إذا كان له أنواع من الاكتساب والاستفادة - اشتراط استقرار الربح أو الفائدة في وجوب الخمس 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 15:الخُمس   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4387

 

ــ[241]ــ

   [ 2932 ] مسألة 56 : إذا كان له أنواع من الاكتساب والاستفادة (1) ، كأن يكون له رأس مال يتّجر به وخان يؤجّره وأرض يزرعها وعمل يد مثل الكتابة أو الخياطة أو النجارة أو نحو ذلك ، يلاحظ في آخر السنة ((1)) ما استفاده من المجموع من حيث المجموع ، فيجب عليه خمس ما حصل منها بعد خروج مؤونته .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأمّا ما أعدّه للاتّجار بالمنافع الذي هو حدّ متوسط بين ما أعدّ للاتّجار بأصله ، وما أعدّ لصرف منافعه في المؤونة ، فعمّر البستان ليتّجر بثماره ، أو اشترى السيارة ليكتسب باُجرتها . ونحو ذلك ممّا يتّجر بمنفعته لا بأصله ، فقد تقدّم سابقاً أنّ هذا يجب الخمس في زيادته المتّصلة والمنفصلة وإن لم يجب في زيادة القيمة(2) . فلعلّ الماتن لايريد هذه الصورة ، لمنافاتها مع ما سبق ، فليحمل كلامه ـ كما عرفت ـ على الصورة السابقة ، أعني : ما أعدّه للانتفاع الشخصي المحسوب من المؤونة ، فلاحظ .

   (1) قد عرفت امتياز خمس الأرباح عن بقيّة أقسام الخمس في استثناء مؤونة السنة ، لكي يتحقّق الفاضل عن المؤونة .

   وحينئذ فهل الأرباح المتدرّجة خلال السنة المتحصّلة من الأنواع المختلفة ينضمّ بعضها إلى بعض ويلاحظ المجموع ربحاً واحداً وتستثنى عنه المؤن المصروفة في مجموع السنة ، فتلاحظ السنة لمجموع الأرباح كما تلاحظ للمؤن من أوّل الشروع في الكسب ، أو أوّل ظهور الربح على الخلاف في مبدأ السنة ؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل يجوز أن يلاحظ كلّ ربح بنفسه .

(2) في ص 229 وما بعدها .

ــ[242]ــ

   أو أنّ كلّ ربح يلاحظ بحياله وله سنة تخصّه ، فإن صرف في مؤونة السنة المتعلّقة به فلا شيء فيه ، وإلاّ وجب خمس الزائد من غير ملاحظة الاتّحاد والانضمام ، كما كان ذلك هو الشأن في الكنوز والمعادن المتعدّدة على ما تقدّم من مراعاة كلّ منها بحياله وانفراده ؟

   فيه كلام بين الأعلام :

   ذهب جماعة ـ ومنهم الماتن ـ إلى الأوّل .

   وذهب الشهيد الثاني في الروضة والمسالك وكذا غيره إلى الثاني (1) .

   وتظهر الثمرة بين القولين تارةً : في المؤن المصروفة بين الربحين ، فلو ربح أوّل محرّم عشرة دنانير وأوّل رجب ثلاثين وصرف ما بينهما في مؤونته عشرين :

   فعلى القول الأوّل : تستثنى هذه المؤونة في آخر السنة عن مجموع الربحين ـ أي الأربعين ـ فلا خمس إلاّ في العشرين الزائدة .

   وأمّا على الثاني : فلا وجه لاستثنائها إلاّ عن الربح الأوّل دون الثاني ، ضرورة عدم استثناء المؤونة إلاّ بعد ظهور الربح لا قبله ، فلو بقي الربح الثاني إلى انتهاء سنته وجب إخراج خمسه ، فيخمّس الثلاثين بتمامها من غير استثناء المؤونة السابقة عليها .

