ــ[168]ــ
[ 2912 ] مسألة 36 : لو كان الحلال الذي في المختلط ممّا تعلّق به الخمس وجب عليه بعد التخميس((1)) للتحليل خمس آخر للمال الحلال الذي فيه(1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخليط المعلوم حكمه الشرعي .
وبعبارة اُخرى : أنّ رواية السكوني التي هي من عمدة روايات الباب ناظرة إلى من يريد التوبة ويروم التخلّص عن مشكلة اختلاط الحرام بالحلال ، فلا يدري ما هي وظيفته تجاه الحرام الموجود في البين . وهذا ـ كما ترى ـ لا يعمّ الحرام المشخّص قبل الاختلاط المعلوم مصرفه وإن كان مجهولاً مالكه ، وهو التصدّق على الفقراء ، سيّما إذا كان الاختلاط عمديّاً ولغاية سيِّئة ، وهي الفرار من احتمال الزيادة على الخمس كما هو المفروض في المقام ، فإنّ النصّ منصرف عن مثل هذا الفرض جزماً . وعليه ، فيبقى على حكم مجهول المالك كما اختاره في المتن .
(1) قد يفرض أنّ الحلال الذي في المختلط ممّا لم يتعلّق به الخمس في نفسه ، كما لو كان إرثاً أو مالاً مخمّساً ونحو ذلك ، وهذا هو الذي تكلّمنا فيه لحدّ الآن ، وقد عرفت وجوب تخميسه لمكان الاختلاط .
واُخرى : يفرض كونه مورداً للخمس بنفسه ولو مع الغضّ عن الخلط ، كما لو كان غنيمة أو كنزاً أو معدناً أو من أرباح المكاسب وقد حال عليها الحول ، فهل يكفي التخميس حينئذ مرّة واحدة ، أو أ نّه يحتاج إلى تخميس آخر للعنوان الآخر ؟
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الظاهر كفاية استثناء خمس المال الحلال أوّلاً ثمّ تخميس الباقي ، ويظهر الفرق بين هذا وما في المتن بالتأمّل .
ــ[169]ــ
قد يقال بالأوّل ، نظراً إلى إطلاق قوله (عليه السلام) في معتبرة السكوني : «وسائر المال لك حلال» (1) .
ولكنّه واضح الضعف ، ضرورة قصر النظر فيها على الحلّيّة من ناحية الاختلاط بالحرام لا حتى من الجهات الاُخرى ، كما لعلّه أظهر من أن يخفى . إذن فإطلاق دليل التخميس بعنوان الغنائم أو الكنوز أو الأرباح ونحوها محكّمٌ لا مناص من الأخذ به .
فلا ينبغي التأمّل في لزوم التخميس مرّتين ، عملاً بإطلاق الدليلين ، فيخمّس مرّةً بعنوان الاختلاط ، ومرّةً اُخرى بعنوان الأرباح مثلاً .
وإنّما الكلام في المتقدّم منهما والمتأخّر ، فقد ذكر الماتن (قدس سره) أ نّه يخمّس تمام المال أوّلاً للتحليل من أجل الاختلاط بالحرام ، ثمّ بعدئذ يخمّس مرّة اُخرى للمال الحلال الذي فيه بعنوان الأرباح مثلاً .
ولكنّه غير ظاهر ، ضرورة أنّ الخمس بعنوان الاختلاط حسب ما يستفاد من الأدلّة خاصّ بالمال المخلوط فيه الحلال بالحرام ، فموضوعه المال المؤلَّف من هذين الصنفين ، فبعضه له وبعضه حرام لا يعرف صاحبه ، وأمّا المشتمل على صنف ثالث بحيث لا يكون له ولا يكون من المال الحرام الذي لا يعرف صاحبه فهو غير مشمول لتلك الأدلّة .
ومقامنا من هذا القبيل ، إذ بعد كون حصّته من هذا المجموع متعلّقاً للخمس كما هو المفروض ، فهو يعلم أنّ مقداراً من هذا المال المختلط ـ أعني : الخمس من حصّته ـ لا له ولا من المال الحرام ، بل هو ملك للسادة والإمام . وعليه ، فلا بدّ من إخراجه واستثنائه أوّلاً ليتمحّض المال في كونه حلالاً مخلوطاً بالحرام ، ثمّ يخمّس بعدئذ للتحليل وبعنوان الاختلاط .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المتقدّمة في ص 127 .
