ما ذكره المحقّق الهمداني (قدس سره) بخصوص مصرف خمس المال المختلط 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 15:الخُمس   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4135


   هذا ، وقد ذهب المحقّق الهمداني (قدس سره) إلى التخيير بين الأمرين ، عملاً بكلتا الروايتين ، فله الصرف خمساً ، كما له الدفع صدقة ، وذكر (قدس سره) أنّ هذا هو الأوجه في مقام الجمع إن لم يكن إجماع على خلافه .

   وملخّص ما ذكره (قدس سره) : أنّ تعلّق الخمس بالمختلط ليس معناه أنّ خمس المال ملك فعلي للسادة بحيث أنّ الخلط بمجرّد حصوله أوجب انتقال هذا الكسر من المال إليهم ابتداءً ويشتركون فيه مع المالك بنحو من الشركة ، كما هو الحال في سائر أقسام الخمس من الغنائم والمعادن والكنوز ونحوها ، فليس تعلّق الخمس في المختلط كتعلّقه في سائر الأقسام ، بل الخمس هنا مطهّر ويكون الباقي له بعد التخميس .

   وعليه ، فله التصدِّي للتطهير بنحو آخر بأن يسلّم المال بأجمعه للفقير قاصداً به التصدّق بجميع ما للغير في هذا المال واقعاً ، فينوي الصدقة في حصّة المالك الواقعي ردّاً للمظالم ، وبما أنّ الحصّتين مجهولتان حسب الفرض فيقتسمان بعد ذلك بالتراضي أو القرعة أو نحو ذلك ، وبهذه الكيفيّة يحصل التطهير وتبرأ الذمّة أيضاً .

   وعلى هذا فليس الخمس واجباً تعيينيّاً ـ وكلمة العيني في كلامه (قدس سره) سهو من قلمه الشريف كما لا يخفى ـ بل التخلّص من الضمان يتحقّق بكلّ من الأمرين حسبما عرفت . فهو إذن مخيّر بينه وبين الصدقة .

ــ[130]ــ

   وأمّا رواية السكوني فهي أيضاً غير ظاهرة في الوجوب التعييني ، إذ هي في مقام دفع توهّم الحظر من أجل تخيّل عدم جواز التصرّف في مال الغير حتى بنحو التصدّق عن صاحبه ، فغاية ما هناك أ نّها ظاهرة في الجواز وأ نّه يجوز الاكتفاء بالتصدق بمقدار الخمس من غير أن يتعيّن في ذلك ، بل يجوز التخلّص بالتصدّق بنحو آخر حسبما عرفت آنفاً . فبالنتيجة هو مخيّر بين الأمرين .

   هذا ملخّص كلامه (قدس سره) (1) .

   ولكنّه لا يمكن المساعدة عليه بوجه :

   أمّا ما ادّعاه في رواية السكوني من ورود الأمر فيها موقع توهّم الحظر فليس الأمر كذلك بحيث يمنع عن ظهور الأمر في الوجوب ، فإنّ التصدّق بمال الغير وإن كان حراماً لكن ليس كلّ محرّم يمنع عن ظهور الأمر المتعلّق به في الوجوب ، فإنّ السؤال هنا عن الوظيفة الفعليّة في مقام تفريغ الذمّة بعد ما كان يعلم السائل بعدم جواز التصرّف ، فبيّن الإمام (عليه السلام) كيفـيّة التفريغ وأ نّه يتحقّق بالتخميس الظاهر بحسب الفهم العرفي في انحصار الوظيفة وتعيّنها في ذلك ، فالحمل على الجواز من أجل الورود موقع الحظر خلاف المتفاهم العرفي في أمثال المقام جدّاً كما لا يخفى .

   وأمّا ما ذكره (قدس سره) في الرواية الاُولى ـ  أعني: معتبرة عمّار بن مروان  ـ من جواز التصدِّي للتفريغ والتطهير بغير التخميس ـ أعني : التصدّق ـ فلا يمكن تصديقه بوجه ، ضرورة أنّ التصدّق بمال الغير والاجتزاء به في مقام التفريغ يحتاج إلى الدليل ، ولولا قيام الدليل على أنّ مجهول المالك إذا لم يمكن إيصاله إلى صاحبه يتصدّق به عنه لم يكن أيّ وجه للصدقة ، إذ كيف يكون التصدّق ممّن لا وكالة عنه ولا ولاية عليه مفرّغاً ؟!

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه 14 : 158 ـ 161 .

