ــ[107]ــ
الرابع : الغوص ، وهو إخراج الجواهر من البحر مثل اللؤلؤ والمرجان وغيرهما معدنيّاً كان أو نباتيّاً (1) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كاليسر المصنوع منه السِّبَح الذي هو نبات ينبت في البحر والمرجان الذي هو مثل الشجر ينبت فيه ، فالحكم يشمل كلّ نفيسة تتكوّن في البحر ويستخرج منه بالغوص من غير فرق بين أنواعها .
وهذا الحكم في الجملة موضع وفاق وإن ناقش فيه صاحب المدارك ، زعماً منه اختصاص الرواية الصحيحة بالعنبر واللؤلؤ (1) ، الواردين في صحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن العنبر وغوص اللؤلؤ «فقال : عليه الخمس» إلخ (2) ، فيحتاج تعميم الحكم لغيرهما إلى دعوى عدم القول بالفصل ، لعدم ورود نصّ معتبر عنده (قدس سره) في غيرهما .
وكأ نّه (قدس سره) لم يعتن ببقيّة الروايات الواردة في المقام ، جرياً على مسلكه من اختصاص الاعتماد بالصحيح الأعلائي .
وليس الأمر كما ذكره (قدس سره) بل قد وردت رواية صحيحة بعنوان ما يخرج من البحر ، وهي ما رواه الصدوق بإسناده عن عمّار بن مروان ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : «فيما يخرج من المعادن، والبحر، والغنيمة، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه ، والكنوز ، الخمس» (3) .
فإنّها وإن عبّر عنها بالخبر في عدّة من الكتب المشعر بالضعف ، لكن الظاهر أ نّها صحيحة السند، لما عرفت فيما مرّ من أنّ عمّار بن مروان وإن كان مشتركاً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المدارك 5 : 375 .
(2) الوسائل 9 : 498 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 7 ح 1 .
(3) الوسائل 9 : 494 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 6 ، الخصال : 290 / 51 .
ــ[108]ــ
بين اليشكري الموثّق جزماً وبين الكلبي الذي ذكره الصدوق في المشيخة في بعض طرقه ولم يوثّق ، إلاّ أنّ الأوّل الذي يروي عن الصادق (عليه السلام) معروفٌ مشهور وله كتاب ، بخلاف الثاني ، ولا شكّ أنّ اللفظ ينصرف لدى الإطلاق إلى من هو الأعرف الأشهر. فلا ينبغي التأمّل في صحّة الرواية.
كما وردت صحيحة اُخرى بعنوان الغوص لابن أبي عمير ، عن غير واحد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : الخمس على خمسة أشياء : على الكنوز ، والمعادن ، والغوص ، والغنيمة» ونسي ابن أبي عمير الخامس (1) .
فإنّا قد أشرنا غير مرّة إلى أنّ مثل هذه الرواية لا تعتبر مرسلة ، إذ التعبير بـ : غير واحد ، كاشفٌ بحسب الظهور العرفي عن أنّ المروي عنه جماعة معروفون مشهورون قد بلغ الأمر من الوضوح حدّاً يستغنى عن ذكر آحادهم ، كما في بعض روايات يونس عن غير واحد ، فلا يعدّ ذلك طعناً في السند . فهذه أيضاً صحيحة قد رواها الصدوق عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، فما في الوسائل من قوله : عن جعفر ، غلط ، كما مرّ سابقاً (2) .
وهناك روايات اُخرى لا يخلو إسنادها عن الخدش ، وهي مؤيّدة للمطلوب ، والعمدة هاتان الصحيحتان .
ولأجل أنّ المأخوذ في إحداهما عنوان الغوص ، وفي الاُخرى ما يخرج من البحر ، وبين العنوانين عموم من وجه ، لافتراق الأوّل بالغوص في غير البحار كالشطوط والأنهار الكبار ، وافتراق الثاني بالأخذ من البحر بغير الغوص كما لو أخذه بآلة أو من وجه الماء .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 494 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 7 ، الخصال : 291 / 53 .
(2) في ص 71 .
ــ[109]ــ
فمن ثمّ وقع الإشكال في تشخيص موضوع ما يجب فيه الخمس ، وأنّ الاعتبار هل هو بصدق كلا العنوانين معاً ، فيكون الموضوع ما يخرج من البحر بالغوص كما اختاره المحقّق وجماعة منهم المحقّق الهمداني (قدس سره)(1) ، نظراً إلى صلاحيّة كلّ منهما لتقييد الآخر ، فيجمع بينهما عملاً بصناعة الإطلاق والتقييد ؟
أو بصدق كلّ واحد منهما فيكون كلّ منهما موضوعاً مستقلاًّ للحكم ، نظراً إلى عدم الموجب للتقييد بعد كونهما مثبتين ، وعدم التنافي في البين ليتصدّى للعلاج أو لإرجاع أحدهما إلى الآخر ؟
أو بصدق عنوان الغوص وإرجاع الآخر إليه بدعوى أنّ التعبير بما يخرج من البحر جار مجرى الغالب باعتبار غلبة كون الغوص في البحر ؟
أو بصدق عنوان الإخراج من البحر وإرجاع الغوص إليه عكس ما مرّ ، استناداً إلى أنّ التعبير بالغوص غالبي ، إذ التصدِّي لإخراج الجواهر من البحر لا يكون غالباً إلاّ بالغوص ؟
وجوه بل أقوال :
أظهرها : ثانيها ، أخذاً بإطلاق كلّ من الصحيحين المزبورين اللذين مفاد أحدهما : وجوب الخمس في كلّ ما اُخرج بالغوص ، سواء أكان من البحر أم من غيره ، ومفاد الآخر: وجوبه في كلّ ما اُخرج من البحر ، سواء أكان بالغوص أم بغيره ، بعد عدم التنافي بين الإطلاقين وإن كان بينهما عموم من وجه ، لتوافقهما حكماً .