ــ[170]ــ
فالنتيجة : أنّ التخميس بعنوان الأرباح ـ مثلاً ـ مقدّم على التخميس من ناحية الاختلاط ، عكس ما ذكره في المتن .
ولا شكّ أنّ بين الكيفيّتين فرقاً واضحاً يستتبع ثمرة عمليّة .
فمثلاً : إذا فرضنا أنّ مجموع المال خمسة وسبعون ديناراً ـ كما ذكرناه في المنهاج (1) ـ فعلى طريقة الماتن : يخرج أوّلاً خمس المجموع للتحليل فيبقى ستّون ، ثمّ يخرج خمس الأرباح فيبقى له ثمانية وأربعون ديناراً .
وأمّا على طريقتنا : فيخرج خمس المتيقّن (2) كونه من المال الحلال أوّلاً ، فلنفرض أ نّه خمسون فيخرج خمسه للأرباح وهي عشرة فتبقى خمسة وستّون ، ثم يخرج خمس هذا المجموع بعنوان الاختلاط وهو ثلاثة عشر فتبقى له من مجموع المال اثنان وخمسون ديناراً . فتختلف عن الطريقة الاُولى بأربعة دنانير .
ولو فرضنا أنّ المتيقّن من الحلال أقلّ فالفرق أكثر، فلو كان المتيقّن خمسة وعشرين ديناراً ـ مثلاً ـ فيخرج خُمسه خمسة دنانير ، ثمّ يخرج من السبعين الباقي أربعة عشر ديناراً خُمس التحليل فيبقى له من المجموع ستّة وخمسون ديناراً . فتختلف حينئذ عن الطريقة الاُولى بمقدار ثمانية دنانير ، وهكذا . وقد عرفت أنّ هذه الطريقة هي المتعيّن بحسب الأدلّة ، لا ما ذكره الماتن وغيره ، فلاحظ .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منهاج الصالحين (العبادات) : 331 / 1210 .
(2) يمكن أن يقال : إنّ قاعدة اليد تقتضي البناء على الأكثر ، وقد أجاب (دام ظلّه) عن ذلك بما لفظه : قاعدة اليد على تقدير جريانها في المقام فإنّما يترتّب عليها الحكم بكون المقدار المشكوك فيه ملكاً لذي اليد ، ولا يترتّب عليها الحكم بكونه من الأرباح ليتعلّق به الخمس ، على أ نّها لا تجري في موارد الاختلاط الموجب لإخراج الخمس ، وإلاّ لم تكن حاجة إليه كما لعلّه ظاهر .
ــ[171]ــ
[ 2913 ] مسألة 37 : لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاصّ أو العامّ فهو كمعلوم المالك على الأقوى(1) ، فلا يجزئه إخراج الخمس حينئذ . ــــــــــــــــــــــــــ
(1) إذ لا فرق في المالك المعلوم الذي يجب إيصال المال إليه بين المالك الشخصي أو الكلّي كما في هذه الموارد ، فلا بدّ في إصلاح المال حينئذ من مراجعة الحاكم الشرعي الذي له الولاية على الكلّي والتراضي معه بما يتّفقان عليه . ولا يجزئ إخراج الخمس ، لانصراف نصوص الاختلاط عن مثل الفرض ، إذ الموضوع فيها الخلط بمال لا يعرف صاحبه الشخصي أو الكلّي ، لا ما يعرف صاحبه كذلك كما لا يخفى .
وعن كاشف الغطاء : التفصيل بين الأوقاف فيكون كمعلوم المالك ، وبين الاختلاط بالأخماس أو الزكوات فكالمجهول المحكوم عليه بالتخميس (1) .
وهو ـ كما ترى ـ غير ظاهر الوجه . فما ذكره في المتن من عدم إجزاء التخميس مطلقاً هو الصحيح حسبما عرفت . ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كشف الغطاء : 361 .
|