ــ[131]ــ

   وإنّما التزمنا بذلك من أجل الروايات الخاصّة ، وهي وإن وردت في موارد مخصوصة وأموال متميّزة كالمال الخارجي أو الديون ونحو ذلك ، إلاّ أ نّه لا بدّ من إلغاء الخصوصيّة بحسب الفهم العرفي ، والالتزام بأنّ التصدّق لدى العجز عن معرفة المالك نحو إيصال للمال إليه ، فهو مجزئ في مقام التفريغ وإن لم يكن المال متميّزاً .

   وكيفما كان ، فالالتزام بالتصدّق والاكتفاء به في مقام التفريغ إنّما كان من أجل تلك الروايات . وعليه ، فإذا فرضنا ورود رواية معتبرة دلّت في مورد خاصّ ـ كالمقام ـ على وجوب التخميس فبطبيعة الحال تكون هذه الرواية مخصّصة لتلك الأخبار ومقيّدة لإطلاقها بمقتضى صناعة الإطلاق والتقييد ، وقد عرفت أنّ معتبرة عمّار دلّتنا على ذلك صريحاً ، وبعد ورودها كيف يسعنا الأخذ بإطلاق نصوص الصدقة لولا رواية السكوني ؟!

   وبالجملة : مع قطع النظر عن رواية السكوني فرواية عمّار مخصّصة لروايات الصدقة ، فلا محالة يتعيّن التخميس ، ومعه لا مجال للتصدّق .

   وأمّا ما ذكره (قدس سره) من أنّ كيفيّة التعلّق تختلف في المختلط عن غيره ، فقد ظهر فساده .

   ضرورة ظهور الرواية في أ نّه في فرض الخلط والشكّ فولي الأمر ـ وهو الله تعالى ـ قد قسّم المال هكذا : بأن يكون خمسه للإمام ، والباقي للمالك ، كتقسيمه كذلك في سائر موارد الخمس ، فالالتزام بالتفكيك خلاف الظاهر جزماً . فما ذكره (قدس سره) بعيد جدّاً ، بل لا بدّ من وجوب التخميس ورفع اليد عن رواية السكوني حسبما عرفت فيما مرّ .

   والذي يهوّن الخطب من أوّل ما ذكرناه إلى هنا أنّ رواية السكوني إنّما تصلح للمعارضة مع رواية عمّار لو كان متنها كما أثبتناه ، المطابق لما في الكافي

ــ[132]ــ

كما ذكره في الوسائل ، وكأنّ المشهور اقتصروا على هذه النسخة فذكروا ما ذكروا في كيفيّة الجمع .

   ولكن صاحب الوسائل ذكر بعد ذلك قوله : ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد ابن يعقوب . ورواه الصدوق بإسناده عن السكوني . ورواه البرقي في المحاسن عن النوفلي . ورواه المفيد في المقنعة مرسلاً نحوه (1) .

   فيظهر من ذلك أ نّها رواية واحدة لفظاً ومعنىً قد رويت بعدّة طرق ، وأنّ هؤلاء الباقين نقلوها كما في الكافي . وليس كذلك ، فإنّ الصدوق قد رواها بسند معتبر بنحو آخر ، قال : فقال علي (عليه السلام) : «أخرج خمس مالك ، فإنّ الله عزّ وجلّ قد رضي من الإنسان بالخمس ، وسائر المال كلّه لك حلال» (2) ، فذكر : «أخرج» بدل : «تصدّق» ، كما ذكر : «الإنسان» بدل : «الأشياء» فيتّحد مضمونها حينئذ مع رواية عمّار بلا تفاوت أبداً ، فتخرج حينئذ عن المعارضة إلى المعاضدة .

   وبما أ نّها رواية واحدة كما عرفت والنسخة مختلفة فلم يعلم أنّ السكوني هل رواها كما في الكافي أو كما في الفقـيه ؟ وحيث لا ترجيح فتسقط عن درجة الاعتبار ، وتبقى رواية عمّار بلا معارض .

   بل يمكن القول بترجيح الثاني ، نظراً إلى أنّ الصدوق يرويها عن كتاب السكوني ، فإن لم يكن في هذا ترجيح فليس في رواية الكافي ترجيح قطعاً ، فلم ينهض في البين ما يصلح للمعارضة مع رواية عمّار .

   ومن الغريب أنّ الفقهاء كأ نّهم لم ينظروا إلى الفقيه واقتصروا على رواية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 507 .

(2) الفقيه 3 : 117 / 499 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net