فلا موجب إذن لرفع اليد عنهما ، إذ الموجب إمّا التنافي ، ولا تنافي بعد التوافق في المدلول .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشرائع 1 : 207 ، مصباح الفقيه 14 : 83 .
ــ[110]ــ
أو دعوى انصراف المطلق إلى الفرد الغالب واختصاصه به ، نظراً إلى أنّ الغالب في الغوص أن يكون في البحر ، كما أنّ الغالب في الإخراج من البحر أن يكون بالغوص .
وتندفع بعدم المحذور في شمول المطلق للفرد النادر ، وإنّما الممنوع اختصاصه به لا شموله له . على أنّ الندرة غير مسلّمة ، فإنّ الغوص في الأنهار العظيمة لاستخراج ما أودعه الله فيها من الجواهر الكريمة أمرٌ شائع متعارف كإخراجها من البحر بالآلة .
هذا ، ومع ذلك فقد ذكر المحقّق الهمداني (قدس سره) وجهاً للتنافي ، حاصله : أنّ المتراءى من ظواهر النصوص والفتاوى انحصار ما يجب فيه الخمس في الخمسة ، فلو كان كلّ من العنوانين المزبورين موضوعاً مستقلاًّ للحكم لأصبح الموجب ستّة ، وهو مناف للحصر المذكور . فلا محيص إذن عن إرجاع أحدهما إلى الآخر إمّا بارتكاب التقييد أو بوجه آخر ، وإن كان الأشبه بالقواعد هو الأوّل ، فيكون الموضوع ما اُخرج من البحر بالغوص .
ثمّ ذكر (قدس سره) أ نّه مع التنازل والغضّ وانتهاء النوبة إلى مرحلة الشكّ فالمرجع أصالة البراءة عن الوجوب في غير مجمع العنوانين المتيقّن فيه التكليف(1) .
ويندفع : بأنّ صحيحة ابن أبي عمير التي عدّت الغوص من الخمس وإن كانت ظاهرة في الحصر كما ذكر ، إلاّ أ نّه لا مناص من رفع اليد عن هذا الظهور ، نظراً إلى أنّ وجوب الخمس فيما يخرج من البحر بغير الغوص مقطوعٌ به في الجملة ، إمّا بعنوان ما يخرج من البحر ، أو كان بحياله عنواناً مستقلاًّ ، وإلاّ فبعنوان الفوائد والأرباح ، وتظهر الثمرة بينهما بالنسبة إلى استثناء مؤونة السنة كما لا يخفى . ومن المعلوم أنّ شيئاً من العنوانين لم يكن من الخمسة ، فالحصر
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الفقيه 14 : 86 .
ــ[111]ــ
غير حاصر لا محالة .
وربّما يحتمل ـ كما في الوسائل (1) ـ دخول الفوائد في عنوان الغنيمة المعدودة من الخمسة .
ولكنّه كما ترى لا شاهد عليه بوجه ، بل أنّ بعض الروايات شاهدة على إرادة خصوص غنائم دار الحرب ، كيف ؟! ولو اُريد منها مطلق الفائدة لدخل فيها ما جعل قسيماً لها كالمعادن والكنوز والغوص ، فإنّها كلّها فوائد .
وأمّا ما ذكره (قدس سره) أخيراً من جريان أصالة البراءة ، ففيه : أ نّه لا مجال لها بعدما عرفت من القطع بتعلّق الخمس بما اُخرج من البحر بالآلات ، وكذا ما اُخرج بالغوص من غير البحر ، إمّا بعنوان نفسه أو بعنوان الفائدة ، ولأجله يعلم بأنّ خمس المال قد انتقل إلى أربابه بمجرّد تملّكه ، فيتوقّف جواز التصرّف على إحراز الإذن ، ولم يحرز ما لم يخمّس ، فمقتضى الأصل عدم جواز التصرّف فيه ووجوب إخراج خمسه بمجرّد حيازته .
وبعبارة اُخرى : أصل التعلّق معلوم ، وإنّما الشكّ في كيفيّة التعلّق وأ نّه هل كان على نحو يجب التصدِّي لأدائه فعلاً ، أو أ نّه يجوز التأخير إلى نهاية السنة ، نظراً لاستثناء المؤونة ؟ فالثبوت معلوم ، والشكّ إنّما هو في السقوط إذا صرف في المؤونة ، ومقتضى الأصل عدم السقوط ، والنتيجة لزوم المعاملة معه معاملة سائر ما يخرج من البحر بالغوص .
والمتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ وجوب الخمس في كلّ من العنوانين هو الأوجه ، كما أ نّه الموافق للأصل ولمراعاة الاحتياط .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 489 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 12 .
|