جملة من النصوص الدالّة على خمس فاضل المؤونة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 15:الخُمس   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6312


   ويدلّنا على الحكم ثانياً جملة وافرة من النصوص التي عرفت أ نّها بضميمة نصوص التحليل بالغة حدّ التواتر الإجمالي ، وإليك بعضها :

   فمنها : موثّقة سماعة ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمس «فقال : في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير» (1) .

   ومنها : صحيحة علي بن مهزيار ، قال : كتب إليه إبراهيم بن محمّد الهمداني: أقرأني علي كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع ـ إلى أن قال ـ : فكتب وقرأه علي بن مهزيار : «عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله وبعد خراج السلطان» (2) .

   ومنها : صحيحته الاُخرى ، ولنذكرها بطولها لما فيها من المزايا ، قال : كتب إليه أبو جعفر (عليه السلام) ـ وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة ـ «قال : إنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 503 /  أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 6 .

(2) الوسائل 9 : 500 /  أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 4 .

ــ[202]ــ

الذي أوجبت في سنتي هذه ، وهذه سنة عشرين ومائتين، فقط لمعنى من المعاني ، أكره تفسير المعنى كلّه خوفاً من الانتشار ، وساُفسِّر لك بعضه إن شاء الله : إنّ مواليّ ـ أسأل الله صلاحهم ـ أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم ، فعلمت ذلك فأحببت أن اُطهِّرهم واُزكِّيهم بما فعلت من أمر الخمس في عامي هذا ، قال الله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (1) .

   إلى أن قال : «ولم اُوجب عليهم ذلك في كلّ عام ، ولا اُوجب عليهم إلاّ الزكاة التي فرضها الله عليهم ، وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضّة التي قد حال عليهما الحول ، ولم اُوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلاّ في ضيعة ساُفسِّر لك أمرها ، تخفيفاً منِّي عن مواليّ ، ومنّاً منِّي عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذاتهم ، فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام ، قال الله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْء فَأَنَّ للهِِ خُمُسَهُ) (2) إلخ» .

   إلى أن قال : «فالغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها ، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ، ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله ، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب ، وما صار إلى مواليّ من أموال الخرميّة (3) الفسقة ، فقد علمت أنّ أموالاً عظاماً صارت إلى قوم من مواليّ ، فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصله إلى وكيلي ، ومن كان نائياً بعيد الشقّة فليتعمّد لإيصاله ولو بعد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التوبة 9 : 103 .

(2) الأنفال 8 : 41 .

(3) الخرميّة : هم أصحاب التناسخ والإباحة ، القاموس المحيط 4 : 104 (خرّم) .

ــ[203]ــ

حين ، فإنّ نيّة المؤمن خيرٌ من عمله ، فأمّا الذي أوجب من الضياع والغلاّت في كلّ عام فهو نصف السدس ممّن كانت ضيعته تقوم بمؤونته ، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك» (1) .

   ولنأخذ في شرح بعض فقرات هذا الحديث الشريف المروي عن أبي جعفر الجواد (عليه السلام) ودفع ما اُورد عليه من الإشكالات .

   قوله (عليه السلام) : «في سنتي هذه» إلخ ، وهي سنة وفاته (عليه السلام) ، ولعلّ إلى ذلك أشار (عليه السلام) بقوله : «لمعنى من المعاني» وكره تفسيره كلّه ، فأراد (عليه السلام) تطهير مواليه في السنة الأخيرة من عمره الشريف ، اقتداءً بالنبيّ الأكرم المأمور بالأخذ والتطهير في قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) إلخ .

   وقوله (عليه السلام) : «ولم اُوجب عليهم ذلك في كلّ عام» إلخ ، أي من أعوام حياته ، علماً منه (عليه السلام) بعدم بقائه .

   قوله (عليه السلام) : «وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه» إلخ ، يعني : أنّ الكيفيّة التي اختارها (عليه السلام) للتطهير تختصّ بهذه السنة ، وهي إيجاب الخمس في خصوص الذهب والفضّة التي قد حال عليهما الحول ، وإسقاطه عمّا عداهما من المتاع والآنية والدواب والخدم والربح والضيعة إلاّ في ضيعة خاصّة أشار (عليه السلام) إليها بقوله : «ساُفسِّر لك أمرها» يعني (عليه السلام) بذلك ما سيذكره (عليه السلام) في آخر الحديث من التفصيل بين من كانت ضيعته تقوم بمؤونته ففيها نصف السدس ، وإلاّ فلا شيء عليه .

   فإلى هنا أسقط (عليه السلام) الخمس عمّا سوى ذلك في هذه السنة بالخصوص ، ولم يبيّن (عليه السلام) وجهه وكره تفسيره ، وقد عرفت احتمال أن يكون الوجه موته (عليه السلام) في تلك السنة ، فأراد (عليه السلام) تطهيرهم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 501 /  أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5 .

ــ[204]ــ

إلاّ في خصوص الذهب والفضّة .

