ــ[174]ــ
السادس : الأرض التي اشتراها الذمِّي من المسلم (1) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخذاً بنصوص التحليل المتضمّنة لإمضاء المعاملات الواقعة على العين ممّن لم يخمّسها فينتقل الخمس من العين إلى عوضها، حيث إنّهم (عليهم السلام) أباحوا لشيعتهم ذلك حفظاً للمناكح والمساكن والمتاجر عن الحرام، فإنّ الإباحة للمتاجر تستدعي صحّة تلك المعاملات كما لا يخفى .
وعليه ، فالأقوى صحّة البيع ونحوه في المقام من غير حاجة إلى إجازة الحاكم الشرعي ، فينتقل الخمس من العين إلى العوض لو كان التصرّف بمثل البيع ممّا له البدل ، وإلى الذمّة لو لم يكن كذلك كما في الهبة غير المعوّضة ، وتمام الكلام في محلّه إن شاء الله تعالى .
(1) على المشهور من زمن الشيخ ومن تأخّر عنه ، بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه (1) .
نعم ، نُسِب إلى كثير من القدماء إنكار هذا الخمس ، نظراً إلى خلوّ كلماتهم عن التعرّض إليه لدى تعداد الأقسام .
وكيفما كان ، فالمتّبع هو الدليل ، والأصل في هذا الحكم صحيحة أبي عبيدة الحذّاء ، قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : «أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس» (2) .
المؤيّدة بمرسلة المفيد عن الصادق (عليه السلام) «قال : الذمّي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس» (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الغنية 2 : 129 ، وهو في النهاية : 197 .
(2) الوسائل 9 : 505 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 9 ح 1 .
(3) الوسائل 9 : 505 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 9 ح 2 ، المقنعة : 283 .
ــ[175]ــ
ونوقش في الرواية باستضعاف السند .
ولكنّه كما ترى ، لعدم اشتماله على من يغمز فيه أبداً ، بل في المدارك : أ نّها في أعلى مراتب الصحّة (1) . وهو كذلك ، ولأجله استغرب تبعاً للمنتقى (2) النقاش في السند . غير أ نّه (قدس سره) ناقش تبعاً له في الدلالة ، نظراً إلى خلوّها عن ذكر متعلّق الخمس ومصرفه ، فلا يدري أنّ المراد خمس نفس الأرض أو حاصلها ، ومن الجائز إرادة الثاني كما نسب إلى بعض العامّة ـ وهو مالك (3) ـ من أنّ الذمّي إذا اشترى أرضاً من مسلم وكانت عشريّة ضوعف عليه العشر واُخذ منه الخمس . فتكون الرواية على هذا جارية مجرى التقيّة .
وربّما يعضدها خلوّ بقيّة النصوص عن التعرّض لهذا الخمس .
ولكنّه يندفع أوّلاً : بعدم المقتـضي للحمل على التقيّة بعد سلامتها عن المعارض ، فلا موجب لرفع اليد عن أصالة الجدّ ، إذ ليس بإزائها ما يدلّ على نفي الوجوب ليجمع بالحمل على التقيّة .
وثانياً : أنّ الرواية مرويّة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ، واشتهار مالك بالفتوى إنّما كان في عهد الصادق (عليه السلام) لا الباقر (عليه السلام) لكي يقتضي الاتّقاء منه ، بل لعلّه لم تكن له فتوى في زمنه ، فإنّ مالك تولّد سنة 96 ، أي بعد إمامة الباقر بسنتين ، وتوفّي سنة 179 وكان عمره 83 سنة ، وكانت إمامة الباقر سنة 95 ووفاته سنة 114 ، فكان عمر مالك عند وفاة الباقر (عليه السلام) 20 سنة ولم يكن عندئذ صاحب فتوى ، فضلاً عن اشتهارها . ثمّ إنّ هذه الرواية لم تصدر سنة وفاة الباقر ، فلعلّها صدرت ولم يكن مالك بالغاً ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المدارك 5 : 386 .
(2) منتقى الجمان 2 : 443 .
(3) الحدائق 12 : 360 ، وهو في المغني 2 : 590 .
ــ[176]ــ
فضلاً عن كونه صاحب فتوى .
وثالثاً : أنّ الأرض المذكورة فيها مطلق تعمّ الزراعيّة وغيرها ، كما أنّ الزراعيّة تعمّ الزكويّة وغيرها ، فلا موجب للتخصيص بالعشريّة لتحمل على التقيّة .
فالإنصاف ظهور الصحيحة في تعلّق الخمس بنفس الأرض لا بحاصلها ، وتعضدها المرسلة التي هي كالصريح في ذلك كما لا يخفى وإن كانت لمكان الضعف لا تصلح إلاّ للتأييد .
فالأقوى ثبوت هذا الخمس وفاقاً للمشهور ، وأخذاً بالرواية القويّة سنداً ودلالةً وجهةً ، السليمة عن المعارض حسبما عرفت .
وأمّا خلوّ بقيّة النصوص عن التعرّض لهذا الخمس ـ ككلمات القدماء ـ فلعلّ وجهه : أنّ بقيّة الأقسام عامّة لجميع البشر بناءً على تكليف الكفّار بالفروع كالاُصول ، أو لخصوص المسلمين بناءً على عدم تكليفهم بها ، كما لعلّه الأظهر . وأمّا هذا القسم فهو مخصوص بالذمّي ولا مساس له بالمسلمين ، بل ولا بغير الذمّي من الكفّار ، فهو حكم في مورد مخصوص ، ومثله لا يستحقّ التعرّض في قبال سائر الأقسام وذكره في عدادها كما لا يخفى .
ثم إنّ رواية الحذّاء قد رويت بطرق ثلاث كما في الوسائل : فرواها الشيخ بإسناده عنه ، وكذا الصدوق بإسناده عنه ، وكذلك المحقّق في المعتبر عن الحسن ابن محبوب (1) .
لكن الطريقين الأخيرين ضعيفان ، لجهالة طريق الصدوق إلى الحذّاء في المشيخة كجهالة طريق المحقّق إلى ابن محبوب .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التهذيب 4 : 139 / 393 ، الفقيه 2 : 22 / 81 ، المعتبر 2 : 624 .
|