   واُخرى : في تخميس الربح المتأخِّر وعدمه ، فلو فرضنا أ نّه ربح في شهر محرّم عشرة وصرفها في مؤونته ، وكذا في شهر صفر إلى الشهر الأخير ، كلّما يربح في شهر يصرفه في مؤونته ، فصادف أن ربح في ذي الحجّة مائة دينار وصرف منها عشرة فبقي لديه في نهاية السنة تسعون ديناراً :

   فإنّه على القول الأوّل : يجب خمس هذه التسعين ، لزيادته على مجموع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المسالك 1 : 467 ـ 468 ، الروضة البهية 2 : 78 .

ــ[243]ــ

الأرباح الملحوظة في هذه السنة .

   بخلافه على القول الثاني ، إذ عليه مبدأ سنة هذا الربح ـ هو ذو الحجّة ـ وتنتهي في ذي الحجّة القابل ، وله صرفه خلال هذه المدّة في مؤونته ، ولا يجب إخراج خمسه إلاّ في شهر ذي الحجّة من السنة القادمة .

   فثمرة القولين تظهر في هذين الموردين ، وربّما تظهر في موارد اُخر كما لا يخفى على من تدبّروا معن النظر .

   هذا ، وربّما يستدلّ للقول الأوّل بما في صحيحة ابن مهزيار من قوله (عليه السلام) : «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» إلخ (1) .

   حيث يستظهر منها أنّ العبرة بملاحظة ربح السنة بما هي سنة ، فيلاحظ في كلّ عام مجموع الأرباح وتعدّ بمنزلة ربح واحد كما أنّ المؤونة أيضاً تلاحظ كذلك .

   ولكنّك خبير بعدم كون الصحيحة ناظرة إلى الضمّ ولا إلى عدمه ، وإنّما هي بصدد التفرقة بين الغنائم وغيرها ، حيث إنّه (عليه السلام) أسقط الخمس في سنته تلك عن جملة من الموارد واكتفى في بعضها بنصف السدس . وأمّا في الغنائم والفوائد فلم يسقط خمسها بل أوجبه بكامله في كلّ عام . وأمّا كيفيّة الوجوب من ملاحظة الأرباح منضمّةً أو مستقلّةً فهي ليست في مقام البيان من هذه الناحية بتاتاً ، فلا دلالة لها على ذلك أبداً .

   وعليه ، فالأظهر هو القول الأخير الذي اختاره الشهيد الثاني ، نظراً إلى أنّ المستفاد من الآية المباركة ـ بناءً على شمول الغنيمة لكلّ فائدة ـ وكذا الروايات الدالّة على أنّ الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير : أنّ الحكم انحلالي ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 501 /  أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5 .

ــ[244]ــ

فكلّ فرد من أفراد الربح والفائدة موضوع مستقلّ لوجوب التخميس كما كان هو الحال في المعادن والكنوز .

   فلو كنّا نحن وهذه الأدلّة ولم يكن دليل آخر على استثناء المؤونة لالتزمنا بوجوب الخمس فوراً وبمجرّد ظهور الربح ، ولكن دليل الاستثناء أوجب ارتكاب التقييد في الوجوب التكليفي إرفاقاً وإن كان الحقّ ثابتاً من الأوّل ، فلا يجب البدار إلى الإخراج ، بل له التربّص والتأخير ريثما يصرف في مؤونة السنة ، فيتقيّد الوجوب بعدم الصرف فيها .

   وأمّا ارتكاب تقييد آخر ـ أعني : ضمّ الأرباح بعضها إلى بعض ـ بحيث يستثنى حتى المؤن الحاصلة قبل الربح المتجدِّد ـ أي المؤنة المتخلّلة بين الربحين ـ فهذا لم يقم عليه دليل .

