ــ[42]ــ
بعد استثناء مؤونة الإخراج((1)) (1) والتصفية ونحوهما، فلا يجب إذا كان المخرَج أقلّ منه، وإن كان الأحوط إخراجه إذا بلغ ديناراً بل مطلقاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فرد من أفراد الموضوع لا أ نّه بنفسه الموضوع ، ولا شكّ أنّ العبرة في الندرة وعدمها ملاحظتها بالإضافة إلى نفس الموضوع والطبيعي الذي تعلّق به الحكم ، فإذا لم يلزم من تقييده الحمل على الفرد النادر يرتكب التقييد وإن تضمّن الندرة بالإضافة إلى بعض أفراده ، ومن المعلوم أنّ تقييد المعدن بما هو معدن ببلوغ النصاب لا ندرة فيه بوجه ، لكثرة أفراد البالغ من هذه الطبيعة وإن قلّ وندر البالغ في خصوص فرد منه وهو الملح ، فغاية ما هناك استلزام التقييد للندرة في بعض أفراد الطبيعة ، ولا ضير فيه بوجه حسبما عرفت .
(1) يقع الكلام في مقامين :
الأوّل : هل يجب التخميس في مجموع ما أخرجه المعدن ، أو في خصوص ما يبقى بعد استثناء المؤن المصروفة في سبيل الإخراج والتصفية ونحوهما ، فلو كان الخارج ثلاثين ديناراً والمؤن المصروفة عشرة فهل يخمّس الثلاثون أو العشرون ؟
الظاهر هو الثاني ، بل لا ينبغي الإشكال فيه ، لمطابقته للقاعدة ، حتى وإن لم ترد في البين أيّة رواية خاصّة ، ضرورة أنّ موضوع الخمس في جميع موارده وشتّى أقسامه إنّما هو الغنيمة والفائدة وما يعود للغانم ويستفيده ، دون ما لم يكن مغنماً وربحاً ، سواء اُريد به المعنى الأخصّ أم الأعمّ كما اُشير إليه في صحيحة ابن سنان من قوله (عليه السلام) : إنّه لا خمس إلاّ في الغنائم خاصّة ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الظاهر كفاية بلوغ قيمة المخرَج عشرين ديناراً قبل استثناء المؤونة ، وإن كان ما يجب فيه الخمس إنّما هو بعد استثنائها .
ــ[43]ــ
على بعض محاملها كما تقدّم في ص 32 .
ولا شكّ في عدم استحقاق إطلاق الفائدة وعدم صدق الغنيمة إلاّ بعد استثناء المؤونة المصروفة في سبيل تحصيلها ، فمن اشترى صوفاً بعشرين وبذل اُجرة العامل خمسة لينسجه سجّاداً ثمّ باعه بمائة لا يقال : إنّه ربح مائة ، بل لم يربح إلاّ خمساً وسبعين .
وعليه ، ففي المثال المتقدِّم لم يستفد من المعدن إلاّ عشرين ديناراً ، ولا تعدّ تلك العشرة المصروفة فائدة وغنيمة بوجه ، ولأجله لم يجب الخمس إلاّ في العشرين لا الأكثر ، والظاهر أنّ الحكم متسالم عليه ولم يستشكل فيه أحد ، ولا ينبغي أن يستشكل فيه كما عرفت . هذا أوّلاً .
وثانياً : ما ورد في جملة من النصوص من أنّ الخمس بعد المؤونة ، حيث إنّ الظاهر منها مؤونة تحصيل الخمس وما يصرف في سبيل الاسترباح لا مؤونة السنة كما لا يخفى .
هذا، مضافاً إلى صحيحة زرارة التي هي كالصريحة في ذلك، قال (عليه السلام) فيه: «ما عالجته بمالك ففيه ـ ما أخرج الله سبحانه من حجارته مصفّى ـ الخمس»(1) .
فإنّه صريح في اختصاص الخمس بالمصفّى وما يبقى بعد إخراج مصرف العلاج المبذول من ماله ، كما نبّه عليه المحقّق الهمداني وصاحب الحدائق (2) .
المقام الثاني : في أنّ النصاب ـ الذي هو شرط في وجوب الخمس ـ هل يلاحظ ابتداءً ـ أي في جميع ما أخرجه المعدن ـ أو بعد استثناء المؤن ، فلا يجب الخمس إلاّ إذا كان الباقي بعد الاستثناء بالغاً حدّ النصاب ولا عبرة بالبلوغ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 492 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 3 .
(2) مصباح الفقيه 14 : 16 و 114 ، الحدائق 12 : 329 .
ــ[44]ــ
قبله ، فلو كان الخارج من المعدن خمساً وعشرين والمؤونة عشرة لم يجب ، لكون الباقي ـ وهي الخمسة عشرة ـ دون النصاب وإن كان مجموع الخارج فوقه ؟
فيه خلاف بين الأعلام ، والمشهور هو الثاني ، بل عن بعض نفي الخلاف فيه .
وعن جماعة ـ منهم صاحب المدارك (1) ـ اختيار الأوّل ، وهو الصحيح ، أخذاً بإطلاق البلوغ في صحيح البزنطي .
واستدلّ في الجواهر (2) للمشهور بعد اختياره بأصالة البراءة عن وجوب الخمس ، فإنّ المتيقّن منه ما كان بالغاً حدّ النصاب بعد الاستثناء ، وأمّا قبله فمشكوك يدفع بالأصل .
وفيه : أنّ ثبوت الخمس مقطوع به على كلّ تقدير ولو من باب مطلق الفائدة وأرباح المكاسب كما لا يخفى ، فلا معنى للرجوع إلى الأصل .
إلاّ أن يريد (قدس سره) ـ وهو كذلك قطعاً ـ أنّ تعلّق الخمس بعنوان المعدن ليترتّب عليه وجوب الإخراج فعلاً ومن غير ملاحظة مؤونة السنة مشكوك ، فيكون مجرى الأصل فوريّة الوجوب وفعليّته لا أصله .
وهذا له وجه لولا الإطلاق في صحيح البزنطي المقتضي لوجوب الإخراج فعلاً بعد بلوغ المجموع حدّ النصاب ، سواء أكان كذلك بعد استثناء المؤن أيضاً أم لا ، إذ من المعلوم عدم وصول النوبة إلى التمسّك بالأصل العملي بعد وجود الإطلاق اللفظي .
فتحصّل : أنّ الأقوى عدم استثناء المؤن هنا وإن استثنيناها في المقام الأوّل ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المدارك 5 : 392 .
(2) الجواهر 16 : 83 .
|