، ولا ريب في عدم تحقّق الإعراض بهذا المقدار كما لا يخفى .
ثانيها : أ نّه لا تعرّض في الصحيح إلى الخمس بوجه لا سؤالاً ولا جواباً ، بل الظاهر من سياقه أ نّه ناظر إلى السؤال عن زكاة الذهب والفضّة بعد الإخراج من معدنهما ، وبما أ نّهما غير مسكوكين حينئذ ولا زكاة إلاّ في المسكوك فجوابه (عليه السلام) بالوجوب بعد بلوغ النصاب محمولٌ على التقيّة ، لموافقته لمذهب الشافعي (1) .
وفيه أوّلاً : أنّ المعدن المذكور في السؤال مطلق يشمل عامّة المعادن ، فتخصيصه بالذهب والفضّة بلا موجب ، بل عار عن كل شاهد .
وثانياً : أنّ حمل كلمة «شيء» الواردة في السؤال على خصوص الزكاة أيضاً بلا موجب ، بل هو يشمل كلّ ما افترضه الله في هذا المال الشامل للخمس ، فقوله (عليه السلام) في الجواب : «ليس فيه شيء» أي ليس فيه شيء من حقّ الله إلاّ أن يبلغ النصاب لا الزكاة بخصوصها ، إذ لا قرينة عليها كما عرفت .
وثالثاً : أنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) : «ما يكون في مثله الزكاة» أنّ موضوع البحث ومورد السؤال والجواب شيء آخر غير زكاة الذهب والفضّة ، ولذا جعله مماثلاً لها، وإلاّ لكانت هذه الجملة ملغيّة وأصبحت مستدركة ، وكان الأحرى أن يقول : حتى يبلغ عشرين ديناراً، الذي هو أخصر وأسلس ، وليس ذلك الشيء إلاّ الخمس كما لا يخفى .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأُم 2 : 40 ، المجموع 6 : 2 .
ــ[39]ــ
ويؤكِّده أ نّه لو اُريد به الزكاة فلا وجه لتخصيص النصاب بعشرين ديناراً ، إذ هو نصاب الذهب ، وأمّا الفضّة فمائتا درهم ، فكان اللاّزم التعرّض له أيضاً وعطفه عليه ، وهما وإن كانا غالب المطابقة سيّما في الأزمنة السابقة التي كان فيها كلّ عشرة دراهم تسوى بدينار كما قيل ، إلاّ أ نّهما بالآخرة عنوانان بينهما عموم من وجه ، وقد يفترقان فلا وجه لتخصيص أحدهما بالذكر دون الآخر .
وهذا بخلاف ما لو اُريد الخمس ، ضرورة أنّ التحـديد ببلوغ ما في مثله الزكاة إحالة على أمر مجمل، لاختلاف الماليّة باختلاف مراتب النصب في الأعيان الزكويّة ، ومن ثمّ احتاج إلى التعيين وأ نّه عشرون ديناراً نصاب الذهب ليرتفع به الإجمال المزبور .
ويؤيِّده أنّ البزنطي بنفسه سأل الرضا (عليه السلام) في صحيحته الاُخرى عن الكنز فأجابه (عليه السلام) بمثل الجواب المتقدِّم ، أعني التحديد بما يجب في مثله الزكاة مصرّحاً بأنّ فيه الخمس ، قال : سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز ؟ «فقال : ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» (1) ، فيكشف ذلك عن أنّ السؤال في هذه الصحيحة أيضاً ناظر إلى الخمس ، ولعلّ مسبوقيّة ذهنه بحكم الكنز دعته إلى السؤال عن نظيره في المعادن .
ويؤيِّده أيضاً التصريح بالخمس في روايته الثالثة عن محمّد بن علي ابن أبي عبدالله عن أبي الحسن (عليه السلام) ، قال : سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضّة ، هل فيها زكاة؟ «فقال : إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس» (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 495 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 2 .
(2) الوسائل 9 : 493 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 5 .
ــ[40]ــ
والمتحصِّل من جميع ما قدّمناه : أ نّه لا مجال للخدش في هذه الصحيحة لا بالإعراض ولا بالحمل على التقيّة ، وهي ظاهرة في إرادة الخمس ، فلا مناص إذن من رفع اليد عن المطلقات وتقييدها بها ، وتكون النتيجة اعتبار النصاب في المعادن عشرين ديناراً .