   وبعبارة اُخرى : الذي ثبت إنّما هو استثناء المؤونة من الربح المتقدّم لا من الربح المتأخّر ولو كان الربحان في سنة واحدة ، لوضوح عدم عدّ السابق من مؤونة الربح اللاّحق لكي يستثنى منه ، لفرض عدم صرفه فيها ، فما هو الموجب للاستثناء ؟!

   وكذلك الحال فيما لو حصل الربح قبل انتهاء السنة كاليوم الأخير من ذي الحجّة ـ مثلاً ـ فإنّ الالتزام بوجوب تخميسه عند هلال محرّم مع أ نّه لم يمض عليه إلاّ يوم واحد بلا موجب بعد تقييد الوجوب بما دلّ على أ نّه بعد المؤونة ، فإنّ هذا الربح مشمول لدليل الاستثناء ، ومقتضاه جواز صرفه في شهر محرّم وما بعده من الشهور إلى انتهاء سنة هذا الربح في حوائجه ومؤونته من زواج ونحوه ، فلو صرف يصحّ أن يقال : إنّه صرفه في مؤونته أثناء السنة ، ومعه كيف يجب عليه الآن إخراج خمسه ؟!

   والحاصل : أنّ الضمّ يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل .

ــ[245]ــ

   فالظاهر أنّ ما ذكره الشهيد الثاني ـ من أنّ كلّ ربح موضوعٌ مستقلّ وله سنة تخصّه وتستثنى مؤونة السنة عن كلّ ربح بالإضافة إلى سنته ـ هو الصحيح .

   نعم ، قد يكون هناك تداخل في المؤن الواقعة فيما بين الأرباح ، حيث يبقى مقدار من ربح محرّم ويصرف في مؤونة صفر ، ويبقى منه ويصرف في ربيع ، وهكذا ، فيتداخلان في المدّة المشتركة ، ولا ضير فيه كما لا يخفى .

   وما يقال من أنّ لحاظ المؤونة بالإضافة إلى كلّ ربح يوجب الاختلال والهرج والمرج .

   فلا نعقل له معنىً محصّلاً حتى في التدريجيّات مثل العامل أو الصانع الذي يربح في كلّ يوم ديناراً ـ مثلاً ـ فإنّه إن لم يبق كما هو الغالب حيث يصرف ربح كلّ يوم في مؤونة اليوم الثاني فلا كلام ، وإن بقي يخمّس الفاضل على المؤونة .

   نعم ، لا بأس بجعل السنة، لسهولة الأمر وانضباط الحساب ، كما هو المتعارف عند التجّار ، حيث يتّخذون لأنفسهم سنة جعليّة يخرجون الخمس بعد انتهائها واستثناء المؤن المصروفة فيها وإن كانت الأرباح المتخلّلة فيها تدريجيّة الحصول بطبيعة الحال . فإنّ هذا لا ضير فيه، إذ الخمس قد تعلّق منذ أوّل حصول الربح ، غايته أ نّه لا يجب الإخراج فعلاً ، بل يجوز ـ إرفاقاً ـ التأخير إلى نهاية السنة والصرف في المؤونة ، فبالإضافة إلى الربح المتأخّر يجوز إخراج خمسه وإن لم تنته سنته ، فإنّ ذلك كما عرفت إرفاق محض ولا يلزم منه الهرج والمرج بوجه . كما يجوز أن يخرج الخمس من كلّ ربح فعلاً من غير اتّخاذ السنة ، فلاحظ .

ــ[246]ــ

   [ 2933 ] مسألة 57 : يشترط ((1)) في وجوب خمس الربح أو الفائدة استقراره (1) ، فلو اشترى شيئاً فيه ربح وكان للبائع الخيار لا يجب خمسه إلاّ بعد لزوم البيع ومضيّ زمن خيار البائع .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) فإنّ الربح في الشراء المتزلزل الذي هو في معرض الزوال والانحلال بفسخ البائع لا يعدّ ربحاً في نظر العرف ، ولا يطلق عليه الفائدة بالحمل الشائع إلاّ بعد الاتّصاف باللزوم ، فقبله لا موضوع للربح ليخمس . فلو اشترى في البيع الخياري ما يسوى ألفاً بخمسمائة مع جعل الخيار للبائع ستّة أشهر ـ  مثلاً  ـ كما هو المتعارف في البيع الخياري ، لم يصدق عرفاً أ نّه ربح كذا إلاّ بعد انقضاء تلك المدّة .

