ــ[49]ــ
[ 2882 ] مسألة 6 : لو أخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية (1) فإن علم بتساوي الأجزاء في الاشتمال على الجوهر أو بالزيادة فيما أخرجه خمساً أجزأ ، وإلاّ فلا ، لاحتمال زيادة الجوهر فيما يبقى عنده .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعدن ، فلا بدّ وأن يلاحظ كلّ معدن بحياله من غير فرق بين صورتي التقارب والتباعد .
نعم ، استثنى الماتن صورة واحدة ، وهي صورة الاتّحاد والتقارب ، فذكر أنّ كفاية بلوغ المجموع هنا لا يخلو عن قوّة .
ولكنّه لا يتمّ على إطلاقه ، وإنّما يتمّ فيما إذا أوجب ذلك صدق وحدة المعدن عرفاً ولو باعتبار وحدة المادّة والانبعاث عن منبع مشترك قد تعدّدت طرق استخراجه كما في آبار النفط المتقاربة جدّاً .
وأمّا بدون البلوغ هذا الحدّ بحيث كانت المعادن متعدّدة بحسب الصدق العرفي فكلاّ ، لما عرفت من ظهور الحكم في الانحلال وكون القضيّة حقيقيّة المقتضية للحاظ كلّ معدن بحياله وانفراده ، ولا أثر للاتّحاد والتقارب في نفي ذلك أبداً كما لعلّه ظاهر لا يخفى .
(1) فصّل (قدس سره) بين العلم بتساوي أجزاء التراب بحيث يقطع باشتمال خمس التراب على خمس الجوهر الموجود في المجموع أو الزيادة فيجزئ حينئذ ، وبين صورة الشكّ واحتمال النقص فلا ، عملاً بقاعدة الاشتغال ، للزوم إحراز الخروج عن عهدة التكليف المعلوم .
وقد ذكر مثل ذلك صاحب المدارك (1) ، إلاّ أ نّه أشكل عليه في الجواهر
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المدارك 5 : 368 .
ــ[50]ــ
بظهور ذيل صحيحة زرارة المتقدّمة ـ أعني قوله (عليه السلام) : «ما عالجته بمالك ففيه ـ ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفّى ـ الخمس» (1) ـ في تعلّق الخمس بعد التصفية وبعد ظهور الجوهر ، فقبل التصفية لا وجوب ، فكيف يجزئ الإخراج قبل مجيء وقت الخطاب والإيجاب ، قال (قدس سره) : بل قد يدّعى ظهور غيره في ذلك أيضاً (2) .
ولكن ما ذكره (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، فإنّ لازم ذلك أ نّه لو أخرج المعدن عن ملكه قبل التصفية بناقل مع بيع أو هبة ونحوهما لم يجب الخمس حينئذ لا على البائع ـ لأجل إخراجه عن ملكه قبل تعلّق الخمس به ، لفرض عدم الوجوب قبل التصفية ـ ولا على المشتري ، بناءً على اختصاص الوجوب بالمستفيد من المعدن ومن يملكه عن طريق الإخراج لا بسائر الأسباب ، فيكون هذا نحو تخلّص وفرار عن أداء الخمس ، ولا يظنّ أن يلتزم به الفقيه .
وأمّا صحيحة زرارة فلا دلالة لها على ما استظهره (قدس سره) بوجه ، فإنّها مسوقة لتعيين مورد الخمس ومركزه وأ نّه خالص الجوهر ومصفّاه ، أي بعد استثناء المؤن المصروفة في سبيل العلاج والاستخراج ، كما استظهرناه فيما سبق ، ولا نظر فيها بتاتاً لتعيين وقت الوجوب وظرف الخطاب وأ نّه زمان التصفية أو حال الإخراج .
وبعبارة اُخرى : التصفية المذكورة فيها قيد للواجب لا شرط للوجوب .
وأمّا سائر الروايات فلم تتحقّق دلالتها على ما ذكره ، بل الظاهر من غير واحد منها أنّ ظرف التعلّق هو حال الإخراج كما لا يخفى على من لاحظها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 492 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 3 .
(2) الجواهر 16 : 21 .