نعم ، قد يعارضها روايته الاُخرى المتضمّنة لتحديد النصاب بدينار واحد المتقدِّمة آنفاً التي استند إليها الحلبي كما تقدّم (1) .
وفيه أوّلاً : أ نّها رواية شاذّة وقد تفرّد بالعمل بها الحلبي ولم يوافقه غيره ، فلا تنهض للمقاومة مع تلك الرواية المشهورة بين الأصحاب .
وثانياً : أ نّها ضعيفة السند بمحمّد بن علي بن أبي عبدالله ، فإنّه مجهول ، بل لم يرد عنه في مجموع الفقه إلاّ روايتان : أحدهما هذه التي يروي عنه البزنطي ، والاُخرى ما يروي عنه علي بن أسباط .
نعم ، بناءً على المسلك المعروف من أنّ أصحاب الإجماع ـ ومنهم البزنطي ـ لا يرسلون ولا يروون إلاّ عن الثقة فالرجل محكوم بالوثاقة ، إذ الرواية عنه حينئذ توثيقٌ له ، ولكن المبنى بمراحل عن الواقع كما أشرنا إليه في مطاوي هذا الشرح مراراً . إذن فالرواية ضعيفة ولا تصلح لمعارضة ما سبق .
بل يمكن أن يقال : إنّ الدلالة أيضاً قاصرة وأنّ الجواب ناظر إلى الغوص فقط دون المعدن كما أشار إليه في الوسائل ، كما يكشف عنه تذكير الضمير في قوله : «قيمته» الراجع إلى ما يخرج من البحر دون المعادن ، وإلاّ كان مقتضى القواعد تأنيثه كما لا يخفى ، فكأ نّه (عليه السلام) أعرض عن بيان حكم المعادن لوجود من يُتّقى منه بحيث لو بيّن الواقع وأنّ فيها النصاب عشرين ديناراً لكان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 37 .
ــ[41]ــ
على خلاف التقيّة ، ولو بيّن خلافه لكان كذباً ، ومن ثمّ أعرض واقتصر على حكم الأوّل .
وكيفما كان ، فهذه الرواية غير صالحة للاستناد إليها بوجه ، فتبقى صحيحة البزنطي سليمة عن المعارضة .
ثالثها : أنّ إرادة الخمس من الصحيح يستلزم ارتكاب التقييد ببلوغ العشرين في صحيحة ابن مسلم المصرّحة بوجوب الخمس في الملح المتّخذ من الأرض السبخة المالحة (1) .
وهو كما ترى ، إذ قلّما يتّفق في مثله بلوغ النصاب المزبور ، فيلزم منه حمل المطلق على الفرد النادر، ولا سيّما إذا اعتبرنا في الإخراج أن يكون دفعة واحدة ، فإنّ فرض كون الخارج بمقدار عشرين ديناراً نادرٌ جدّاً ، فلا مناص من إنكار النصاب في المعادن ، وحمل الصحيح على إرادة الزكاة تقيّةً كما سبق .
وفيه أوّلاً : منع الندرة، سيّما في الأمكنة التي يعزّ وجود الملح فيها وخصوصاً فيمن اتّخذ الملاحة مكسباً ومتجراً له يستعين للاستخراج بعمّال خاصّة ، بل لعلّ الغالب في ذلك بلوغ ما يتّخذ من معدنه حدّ النصاب ، سواء اتّخذ من صفحة الجبل ـ وهو الملح الحجري ـ أم من سطح الأرض ، ولعلّ البلوغ في الأوّل أسرع . وكيفما كان ، فالندرة غير مسلّمة ، ولا أقلّ أ نّها غير مطّردة حسبما عرفت .
وثانياً : سلّمنا ذلك ، ولكن المحذور إنّما يتوجّه لو كان الحكم في الصحيحة متعلّقاً بالملح بما هو ملح ، وليس كذلك ، بل عُلِّق عليه بما أ نّه معدن ، حيث قال (عليه السلام) : «هذا المعدن فيه الخمس» ، فموضوع الحكم هو المعدن ، والملح
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 492 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 4 .
|