ــ[138]ــ
والأحوط أن يكون بإذن المجتهد الجامع للشرائط (1) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فإنّه القدر المتيقّن من جواز التصرّف في ملك الغير بعد أن كان مقتضى الأصل عدم جواز التصرّف فيه بغير إذنه .
وأمّا نصوص التصدّق فليست هي بصدد البيان من هذه الناحية لينعقد لها الإطلاق المستلزم لإعطاء الولاية لذي اليد، بل هي مسوقة لبيان كيفيّة التصرّف فقط ، وأ نّه يجب التصدّق به على الوجه المقرّر شرعاً ، أو يقال بأنّ الأمر بالتصدّق بنفسه إذنٌ من الإمام (عليه السلام) ، فهذه الروايات ليست لبيان الحكم الشرعي فحسب ، بل بضميمة الإذن .
على أ نّه يظهر من بعض الروايات اعتبار الإذن ، وهي رواية داود بن أبي يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : قال رجل : إنِّي قد أصبت مالاً ، وإنِّي قد خفت فيه على نفسي ، ولو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلّصت منه ، قال : فقال له أبو عبدالله (عليه السلام) : «والله ، أن لو أصبته كنت تدفعه إليه ؟ » قال : إي والله «قال : فأنا والله ما له صاحب غيري» قال : فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره ، قال : فحلف ، «فقال : فاذهب فاقسمه في إخوانك ، ولك الأمن ممّا خفت منه» قال : فقسّمته بين إخواني(1) .
والظاهر أ نّها معتبرة من حيث السند ، فإنّ موسى بن عمر الواقع في الطريق مردّد بين موسى بن عمر بن بزيع ، وموسى بن عمر بن يزيد ، والأوّل وثّقه النجاشي(2) وغيره صريحاً ، والثاني مذكور في اسناد كامل الزيارات(3) بقرينة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 25 : 450 / كتاب اللقطة ب 7 ح 1 .
(2) رجال النجاشي : 409 / 1089 .
(3) كامل الزيارات : 20 .
ــ[139]ــ
رواية سعد عنه في الكامل ، فإنّه الراوي عن ابن يزيد ، فيعلم من ذلك أنّ المراد بموسى بن عمر في الكامل هو ابن يزيد ، فالرجل موثّق على أيّ تقدير ، ولا ينبغي التشكيك في صحّة السند .
كما أ نّها ظاهرة الدلالة على لزوم مراجعة الحاكم الشرعي ، فإنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) : «والله ما له صاحب غيري» أ نّه يريد من الصاحب من يرجع إليه هذا المال وتكون له الولاية على التصرّف ، لا أ نّه (عليه السلام) كان مالكاً شخصيّاً لذاك المال ، ولذا لم يسأله (عليه السلام) عن نوعية المال ولم يستفسر عن خصوصيّته وأ نّه أيّ شيء كان .
على أ نّه لو كان له (عليه السلام) لأخذه ولم يأمر بالتقسيم ، مضافاً إلى عدم استقامته مع قوله (عليه السلام) : «ولك الأمن ممّا خفت منه» ، إذ لو كان (عليه السلام) هو المالك حقيقةً فقد وصل المال إلى صاحبه فأيّ خوف بعد هذا ؟! فتأمين الإمام (عليه السلام) إيّاه باعتبار أ نّه ولي الأمر وصاحبه الشرعي دون الحقيقي ، ولأجله يتحمّل تبعة عدم الإيصال إلى الأهل .
وعلى الجملة : فالظاهر من هذه الرواية أن أمره (عليه السلام) بالتقسيم كان باعتبار الولاية على مجهول المالك ، لا باعتبار كونه مالاً له حقيقةً ، ولا سيما بقرينة عدم الاستفسار عن نوعيّة المال .
وعليه ، فاعتبار الإذن من الحاكم الشرعي لو لم يكن أقوى فلا أقلّ من أ نّه أحوط ، لعدم ثبوت الولاية للمالك كي يسوغ له التصدّق من دون مراجعته بعدما كان مقتضى الأصل عدم جواز التصرّف في مال الغير إلاّ بإذن الولي ، وقد عرفت أ نّه لم يوجد في الأخبار ما يكون له إطلاق من هذه الجهة .
|