   هذا ، وقد يقال بكفاية الاستقرار الواقعي بنحو الشرط المتأخّر ، فلو وقع البيع المزبور في أواخر السنة وكان الاتّصاف باللزوم في السنة اللاّحقة ، كشف ذلك عن تحقّق الربح في السنة السابقة وكان من أرباحها لا من أرباح السنة اللاّحقة .

   أقول : الذي ينبغي أن يقال هو التفصيل في المقام ، ولا يستقيم الإطلاق لا في كلام الماتن ولا في كلام هذا القائل .

   وتوضيحه : أ نّه لا ينبغي التأمّل في أنّ العين المشتراة بالبيع الخياري تقلّ قيمتها عن المشتراة بالبيع اللاّزم الباتّ ، ضرورة أنّ التزلزل يعدّ لدى العرف نوع نقص في العين نظير العيب ، أو كون العين مسلوبة المنفعة سنةً ـ مثلاً ـ أو أكثر ، فكما لا يبذل بإزائهما ما يبذل بإزاء العين الصحيحة أو غير المسلوبة فكذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يشترط ذلك ، بل العبرة بصدق الربح ، وهو يختلف باختلاف الموارد .

ــ[247]ــ

لا يبذل في البيع الخياري ما يبذل في البيع اللازم المستقرّ . وهذا واضح لا سترة عليه ، للزوم رعاية جميع الخصوصيّات المكتنفة بالبيع ، فإنّ الدار التي تسوى في البيع اللاّزم عشرة آلاف لا تشترى في البيع الخياري أكثر من ثمانية آلاف ـ  مثلاً  ـ وهكذا .

   وحينئذ فالثمن المقرّر في البيع الخياري المفروض في المقام إن كان معادلاً لقيمة العين بوصف كون بيعه خياريّاً ـ كثمانية آلاف في المثال المزبور ـ فلم يتحقّق ثَمّة أيّ ربح في السنة السابقة ، أي في سنة البيع ليجب خمسه ، ولا يكاد يكشف اللزوم المتأخّر عن الربح في هذه السنة بوجه ، لعدم استفادة أيّ شيء بعد أن اشترى ما يسوى بقيمته المتعارفة .

   نعم ، سنة اللزوم التي هي سنة زوال النقص المستلزم بطبيعة الحال لارتقاء القيمة هي سنة الربح ، فيجب الخمس وقتئذ ، لتحقّق موضوعه وهو الربح ، ويكون من أرباح هذه السنة دون السنة السابقة إن كانت العين قد أعدّها للتجارة ، وإلاّ فلا يجب الخمس إلاّ إذا باعها خارجاً ، كما هو الشأن في عامّة موارد ارتفاع القيمة السوقيّة حسبما عرفت سابقاً ، حيث إنّ المقام من مصاديق هذه الكبرى .

   وإن كان أقلّ من ذلك ، كما لو اشتراها في المثال المزبور بخمسة آلاف ، فقد تحقّق الربح عند الشراء ، سواء ألزم البيع بعد ذلك أم لا ، لجواز بيعه من شخص آخر بثمانية آلاف ، فقد ربح فعلاً ثلاثة آلاف فيجب خمسه ويكون من أرباح هذه السنة لا السنة الآتية .

   فينبغي التفصيل في المسألة بين هاتين الصورتين وإن كان الظاهر من عبارة المتن أنّ محلّ كلامه إنّما هي الصورة الاُولى على ما هو المتعارف في البيع الخياري من الشراء بالقيمة العاديّة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net