مبدأ السنة التي يكون الخمس بعد خروج مؤونتها - المؤن المستثناة عن الربح 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 15:الخُمس   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3966


ــ[250]ــ

   [ 2936 ] مسألة 60 : مبدأ السنة التي يكون الخمس بعد خروج مؤونتها حال الشروع في الاكتساب ((1)) (1) فيمن شغله التكسّب ، وأمّا من لم يكن مكتسباً وحصل له فائدة اتّفاقاً فمن حين حصول الفائدة .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) فصّل (قدس سره) في تعيين مبدأ السنة ـ تبعاً لجمع من الأصحاب ـ بين الربح الحاصل بالاكتساب من تجارة أو زراعة أو صناعة ونحوها ، وبين الفائدة الحاصلة اتّفاقاً كالجائزة والميراث الذي لا يحتسب ونحوهما ممّا يحصل من غير تكسب .

   فذكروا أنّ مبدأ السنة التي يكون الخمس بعد استثناء مؤونتها في الأوّل هو حال الشروع في الكسب وإن تأخّر عنه الربح بكثير ، وفي الثاني هو زمان ظهور الربح .

   وذلك لا من أجل الاختلاف في مفهوم عام الربح ، بل المفهوم فيهما واحد ، والاختلاف إنّما نشأ من ناحية المصداق والتطبيق الخارجي ، حيث إنّ انطباقه على الكاسب من أوّل الشروع في الكسب ، وعلى غيره من أوّل ظهور الربح .

   وذهب جماعة ـ ومنهم الشهيد (2) ـ إلى أنّ الاعتبار بظهور الربح مطلقاً وفي جميع الموارد ، فلا تستثنى المؤن المصروفة قبل ذلك من غير فرق بين الكاسب وغيره . وهذا هو الصحيح .

   والوجه فيه : أنّ المشتقّ وما في حكمه من الجوامد ظاهرٌ في الفعليّة ولا يستعمل فيما انقضى إلاّ بالعناية ، والوارد في النصوص لو كان عنوان عام الربح أو سنة الربح لأمكن أن يقال بأنّ إطلاقه على الكاسب يفترق عن غيره كما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر أنّ المبدأ مطلقاً وقت ظهور الربح .

(2) الدروس 1 : 258 ـ 259 .

ــ[251]ــ

   [ 2937 ] مسألة 61 : المراد بالمؤونة ـ مضافاً إلى ما يصرف في تحصيل الربح (1) ـ : ما يحتاج إليه لنفسه وعياله في معاشه بحسب شأنه اللائق بحاله

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ذكر ، ولكن لم يرد حتى لفظ السنة فضلاً عن عام الربح ، وإنّما الوارد فيها استثناء المؤونة ، فقد ذكر في صحيحة ابن مهزيار : «بعد مؤونته ومؤونة عياله» (1) ، وفي بعض النصوص غير المعتبرة : ما يفضل عن مؤونتهم، والمؤونة بحسب ما يفهم عرفاً المطابق للمعنى اللغوي : كل ما يحتاج إليه الإنسان في جلب المنفعة أو دفع الضرر . وقد عرفت أنّ هذا ظاهر في المؤونة الفعليّة دون ما كان مؤونة سابقاً .

   إذن فالمستثنى عن الربح إنّما هو المؤن الفعليّة لا ما صرفه سابقاً وقبل أن يربح ، إذ لا يطلق عليها فعلاً أ نّها مؤونة له وإنّما هي كانت مؤونة سابقاً ، فلا مقتضي لإخراجها عن الأرباح ، كما لا وجه لإخراج المماثل من ذلك عن الربح واحتسابه عوضاً عمّا صرفه سابقاً ، لعدم الدليل عليه .

   وعلى الجملة : فما صرفه سابقاً لم يكن مؤونة فعليّة ، ولا دليل على إخراج المماثل ، فإن ثبت هذا ـ ولا ينبغي الشكّ في ثبوته ـ فهو ، وإلاّ فيكفينا مجرد الشك في ذلك للزوم الاقتصار في المخصص المنفصل الدائر بين الأقلّ والأكثر على المقدار المتيقّن وهو المؤن المصروفة بعد ظهور الربح . وأمّا إخراج المؤن السابقة عن الربح المتأخّر فهو مشكوك فيرجع إلى إطلاق ما دلّ على وجوب الخمس في كلّ ما أفاد من قليل أو كثير .

   (1) أمّا بالنسبة إلى مؤونة التجارة وما يصرف في سبيل تحصيل الربح فقد دلّت على استثنائه عدّة من الأخبار المتضمّنة : أنّ الخمس بعد المؤونة ، بل لو لم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 500 /  أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 4 .

