ــ[211]ــ
بل الأحوط ثبوته في مطلق الفائدة (1) وإن لم تحصل بالاكتساب كالهبة والهديّة والجائزة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خلوّها عنه حسبما عرفت .
(1) الجهة الرابعة : لا إشكال في تعلّق الخمس بكلّ فائدة فاضلة على المؤونة ، حاصلة بالتكسّب من أرباح التجارات والصناعات والزراعات والإجارات ونحو ذلك من الفوائد المقصودة المذكورة في المتن ، حيث إنّها القدر المتيقّن من أخبار هذا الباب .
وإنّما الكلام فيما يحصل بغير الاكتساب وأنّ الحكم هل يعمّ مطلق الفوائد ، أو لا ؟ وهي اُمور :
منها : الهبة والهديّة ، فقد اختلفت فيها الأنظار وكلمات علمائنا الأبرار بمثابة نُسب كلٌّ من القول بالوجوب وعدمه إلى المشهور :
فعن الحلّي في السرائر: نسبة الوجوب إلى أبي الصلاح الحلبي في كتاب الكافي، ثمّ أنكر عليه وقال : ولم يذكره أحد من أصحابنا إلاّ المشار إليه ، ولو كان صحيحاً لنقل أمثاله متواتراً ، والأصل براءة الذمّة (1) .
فيظهر منه أنّ عدم الوجوب ممّا تسالم عليه الأصحاب ما عداه .
وبعكس ذلك ما يظهر من المحقّق والشهيد من نسبة الوجوب إلى الأصحاب(2) ، حيث أسند الخلاف في الدروس إلى ابن إدريس خاصّة ، وفي المعتبر إلى بعض أصحابنا ، ويريد به ابن إدريس ، فكأنّ الوجوب متسالم عليه ولا مخالف غيره .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) السرائر 1 : 490 ، وهو في (الكافي في الفقه) : 170 .
(2) الدروس 1 : 258 ، المعتبر 2 : 623 .
ــ[212]ــ
وعن الشهيد الثاني والشيخ الأنصاري : إدخال الهبة في عنوان التكسّب ، نظراً إلى أ نّها معاملة تحتاج إلى القبول ، وهو نوع من التكسّب فتشملها كلمات الفقهاء من وجوب الخمس فيما يحصل بالاكتساب (1) .
ولا بأس بما ذكراه .
وكيفما كان ، فلا يهمّنا تحقيق الخلاف وتعيين القول المشهور ، وأنّ أيّ النسبتين صحيحة بعد وضوح عدم انعقاد إجماع في المسألة ، والعمدة ما يستفاد من الأدلّة .
والذي يدلّ على الوجوب أوّلاً : الكتاب العزيز ، بناءً على ما تقدّم من تفسير الغنيمة بما هو أعمّ من غنيمة دار الحرب ، وهو ما يستفيده الرجل إمّا مطلقاً ، أو بقيد بغير مشقّة كما قيل ، وإن كان التقييد ينافيه مورد الآية ، لما في الحرب من مشقّة . وعلى أيّ حال ، فتعمّ الهبة بلا إشكال ، فإنّها فائدة ، سواء أصدق في موردها التكسّب أم لا ، لعدم تقييد الآية بذلك ، فهي بنفسها كافية فى إثبات الوجوب في الهبة كغيرها .
وثانياً : عدّة من الأخبار وإن كان الكثير منها ضعيف السند ، والمعتبر منها الذي يمكن أن يستدلّ به ثلاثة :
فمنها : صحيحة علي بن مهزيار الطويلة ، قال (عليه السلام) فيها : «والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر» إلخ (2) ، حيث عدّ فيها من أنواع الفائدة : الهديّة والجائزة .
والتقييد بالخطير لا يدلّ على المفهوم بالمعنى المصطلح ، بل غايته الدلالة على
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المسالك 1 : 465 ، كتاب الخمس : 84 ـ 87 .
(2) الوسائل 9 : 501 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5 .
ــ[213]ــ
عدم تعلّق الحكم بالطبيعي الجامع ، وإلاّ لأصبح القيد لغواً .
ولعلّ وجه التقييد عدم البقاء إلى نهاية السنة لو لم يكن لها خطر ، بل تصرف في المؤونة غالباً ، ولا خمس إلاّ في فاضل المؤونة ، فلا دلالة فيها على عدم الوجوب إذا لم يكن لها خطر وكانت طفيفة .
نعم ، لا تدلّ فيها على الوجوب ، لا أ نّها تدلّ على عدم الوجوب .
وعليه ، فيمكن إثبات الوجوب في غير الخطير ، إمّا بعدم القول بالفصل ، ومع الغضّ فبالإطلاق في بقيّة الأخبار .
ومنها : موثّقة سماعة ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمس «فقال : في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير» (1) .
دلّت بعمومها الوضعي على تعلّق الحكم بمطلق الفائدة الشاملة للهديّة وغيرها .
ومنها : ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب محمّد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن هلال، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال : كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هديّة تبلغ ألفي درهم أو أقلّ أو أكثر، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب (عليه السلام) : «الخمس في ذلك» إلخ (2) .
أمّا الدلالة فظاهرة ، كما أنّ السند صحيح ، فإنّ ابن إدريس وإن ذكر في آخر السرائر فيما سـمّاه بالنوادر طرقه إلى أرباب الكتب ولم تثبت لدينا صحّة شيء
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 9 : 503 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 6 .
(2) الوسائل 9 : 504 / أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 10 ، مستطرفات السرائر : 100 / 28 .
|