   هذا ، وصاحب المدارك تعرّض لهذه الرواية وذكر أنّ فيها إشكالاً من جهات تمنعنا عن الأخذ بها وأ نّه لا بدّ من طرحها بالرغم من صحّة السند (1) .

   منها : هذه الجملة : حيث أوجب (عليه السلام) الخمس في الذهب والفضّة مع أ نّه لا يجب فيهما إلاّ الزكاة بالإجماع .

   ولكنّ الظاهر أنّ هذه الشبهة في غير محلّها .

   أمّا لو اُريد من الذهب والفضّة ما كان بنفسه مورداً للخمس كما لو وقع ربحاً في تجارة ـ كما هو غير بعيد ـ فالأمر ظاهر ، إذ عليه يكون هذا استثناء عمّا ذكره (عليه السلام) من السقوط في الأرباح ، فأسقط (عليه السلام) الخمس عن كلّ ربح ما عداهما ، فيجب فيهما بعد حلول الحول لا بعنوانهما الأولي ، بل بما أ نّهما ربح في تجارة ، ولا ضير في ذلك أبداً كما هو ظاهر .

   وأمّا مع التنازل عن ذلك ودعوى ظهورها في إيجاب الخمس فيهما بعنوانهما الذاتي حتى لو لم يتعلّق بهما خمس الأرباح كما لو كان إرثاً وحال عليه الحول ، فلا ضير فيه أيضاً ، لما عرفت من أ نّه (عليه السلام) لم يكن بصدد بيان الحكم الشرعي مطلقاً، بل أوجب (عليه السلام) الخمس في خصوص سنته هذه فقط.

   وقد تقدّم أنّ وليّ الأمر له الولاية على ذلك، فله إسقاط الخمس عن التجارة وجعله في الذهب والفضّة ولو مؤقّتاً، لمصلحة يراها مقتضية لتبديل البعض بالبعض ، سيّما في مثل الذهب والفضّة بعد حلول الحول الكاشف عن عدم الحاجة .

   فهذه الجملة لا توجب سقوط الرواية عن الحجّيّة بوجه كما لا يخفى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المدارك 5 : 383 .

ــ[205]ــ

   ومنها : قوله (عليه السلام) : «فالغنائم والفوائد رحمك الله» إلخ ، حيث أورد في المدارك بما لفظه : ومع ذلك فمقتضاها اندراج الجائزة الخطيرة والميراث ممّن لا يحتسب والمال الذي لا يعرف صاحبه وما يحلّ تناوله من مال العدوّ في اسم الغنائم ، فيكون مصرف الخمس فيها مصرف خمس الغنائم .

   وفيه أيضاً ما لا يخفى ، ضرورة أنّ الجائزة من أظهر أنواع الفوائد ، هب أنّ لفظ الغنيمة لا يشملها ولكن الفائدة شاملة للهديّة قطعاً ، وكيف لا يكون العثور على مال مجّاناً من دار أو عقار ونحوهما فائدة ؟! ولا أدري بأيّ وجه استشكل ذلك ؟! بل هي غنيمة أيضاً ، ومع الغضّ ففائدة بلا إشكال . وكذلك الحال في الميراث الذي لا يحتسب ، والمال المأخوذ من عدوّ يصطلم ، فإنّ كون ذلك كلّه فائدة أمر قطعي لا ينكر .

   نعم ، قوله (عليه السلام) : «ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب» لا يخلو عن الإشكال ، نظراً إلى أنّ هذا من مجهول المالك ، والمشهور والمعروف لزوم التصدّق به ، وليس للآخذ تملّكه ليدخل في الفائدة كما في اللقطة ، وإن نُسب ذلك إلى بعضهم استناداً إلى هذه الصحيحة ، ولكن المشهور خلافه كما عرفت ، فكيف عدّ فيها من الفوائد والغنائم ؟!

   ولكن الظاهر أنّ الصحيحة غير ناظرة إلى المال المجهول مالكه ، للفرق الواضح بين قولنا : مالٌ لا يعرف صاحبه، وبين قولنا: مالٌ لا يعرف له صاحب، إذ الصاحب في الأوّل مفروض الوجود، غايته أ نّه غير معروف فيكون من مجهول المالك ، بخلاف الثاني ـ وهو الوارد في الصحيحة ـ حيث لم يفرض له صاحب ومالك ، ولعلّه لا صاحب له أبداً وأ نّه من المباحات الأصليّة التي هي ملك لمن استولى عليها . وهذا ـ كما ترى ـ أجنبي عن باب مجهول المالك وداخل في الفوائد والغنائم بلا إشكال كما تضمّنته الصحيحة .

ــ[206]ــ

   ثمّ إنّ عبارة الصحيحة هكذا : «مال يؤخذ» كما هو كذلك في التهذيب والاستبصار (1) ، فما في مصباح الفقيه من ضبط : «يوجد» (2) بدل : «يؤخذ» غلط من النسّاخ .

   ومنها : قوله (عليه السلام) في آخر الصحيح: «فأمّا الذي اُوجب من الضياع» إلخ ، فقد أورد عليه في المدارك بما نصّه : وأمّا مصرف السهم المذكور في آخر الرواية وهو نصف السدس في الضياع والغلاّت فغير مذكور صريحاً ، مع أ نّا لا نعلم بوجوب ذلك على الخصوص قائلاً .