ــ[252]ــ

في العادة من المأكل والملبس والمسكن ، وما يحتاج إليه لصدقاته وزياراته وهداياه وجوائزه وأضيافه ، والحقوق اللازمة له بنذر أو كفّارة أو أداء دين أو أرش جناية أو غرامة ما أتلفه عمداً أو خطأً ، وكذا ما يحتاج إليه من دابّة أو جارية أو عبد أو أسباب أو ظرف أو فرش أو كتب، بل وما يحتاج إليه لتزويج أولاده أو ختانهم، ونحو ذلك مثل ما يحتاج إليه في المرض وفي موت أولاده أو عياله ، إلى غير ذلك ممّا يحتاج إليه في معاشه ، ولو زاد على ما يليق بحاله ممّا يعدّ سفهاً وسرفاً بالنسبة إليه لا يحسب منها .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تكن لدينا أيّة رواية كان ذلك هو مقتضى القاعدة ، ضرورة عدم صدق موضوع الخمس ـ أعني : الغنيمة والفائدة ـ إلاّ بعد إخراجها بأجمعها من اُجرة الدلاّل والدكّان والحمّال وما شاكل ذلك ، فإنّ من اشترى بضاعة باثني عشر ديناراً وباعها بخمسة عشر وأعطى للدلاّل ديناراً واحداً لا يقال : إنّه ربح ثلاثة دنانير ، بل دينارين فقط ، وهكذا ، وهذا ظاهر .

   ولا فرق في ذلك بين طول المدّة بحيث بلغت السنة والسنتين وقصرها ، فمن خرج من بلده لتجارة كاستيراد بضاعة ونحوها فطالت المدّة المصروفة في سبيل تحصيلها من مراجعة الدوائر الحكوميّة ونحو ذلك سنة أو أكثر ، فجميع المؤن المصروفة في هذا الطريق تستثنى عن الربح .

   وبالجملة : فالعبرة بالصرف في سبيل تحصيل المال بلا فرق بين السنة وغيرها . وهذا لا كلام فيه ولا شبهة تعتريه .

   وأمّا بالنسبة إلى ما يصرفه في معاش نفسه وعائلته فما ذكره (قدس سره) ـ  من التفصيل بين ما كان بحسب شأنه وما يليق بحاله في العادة وبين غيره  ـ هو الصحيح ، فإنّ كلمة المؤونة الواردة في الأدلّة ـ التي هي كما عرفت بمعنى : ما

ــ[253]ــ

يحتاج إليه الإنسان إمّا لجلب المنفعة أو لدفع الضرر ـ منصرفة كسائر الألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة إلى المتعارف ، بحيث يصدق عرفاً أنّه محتاج إليه بحسب شؤونه اللاّئقة به لنفسه ولمن ينتمي إليه ، ولأجله يختلف تشخيصه باختلاف الشؤون والاعتبارات ، فربّ مصرف يكون مناسباً لشأن أحد دون غيره بحيث يعدّ اسرافاً في حقّه ، فيستثنى بالإضافة إلى الأوّل دون الآخر .

   هذا كلّه في الاُمور الدنيويّة .

   وأمّا بالإضافة إلى العبادات والاُمور القربيّة من صدقة أو زيارة أو بناء مسجد أو حجّ مندوب أو عمرة ونحو ذلك من سائر الخيرات والمبرات ، فظاهر عبارة المتن وصريح غيره جريان التفصيل المزبور فيه أيضاً ، فيلاحظ مناسبة الشأن ، فمن كان من شأنه هذه الاُمور تستثنى وتعدّ من المؤن ، وإلاّ فلا .

   ولكن الظاهر عدم صحّة التفصيل هنا ،  فإنّ شأن كلّ مسلم التصدِّي للمستحبّات الشرعيّة والقيام بالأفعال القربيّة، امتثالاً لأمره تعالى وابتغاءً لمرضاته وطلباً لجنّته ، وكلّ أحد يحتاج إلى ثوابه ويفتقر إلى رضوانه ، فهو يناسب الجميع ، ولا معنى للتفكيك بجعله مناسباً لشأن مسلم دون آخر ، فلو صرف أحد جميع وارداته بعد إعاشة نفسه وعائلته في سبيل الله ذخراً لآخرته ولينتفع به بعد موته كان ذلك من الصرف في المؤونة ، لاحتياج الكلّ إلى الجنّة ، ولا يعدّ ذلك من الإسراف أو التبذير بوجه بعد أمر الشارع المقدّس بذلك ، وكيف يعدّ الصرف في الصدقة أو العمرة ولو في كلّ شهر أو زيارة الحسين (عليه السلام) كلّ ليلة جمعة أو في زياراته المخصوصة من التفريط والخروج عن الشأن بعد حثّ الشريعة المقدّسة المسلمين عليها حثّاً بليغاً ؟!

   فالإنصاف أنّ كلّ ما يصرف في هذا السبيل فهو من المؤن قلّ أم كثر . والتفصيل المزبور خاصّ بالاُمور الدنيويّة حسبما عرفت .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net