ــ[51]ــ
[ 2883 ] مسألة 7 : إذا وجد مقداراً من المعدن مخرَجاً مطروحاً في الصحراء (1) فإن علم أ نّه خرج من مثل السّيل أو الريح أو نحوهما أو علم أنّ المخرِج له حيوان أو إنسان لم يخرج خمسه وجب عليه إخراج خمسه على الأحوط إذا بلغ النصاب ، بل الأحوط ذلك وإن شكّ في أنّ الإنسان المخرِج له أخرج خمسه أم لا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والذي يكشف عمّا استظهرناه من صحيح زرارة من أنّ المراد بالمصفّى : وضع مؤونة العلاج ـ تبعاً للمحقّق الهمداني وصاحب الحدائق (1) ـ لا التصفية من الخلط من حجارة ونحوها ، كما قد يتوهّم من أجل ذكر لفظ الحجارة أنّ المعدن إنّما يختلط بها في مثل الذهب ونحوه لا في مثل العقيق ونحوه من الأحجار الكريمة ، فإنّه بنفس حجر فلا يحتاج إلى التصفية وإن احتاج إلى التجلية .
(1) لا يخفى أنّ هاهنا جهتين من البحث لا ترتبط إحداهما بالاُخرى :
فتارةً : يبحث عن أنّ المعدن هل يختصّ بما اُخرج من باطن الأرض ، أو يعمّ الإخراج من الظاهر كالملح ؟ فيبحث عن متعلِّق الإخراج بعد التحفّظ على أصل الإخراج ، وقد تقدّم البحث حول هذه الجهة سابقاً (2) .
واُخرى : يبحث عن المال الخارج إمّا من الباطن أو الظاهر ، والمطروح على وجه الأرض إمّا لزلزلة أو سيل أو هبوب ريح أو إخراج حيوان ونحو ذلك من أسباب الإخراج ، وأنّ الاستيلاء على مثل هذا المعدن المخرَج الملقى على سطح الأرض هل يستوجب التخميس أو لا ؟
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع ص 43 .
(2) في ص 33 ـ 34 .
ــ[52]ــ
فإحدى الجهتين أجنبيّة عن الاُخرى ولا وجه للخلط بينهما .
وكيفما كان ، فالكلام هنا يقع في مقامين :
أحدهما : ما إذا كان المتصدِّي لإخراج المطروح عن معدنه شيء غير الإنسان من سيل أو ريح أو زلزلة أو حيوان ونحو ذلك . والمشهور وجوب إخراج الخمس على واجده ، ولكن المحقّق الأردبيلي ناقش في ذلك فتردّد أو جزم بالعدم (1) .
ومنشأ الخلاف التردّد في أنّ الخمس الثابت بعنوان المعدن هل يختصّ بمن تملّكه عن طريق الاستخراج عن مقرّه الأصلي ، أو يعمّ مطلق التملّك كيفما اتّفق ولو بحيازته بعدما خرج عن مركزه ومستقرّه ؟
وقد يقرب الثاني بأنّ المعدن وإن كان في اللغة اسماً لمنبت الجوهر كما مرّ ، إلاّ أنّ المراد به في الروايات الشيء المأخوذ من المعدن ولو بسبب غير اختياري ، أعني : ذات المخرج من غير مدخليّة لخصوصيّة الإخراج .
ولكنّه غير ظاهر، فإنّه في الروايات أيضاً كالعُرف واللّغة بمعنى منبت الجوهر، إلاّ أنّ في إسناد الخمس إليه تجوّزاً ، فيراد به ما يخرج منه تسميةً للحال باسم المحلّ بعد وضوح عدم تخميس نفس المنبت ، فخصوصيّة الإخراج وإفصال الحال عن محلّه ملحوظة في هذا الإطلاق لا محالة .
ومن هنا ترى عدم صدق اسم المعدن على مثل الذهب بعدما اُخرج وصرف في مصرفه ، فلا يقال : إنّ هذا معدن ، وإنّما هو شيء مأخوذ من المعدن .
ويكشف عن ذلك التعبير بالركاز في صحيحة زرارة ، قال (عليه السلام) فيها : «كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس» (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مجمع الفائدة والبرهان 4 : 308 .
(2) الوسائل 9 : 492 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 3 .
ــ[53]ــ
فإنّ المراد به ما كان مركوزاً ، أي ثابتاً ونابتاً في الأرض ، فلا يشمل المطروح المنفصل عنه .
والوصف وإن لم يكن له مفهوم بالمعنى المصطلح ، إلاّ أ نّه يدلّ لا محالة على عدم تعلّق الحكم بالطبيعي الجامع ، وإلاّ لأصبح التقييد لغواً محضاً .