   أقول : أمّا ما ذكره (قدس سره) من عدم ذكر المصرف فعجيب ، بداهة أنّ الصحيحة من بدايتها إلى نهايتها تنادي بأعلى صوتها بأ نّه (عليه السلام) في مقام تخفيف الخمس إمّا بالإلغاء محضاً كما في المتاع والآنية والخدم والربح ونحوها ، أو بالإلغاء بعضاً كما في الضيعة ، حيث أشار (عليه السلام) في صدرها بقوله : «إلاّ في ضيعة ساُفسِّر لك أمرها» فما ذكره هنا تفسيرٌ لما وعد ، ومعناه : أ نّه (عليه السلام) خفّف الخمس واكتفى عنه بنصف السدس ، فكيف لا يكون مصرفه معلوماً ؟! فإنّه هو مصرف الخمس بعينه .

   وأمّا ما ذكره (قدس سره) أخيراً من أ نّه لم يعرف له قائل ، فحقّ ، ولكنّه (عليه السلام) لم يكن بصدد بيان الحكم الشرعي ليقال : إنّه لا قائل به ، بل في مقام التخفيف عن حقّه الشخصي والاكتفاء عن الخمس بنصف السدس كما عرفت ، فيختصّ بزمانه ، ولا ينافيه قوله (عليه السلام) : «في كل عام» ، إذ الظاهر أنّ المراد : كلّ عام من أعوام حياته وما دامت الإمامة لم تنتقل إلى إمام آخر كما مرّ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 4 : 141 / 398 ، الاستبصار 2 : 60 / 198 .

(2) مصباح الفقيه 14 : 100 .

ــ[207]ــ

   ويدلّ على ذلك صريحاً صحيحته السابقة (1) المتضمّنة لمكاتبة إبراهيم بن محمّد الهمداني إلى الهادي (عليه السلام) وسؤاله عن كتاب أبيه الجواد (عليه السلام) فيما أوجبه على أصحاب الضياع من نصف السدس، واختلاف الأصحاب في ذلك ، وجوابه (عليه السلام) بوجوب الخمس بعد المؤونة ، الكاشف عن اختصاص نصف السدس بزمان أبيه (عليه السلام) ، وأنّ حكم الضيعة هو الخمس ، غير أ نّه (عليه السلام) اكتفى عنه بهذا المقدار .

   ومنها : قوله (عليه السلام) : «فأمّا الغنائم والفوائد» إلخ ، حيث أشكل عليه المحقّق الهمداني (قدس سره)(2) بأ نّه يظهر منه أنّ الأرباح غير داخلة في الغنائم، ولأجله أسقط الخمس في الأوّل وأثبته في الثاني ، فيظهر التغاير من المقابلة واختلافهما من حيث المصرف ، وأنّ خمس الأرباح يختصّ بالإمام (عليه السلام) ، ولأجله تصرّف (عليه السلام) فيه رفعاً وتخفيفاً .

   وهذا الإشكال أيضاً لا يرجع إلى محصّل ، لأنّ المذكـور فيها لو كان هو الغنائم فقط لأمكن الاستظهار المزبور ، ولكن اقترانها بالفوائد قرينة قطعيّة على أنّ المراد بها معنى عام يشمل مطلق الأرباح وغيرها ، غايته الالتزام بخروج صنف خاصّ من الفوائد ، وهي المذكورة قبل ذلك ممّا اُسقط عنه الخمس ـ  أعني : أرباح التجارات ونحوها  ـ ونتيجته ارتكاب التخصيص الذي ليس بعزيز ، فيثبت الخمس في غير ما ذكر من الفوائد .

   وبعبارة اُخرى : ما يحتمل فيه الاختصاص هو لفظ الغنائم ، فيدّعى ـ كما قيل ـ باختصاصه بغنائم دار الحرب ، وأمّا الفوائد فهي مطلقة قطعاً ولا مجال فيها للتوهّم المزبور بتاتاً ، فاقتران الأوّل بالثاني قرينة قاطعة على اتّحاد المعنى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المتقدّمة في ص 201 .

(2) مصباح الفقيه 14 : 201 .

ــ[208]ــ

وأنّ المراد مطلق الفوائد ، فلا تدلّ على عدم دخول الأرباح ، غايته التخصيص بها وأ نّه (عليه السلام) أوجب الخمس في هذه السنة فيما عدا الأرباح من الفوائد .

   والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ هذه الرواية صحيحة السند ، ظاهرة الدلالة على وجوب الخمس في الفوائد والغنائم وإن أسقط (عليه السلام) حقّه الشخصي في بعض السنين ، فيصحّ الاستدلال بها ولا يرد عليها شيء من الإشكالات حسبما عرفت .

   كما اتّضح أ نّه لا ينبغي الشكّ في وجوب الخمس في الفوائد مطلقاً وعدم الاختصاص بغنائم دار الحرب ، للإجماع والكتاب والسنّة المتواترة إجمالاً حسبما أسلفناك .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net