ومن ثمّ كان الظاهر من القيد أن يكون احترازيّاً ، فهو مشعر بالعلّيّة وإن لم تكن منحصرة ، كما أوضحناه في الاُصول (1) .
إذن فما ذكره المحقّق الأردبيلي من المناقشة في ذلك ـ نظراً إلى أنّ المتبادر من الأدلّة اختصاص الخمس بما استخرج من معدنه لا ما استولي عليه ولو بغير الإخراج ـ هو الصحيح الحقيق بالقبول حسبما عرفت .
المقام الثاني : ما إذا كان المباشر للإخراج هو الانسان ، ويتصوّر هذا على وجوه :
أحدها : أن لا يكون ناوياً لاستخراج المعدن وحيازته ، بل حفر الأرض لغاية اُخرى من شقّ النهر أو الظفر على عين ماء أو تحصيل بئر ونحو ذلك ، فاتّفق مصادفة المعدن فأخذه وطرحه في الصحراء دون أن يستملكه ، ولأجله لم يجب عليه الخمس ، إذ هو فرع الإخراج والتملّك ، المنفيّ حسب الفرض ، ومن ثمّ كان حكم هذه الصورة حكم ما تقدّم في المقام الأوّل من ابتناء تعلّق الخمس بالواجد على اعتبار الإخراج وعدمه ، وقد عرفت أنّ الأظهر الأوّل ، فلا خمس عليه من حيث المعدن وإن وجب من باب مطلق الفائدة بشروطه ، لكن هذه الصورة غير مرادة للماتن قطعاً ، لقوله : أو إنسان لم يخرج خمسه . إذ هو فرع تعلّق الخمس به ، والمفروض هنا عدمه كما عرفت ، فهو سالبة بانتفاء الموضوع .
الثاني : ما لو أخرجه بقصد الحيازة فتملّكه ثمّ طرحه وأعرض عنه من غير
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 129 ـ 135 .
ــ[54]ــ
أن يخمّسه إمّا قطعاً أو احتمالاً ، وحكمه جواز حيازته واستملاكه وإن لم نقل بخروجـه عن ملك المالك الأوّل بالإعراض، من غير أن يجب الخمس على الواجد بعنوان المعدن ، سواء قلنا باعتبار الإخراج في تعلّق هذا الوجوب ـ كما هو الأظهر على ما مرّ (1) ـ أم لم نقل كما عليه المشهور ، ضرورة اختصاص الخمس بهذا العنوان بأوّل ملك طارئ على المعدن ، فهو وظيفة المالك الأوّل الذي يقع المعدن في يده ويتلقّاه من منبته . وأمّا المالك الثاني ومن بعده الذي يتلقّاه من المالك الأوّل لا من نفس المعدن فلا يجب الخمس عليه بعنوان المعدن بالضرورة ، لقصور الأدلّة عن الشمول له جزماً .
نعم ، إنّما يحقّ له استملاك أربعة أخماس المطروح ، وأمّا خمسه فبما أنّ المالك الأوّل لم يؤدّه ـ بعد فرض تعلّقه به ـ إمّا قطعاً أو احتمالاً ملحقاً به بمقتضى الاستصحاب فيبتني استملاكه على شمول أخبار التحليل للمقام وأمثاله ممّن يتلقّى الملك ممّن لم يخمّسه ، وسيجيء البحث عنه في محلّه إن شاء الله (2) .
وبعبارة اُخرى : حكم المقام حكم من يشتري ملكاً يعلم بأنّ البائع لم يؤدّ خمسه ، فإن قلنا بشمول أخبار الإباحة والتحليل لمثله لم يجب الخمس على المشتري ، وإلاّ وجب ، ولا يزيد المقام على ذلك بشيء أبداً .
الثالث : ما لو قصد تملّكه بالإخراج فطرحه في الصحراء من غير إعراض ، بل ذهب ليرجع فلم يرجع لمانع حال دونه ، وهذا يلحقه حكم اللقطة إن اتّصف بالضياع ، وإلاّ فهو من قبيل مجهول المالك . وعلى التقديرين فلا يجوز استملاكه كما لا يجب تخميسه ، بل يجري عليه حكم أحد البابين على النهج المقرّر في محلّه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 52 .
(2) في ص 354 .
|